المعاملة الأسرية وتأثيرها على الأبناء

أسباب الإساءة أو العنف في الأسرة متعددة يأتي على رأسها العامل الاقتصادي الذي يعتبر أساسيا وبالتالي فإن هذا النوع يشيع في الطبقات المتوسطة والفقيرة

2023-04-30

تعد أنماط المعاملة بين الأفراد في الأسرة إحدى الركائز الأساسية في عملية التواصل والتفاعل وبالتالي التفاهم، إلا أن هناك عوامل بعضها موضوعي وبعضها مفتعل قد تجعل هذه المعاملة سلبية بين الزوجين، مما يجعل أثرها السلبي يمتد إلى الأبناء والوالدين المسنين وإلى كل الاقارب من الجهتين، ومن هذه العوامل:- الخلفية التربوية والاجتماعية التي نشأ عليها الزوجين والمستوى التعليمي ونوع المهنة بالإضافة إلى المستوى الاقتصادي لأسرة كليهما، وغير ذلك..
فالتباين في هذه الخلفيات والعوامل ينتج عند أحد الزوجين مجموعة من التصورات والمفاهيم والمعتقدات التي تختلف وتتباين هي الأخرى، ويصمم كل طرف على أنه هو الذي يملك الصواب بينما الطرف الآخر على خطأ، ومن هذا المنطلق تنشأ الصراعات التي تجعل من العنف وسيلة للتعامل المباشر، ويصبح البيت جحيما لمن يعيش فيه.

تعد الأسرة المؤسسة الاجتماعية التي تنشأ من اقتران رجل وامرأة بعقد يرمي إلى إنشاء اللبنة التي تساهم في بناء المجتمع، وأهم أركانها، الزوج، والزوجة، والأولاد، وتمثل الأسرة للإنسان المأوى الدافئ والملجأ الآمن والمدرسة الأولى ومركز الحب والسكينة وساحة الهدوء والطمأنينة..
إلا أنه ومع شديد الاسف أصبحت ظاهرة الإساءة والعنف الأسري من الظواهر الاجتماعية الأكثر وضوحاً وانتشاراً في المجتمعات الإنسانية بمختلف ثقافاتها وأبنيتها الاجتماعية.. حتى أصبحت تهدد الكيان الأسري والبناء الاجتماعي في أي مجتمع..
والإساءة أو العنف ليست الإيذاء البدني فقط، فقد تكون لفظية بتوجيه الألفاظ الجارحة من قبل أحد الطرفين للآخر وقد تكون نفسية أو عاطفية أيضا، فمجرد عبوس شخص في وجه شخص آخر يعتبر شكلا من أشكال الإساءة أو العنف النفسي.

إن أسباب الإساءة أو العنف في الأسرة متعددة يأتي على رأسها العامل الاقتصادي الذي يعتبر أساسيا وبالتالي فإن هذا النوع يشيع في الطبقات المتوسطة والفقيرة، وبجانب هذا العامل يوجد العامل الاجتماعي فالتفاوت الطبقي بين الطرفين مثلا يؤثر على تعاملات كل منهما تجاه الآخر، فسلوكيات الزوج إن كان من الريف مع زوجة من المدينة تختلف عما لو كانا من بيئة واحدة، كما أن التباين الثقافي والفكري أحد صور العامل الاجتماعي المؤدية لسوء المعاملة بشكل غير مباشر، ولا ننسى العامل النفسي في هذا الموضوع فالفتور العاطفي الذي يتولد بين الزوجين عندما يأتي من قبل أحد الطرفين تجاه الأخر له دور مهم.

كما تنشأ الإساءة في الأسرة من خلال التربية والتنشئة التي يمارسها الوالدان تجاه الأبناء، حيث تتسم معاملتهم بالقسوة والعنف وبالتالي يتولد شعور العنف لدى الطفل ويستمر معه حتى الكبر، والإساءة داخل الأسرة يصدر غالباً من الرجل رب الأسرة أو من بيده السلطة التي تخوله فرض رأيه وممارسة قوته ضد الحلقة الأضعف وهي غالباً فئة الأطفال والنساء وكبار السن.

إن مفهوم سوء المعاملة والإهمال للأطفال مثلا قد يتسع ليتضمن حالات عديدة من سوء المعاملة ومن الأساليب الخاطئة في تنشئتهم، بل قد يمتد أيضاً ليشمل صدمات الطفولة أو الأطفال المصدومين نتيجة للأحداث المؤلمة التي تعرضوا لها وهي مشاعر عالقة تعطل أو تعوق ارتقائهم النفسي، ولاشك أن تعرض الأطفال لسوء المعاملة والإهمال يشكل في حد ذاته صدمة للطفل وصدمة الإساءة لها من التبعات والعواقب والمظاهر التي تؤثر على الصحة النفسية للفرد
أشارت نتائج عدة دراسات إلى أن العلاقات داخل أسر المعتدين تتسم باتساع المسافة النفسية بين أفرادها، وضعف التواصل الإيجابي وانخفاض التوافق الفكري و الوجداني بينهم. ولكي نقلل من الإساءة والعنف داخل الاسرة علينا أن نعمل على تضييق هذه الفجوة النفسية وتدعيم الروابط الوجدانية، من خلال وسائل عديدة من قبيل تشجيع أفراد الأسرة على تبنى مجموعة من الإجراءات التي يندر ممارستها الآن مثل التنزه معا على الأقل مرة واحدة شهريا، فالالتقاء في سياق يشجع على الاسترخاء سيزيد من فرص التواصل بينهم، وهو ما يقلل من احتمال تصاعد التوتر المثير للعنف..
كذلك الحرص على تناول كل أفراد الأسرة وجبة طعام واحدة على الأقل يوميا مجتمعين، ولتكن وجبة العشاء مثلا شريطة أن يبقى التليفزيون مغلقا ليكون هناك فرصة ليطرح كل منهم ما لديه من حصيلة يومه من مباهج، وأخبار، ومعلومات قد تعود على الجميع بالمنفعة.
فضلا عن ذلك ينبغي أن يكثر أفراد الأسرة إبان تواصلهم، على المستوى اللفظي وغير اللفظي، من استخدام العبارات الودية الرقيقة وتوجيه الثناء لمن يفعل شيئا حسنا، وفى المقابل يحسن تجنب التفوه بألفاظ لاذعة، التعليق المشبع بالسخرية على سلوك الآخرين، النقد الهجومي.
كما أن رؤية السلوكيات البناءة في التليفزيون تشجع الأطفال على أن يمارسوها في الواقع، وإن المشاهد الواقعية التي يتعرض لها الفرد في الحياة أكثر تأثيرا، ومن هذا المنطلق فإن إحدى ركائز إستراتيجيات مواجهة العنف ينبغي أن تضع فى اعتبارها تنمية روح الإيثار والتسامح بوصفها استجابات مضادة للعنف، وحث الأفراد على ممارستها فى حياتهم اليومية، وقد يتسنى ذلك من خلال تضمينها فى المقررات الدراسية، أو استضافة من يمارس فعلا يتسم بالإيثار فى وسائل الإعلام.