إنتهاك حقوق الإنسان في السعودية.

أحكام صادمة بالسعودية: ماذا جرى بعد زيارة بايدن الى جدّة؟

تحولات غير مسبوق في ملف الأحكام على المعتقلين بالسعودية

2022-11-09

شهدت الفترة التي أعقبت زيارة بايدن إلى المملكة تحولا غير مسبوق في ملف الأحكام على المعتقلين بالسعودية.

شهدت قضية معتقلي الرأي في السعودية، تطورا غير مسبوق خلال الأشهر الماضية، بإصدار المحكمة الجزائية المتخصصة بقضايا الإرهاب، أحكاما عديدة بالسجن لسنوات طويلة، طالت ناشطين ودعاة.

وكان لافتا نقض محكمة الاستئناف أحكاما سابقة، كان يقضي بعضها بالإفراج عن معتقلين قضوا سنوات في السجن، لتعود وتُصدر بحقهم أحكاما صادمة بالسجن فترات طويلة.

ورصدت عدة حالات نقض أحكام سابقة، ورفع مدة السجن في الفترة بين مطلع العام الجاري حتى زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى مدينة جدة غرب المملكة في تموز/ يوليو الماضي، مثل إضافة 8 سنوات سجن على الشيخ خالد الراشد، بعد انتهاء محكوميته بالسجن 15 سنة.إلا أن الفترة التي أعقبت زيارة بايدن ولقاءه الملك سلمان، وولي عهده في قصر السلام بجدة، شهدت تحولا غير مسبوق في ملف الأحكام، إذ نقضت محكمة الاستئناف عشرات الأحكام “المخففة”، وأصدرت “الجزائية” أحكاما جديدة، وصل بعضها إلى السجن لنصف قرن.

وبحسب منظمة “داون” لحقوق الإنسان، فإن الاعتقالات التي طالت قضاة سعوديين في نيسان/ أبريل الماضي، واستخلافهم بآخرين أشد موالاة للسلطة، كانت عاملا مهما في مثل هذه الأحكام غير المسبوقة أيضا.

وكشفت المنظمة، أن القاضي عوض بن علي الأحمري، عيّن في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي رئيسا للمحكمة الجزائية المتخصصة، وهو مسؤول عن إصدار الأحكام الصادمة.

وأشارت إلى أن الأحمري كان ضمن وفد سعودي زار قنصلية الرياض في إسطنبول، إبان محاولة المملكة التستر على جريمة اغتيال الصحفي جمال خاشقجي في العام 2018.

رأى خبراء، أن الزيارة التي قام بها الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى المملكة في تموز/ يوليو الماضي، منحت ضوءا أخضر لولي العهد السعودي للقيام بخطوات بطش إضافية ضد المعتقلين.

وبرغم الخلاف اللاحق حول إنتاج النفط، فقد قال المؤرخ والكاتب الصحفي البريطاني المهتم بشؤون الشرق الأوسط، أندرو هاموند، إن الزيارة التي حدثت في الصيف، تعتبر “انتصارا لابن سلمان”، مضيفا أنها فتحت للأمير السعودي أبواب زيارة الغرب مجددا.

ولفت هاموند في حديث لـ”عربي21” إلى أنه توقع منذ الزيارة في الصيف، أن “أي فرصة تحسن في الملف الحقوقي، هي ضئيلة للغاية”.
وأوضح هاموند أن اهتمام بايدن بملف النفط، وتعزيز الدور الإقليمي للولايات المتحدة في المنطقة، والسعي إلى زيادة التوافق بين دول المنطقة والاحتلال الإسرائيلي، خلقت فرصة مواتية لابن سلمان في البطش بالناشطين.
في حين، قال مدير مركز الجزيرة العربية الإعلامي، محمد العمري، إنه برغم المطالب الغربية للمملكة بإصلاح الملف الحقوقي، إلا أن الاستفادة من الصفقات لا سيما صفقات السلاح، مع الولايات المتحدة، ودول أخرى، جعلتها تصمت أمام ما يحصل في المملكة من قمع وتضييق غير مسبوق.
ورأى العمري أنه حتى في حال وجود خلافات في الأشهر الأخيرة، إلا أن الواقع في السعودية يشير إلى أن محمد بن سلمان سيصبح ملكا بمباركة أمريكية.
فيما ذكر معهد “كوينسي” الأمريكي للأبحاث والدراسات، أن ما زعمه البيت الأبيض من حصول بايدن على التزامات سعودية بتحسين الملف الحقوقي، أثبت أنها “عديمة القيمة”، مضيفا أنه “من الضروري أن تصحح إدارة بايدن أخطاءها السابقة، وتمارس ضغوطا كبيرة على الرياض”.

وأضاف المعهد في مقال للباحث دانييل لاريسون، أن “المملكة، عندما تتعامل مع الكلام والتعبير السلمي على أنه إرهاب، فإنه لا يمكن أن تكون شريكا أمنيا موثوقا به”.

وأضاف أن إدارة بايدن منحت ابن سلمان الضوء الأخضر لمزيد من الوحشية في الأحكام، لا سيما أنها لم تحاسبه بشكل جدي على أي فعل قام به منذ توليه ولاية العهد، بحسب قوله.

دعاة وناشطات.. مصير واحد

دخلت السعودية في الأشهر الأخيرة مرحلة جديدة في تعاملها مع قضايا الناشطات الحقوقيات، والمعتقلات على خلفية تغريدات عبر “تويتر”، فبعد إفراجها عن لجين الهذلول في شباط/ فبراير 2021، وإعفائها بالإضافة إلى عدة معتقلات من إكمال مدة سجنهن (وقف تنفيذ)، فقد أصدر القضاء السعودي مؤخرا أحكاما قاسية ضد مجموعة من النساء.
وبحسب منظمات، ووسائل إعلام غربية، فإن السعودية قضت بالسجن 35 سنة على الناشطة والطبيبة سلمى الشهاب، كما أنها قضت بالسجن 45 سنة على الناشطة نورة القحطاني.
فيما قامت المحكمة بنقض حكم سابق بالسجن مدة سنتين و 8 أشهر، مع وقف تنفيذ سنة منها، على التونسية مهدية المرزوقي، لتعيد محاكمتها مجددا، وتقضي بسجنها 15 سنة، كما أنها نقضت الحكم السابق ضد الناشطة إسراء الغمغام، ليستبدل من السجن 8 سنوات إلى 13 سنة.
القضاء السعودي، أصدر أحكاما عالية بالسجن ضد ناشطين، بينهم سعد إبراهيم الماضي، وناصر المبارك (16 سنة سجنا لكل منهما).

الأحكام العالية انسحبت أيضا على الدعاة المعتقلين، والذين كانت السلطات أخرجت مجموعة منهم بوقف تنفيذ المدد المتبقية من سجنهم، إذ عادت بعد زيارة بايدن إلى تغليظ الأحكام عليهم.
ونقضت محكمة الاستئناف حكم الإفراج عن الداعية عبد العزيز العبداللطيف، وأصدرت حكما بالسجن ضده مدة 20 سنة، كما أنها قضت باعتقال محمد العزي أحد أعيان المنطقة الشرقية بالسجن 15 سنة.
وقضت بالسجن 30 سنة على الداعية ناصر العمر، بعد أن كانت 10 سنوات مع وقف التنفيذ لأربع منها، إضافة إلى السجن 27 سنة للداعية عصام العويد، علما بأنه كان قد أنهى محكوميته السابقة في 2020، إلا أن السلطات لم تفرج عنه.
ونقض القضاء السعودي الحكم بالإفراج عن إمام المسجد الحرام سابقا صالح آل طالب، لتقضي بسجنه 10 سنوات.
ورفع القضاء حكم السجن على الداعية إبراهيم الناصر من 3 أشهر إلى 3 سنوات، قبل أن يتم رفع الحكم إلى 15 سنة.
ومن بين الأحكام الأخرى العالية خلال الأشهر الأخيرة الماضية:
صالح التويجري (15 سنة)، الشيخ إبراهيم الدويش (15 سنة)، محمد الألمعي (20 سنة)، الشاعر وسم سعد كده (14 سنة)، محمد الجديعي (18 سنة)، قاسم الألمعي (8 سنوات)، علي الألمعي (23 سنة)، عبد الرحمن المحمود (25 سنة).

قضاء مسيّر
وقال نائب رئيس المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان، عادل السعيد، إن “القضاء في السعودية غير مستقل، بل هو مجرد غطاء ودمية في يد الملك وولي العهد لتبرير سحق المعارضين وأصحاب الرأي”.
وحول أسباب مضاعفة الأحكام بشكل غير مسبوق، قال السعيد ، إن ذلك يعود إلى سعي ابن سلمان لزيادة منسوب الخوف في قلوب المواطنين، لمنعهم من التعبير عن آرائهم في الوقت الحالي، وتحذيرهم من الاعتراض على أية قرارات سيتخذها في المستقبل القريب، بحسب قوله.
و قالت الناشطة الحقوقية، حصة الماضي، إن الأحكام صدرت على تهم لا تعد جرائم في الدول الديمقراطية، ولا في القانون الدولي الذي يشرّع التعبير عن الرأي.
وقالت  إن الأنظمة السعودية تمنع إعادة محاكمة السجناء واحتجازهم بما يتجاوز الأحكام الصادرة بحقهم، مضيفة أن “هذا مخالف بموجب المادة 2 من نظام الإجراءات الجزائية، ومع ذلك فإن هناك العديد ممن انتهت محكوميتهم ولم يفرج عنهم، ومنهم الناشطان عيسى النخيفي ومحمد الربيعة المضربان عن الطعام”.
واتهمت الماضي، السلطات السعودية بـ”الاستخفاف بحقوق الإنسان، رغم أن السعودية تعرضت لكثير من الانتقادات الدولية تحت قبة مجلس حقوق الإنسان”.

استهداف للحويطات
في نيسان/ أبريل من العام 2020، قتلت السلطات السعودية المواطن عبد الرحيم الحويطي، بعد رفضه إخلاء منزله في قرية “الخربة” بمحافظة تبوك، والتي قررت الحكومة إزالتها لضمها إلى مشروع “نيوم”.
مقتل الحويطي الذي اتهمته السلطات السعودية بـ”الإرهاب”، سبقته حملة احتجاجية من قبل أفراد آخرين من القبيلة الممتدة من الساحل الغربي السعودي إلى خليج العقبة، وترددت أنباء حينها عن اعتقال مجموعة منهم.
و كشفت منظمات حقوقيةالشهر الماضي، أن السلطات السعودية قضت بإعدام شادلي، شقيق عبد الرحيم الحويطي، إضافة إلى عطا الله وإبراهيم الحويطي، وهما من أبناء عمومته.
وقالت منظمة “القسط”، إن حكم الإعدام يأتي برغم سلمية الاحتجاج الذي قاده الأفراد الثلاثة، وكان بعضهم من بين الوفود التي توجهت في السابق إلى إمارة منطقة تبوك لمحاولة إقناع السلطات بالتراجع عن قرار إزالة منازلهم.
وبالإضافة إلى أحكام الإعدام، فقد أصدرت المحكمة الجزائية المتخصصة، أحكاما قاسية بالسجن على عدد من أبناء الحويطات، إذ قضت بسجن عبد الإله، وعبد الله مدة 50 سنة، وهما من بين المعتقلين على خلفية رفضهم التهجير القسري أيضا.
وقضت ذات المحكمة بالسجن 27 سنة على عبد الناصر الحويطي، و20 سنة على نجله أحمد الذي اعتقل من داخل الجامعة خلال دراسته، بالإضافة إلى السجن 35 سنة على محمود الحويطي.

 

إعدامات مرتقبة

تخشى منظمات حقوقية من تنفيذ السلطات السعودية في الفترة المقبلة، وجبة إعدامات كبيرة، على غرار ما تم تنفيذه في آذار/ مارس الماضي، بإعدام 81 شخصا.
وبالإضافة إلى المعتقلين الثلاثة من قبيلة الحويطات، فقد قضت المحكمة الجزائية المتخصصة، بالإعدام ضد سبعة معتقلين من الطائفة الشيعية، التي تتواجد في المناطق الشرقية من المملكة.
وقال عادل السعيد، إن الأسماء المؤكدة التي حكم القضاء السعودي بإعدامهم، يوجد من بينهم شابان تم اعتقالهما وهما قاصران (جواد قريريص، ويوسف المناسف)، بالإضافة إلى عبد المجيد النمر، وعلي المبيوق، ومحمد حسن اللباد، ومحمد الفرج، وأحمد آل دغام.
ولفت السعيد، إلى أن “أحكام الإعدام والمطالبة بها في ازدياد، والأرقام الموجودة لدى المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان بالتأكيد هي أقل من الواقع”.
وتابع بأنه “علاوة على ذلك، تطالب النيابة العامة منذ سنوات بأحكام إعدام ولكن لم تصدر حتى الآن أحكام ابتدائية بالموافقة أو الرفض”، في إشارة إلى مطالبات النيابة العامة سابقا بإعدام الدعاة المعتقلين، سلمان العودة، وعلي العمري، وعوض القرني، بالإضافة إلى الباحث حسن فرحان المالكي.
وفي استبعاده أي قرار بالعفو، أو طي ملف المعتقلين في المستقبل القريب، قال السعيد إن “ما نشاهده الآن من قمع غير مسبوق، هو بداية لمرحلة جديدة من القمع والظلم في السعودية”.

عربي 21