قال البروفيسور يحيعام فايس، المحاضر الجامعي والمؤرخ الإسرائيلي البارز، معقّباً على نتائج انتخابات الكنيست الخامسة والعشرين، إن “إسرائيل” يحكمها زعران.
ففي مقال نشرته صحيفة “هآرتس”، يعلّل فايس مقولته هذه بالعودة للماضي، ويقول إنه في الانتخابات المباشرة لرئاسة الحكومة (التي أجريت للمرة الأولى في أيار 1996) كان هناك متنافسان هما شيمون بيريز، الذي كان في حينه يشغل منصب رئيس الحكومة ووزير الأمن، في الثالثة والسبعين من عمره، ويعتبر سياسياً مخضرماً ومجرباً، وشغل مناصب كثيرة، بما في ذلك منصب وزير الخارجية ووزير المالية، أما منافسه فكان بنيامين نتنياهو، في حينه عمره 47 سنة، وتقريباً لم تكن لديه أي تجربة في إدارة حكومة أو وزارة، والمنصب الوحيد الذي شغله هو نائب وزير في وزارة الخارجية وفي مكتب رئيس الحكومة. وساد لدى الجمهور الإسرائيلي شعور واضح بأن بيريز سينجح في المنافسة، وسيواصل شغل منصب رئيس الحكومة. ويرى فايس أن منبع هذا الشعور هو قتل رئيس الحكومة، إسحق رابين، قبل نصف سنة، وعشية الانتخابات كان لا يزال الحدث غضاً في الذاكرة: بيريز اعتُبر مواصلاً درب رابين، والغضب من اليمين كان كبيراً جداً.
ويتابع المؤرخ الإسرائيلي، مشيراً لصعود نتنياهو سدة الحكم بشكل مفاجئ: غداة الانتخابات، تبيّن أن نتنياهو فاز بأغلبية صغيرة، 50.1% من إجمالي الأصوات الصالحة، وقد انتُخب كرئيس لحكومة إسرائيل التاسعة، مقابل حصول بيريز على 49.9%.
ويرى فايس أن هذا الانقلاب قد حدث بسبب أخطاء بيريز في الفترة القصيرة التي شغل فيها منصب رئيس الحكومة. وبالنسبة لفايس كان من الواضح أنه منح خصمه الحكم على طبق من فضة، ويستذكر أنه في أوساط مؤيدي بيريز كان اليأس كان عميقاً. ويضيف: “كان من الواضح أنه حدث هنا ظلم صارخ، حيث إن نتنياهو كان له دور في التحريض ضد رابين. ما أدى في النتيجة إلى مقتله.
ويتساءل المؤرخ الإسرائيلي: كيف يمكن رؤية نتنياهو الحالي؟ هناك جوانب تجدر الإشارة إليها: الجانب الأول هو أنه، رغم فوزه، يعتَبر شخصاً منتوف الريش. فهو ليس فارس الفوز على صيغة تشرتشل المحلي. ويضيف: “هناك فرق كبير بين نتنياهو الشاب، الذي كان يمثل “إسرائيل” في الأمم المتحدة، وكان شخصاً لامعاً وطموحاً بلا حدود ونجح في الوصول إلى مكتب رئيس الحكومة بسرعة قياسية ضد كل التوقعات، وبين الشخص الذي يتجول الآن وصندوق مليء بالحشرات معلق على ظهره – ملف جنائي في المحكمة المركزية في القدس”.
ويعتبر أن، مقارنة مع افترائه الراهن على جهاز القضاء، علاقته في 1996 مع رئيس المحكمة العليا، في حينه أهارون براك، كانت مهضومة أكثر. الآن، حصل على رسالة تحذير من لجنة التحقيق الرسمية عن كارثة جبل الجرمق، الذي شهد حادثة تدافع قبل عام ونيف، خلال زيارة دينية لليهود الحرديم قتل فيها 140 شخصاً.
كما يقول فايس إن شهادته في اللجنة كانت تشبه الثلاثة قرود: أنا لم أسمع، لم أر، لم أقل. وإذا كان هذا غير كاف فإن الوصف الذي قدمه نير حيفتس، الذي كان حامل صندوق أدواته، في برنامج التحقيقات التلفزيوني “المصدر”، لسلوك نتنياهو ومكتبه، وبشكل خاص عائلته، كان وصفا لفظائع. لم يكن هناك أي رئيس وزراء تم وصفه بهذا الشكل، بدءاً بدافيد بن غوريون، وانتهاء بيائير لبيد.
في خلاصته، يقول المؤرخ الإسرائيلي يحيعام فايس إن نتنياهو، الذي ابتعد في السابق عن الجهات المتطرفة، مثل حزب الاتحاد الوطني، برئاسة يعقوب كاتس، في 2009، يعطي الآن بيديه الشرعية لأسوأ العنصريين؛ وإنه لا يمكن المبالغة بمعنى الخطوة التي اتخذها، دعوة حزب بن غفير – سموطريتش للحكومة.
ويتابع: “بذلك هو أعطى الطلاق القطعي لحلم التنور، وأن نكون “نوراً للأغيار”، الذي آباؤنا، بمن فيهم جابوتنسكي، حاول تحقيقه. نتنياهو يقوم، الآن، بتحويل إسرائيل من “دولة” يهودية وديمقراطية إلى “دولة” يحكمها زعران عنيفون. وهو نفسه تحول إلى دمية في أيديهم. لقد حكم عليه من قبل الشرنقة التي صنعها بنفسه. ليتنا نستيقظ ذات يوم من هذا الحلم الكابوسي”.