رئيسة المفوضية الأوروبية وذاكرتها الهشة تجاه فلسطين

أثارت تصريحات “أورسولا” الأخيرة الصادمة عاصفة انتقادات كبيرة، بقولها: "إسرائيل حولت الصحراء إلى جنة"، وكانت هذه التصريحات كفيلة بان تقلب المنطقة رأسًا على عقب وتدفع الملايين لاتهامها بالخبث السياسيّ والتضليل.

2023-04-30

مؤخراً، أثارت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، حالة من الغضب داخل الأوساط الفلسطينية والعربية بعد تصريحات استفزازية للغاية مجّدت فيها الاحتلال الإسرائيلي العسكريّ لفلسطين، رغم جرائمه التي وثقها العالم من قتل وتدمير وحرق وتدنيس للمقدسات في مشهد دمويّ لا مثيل له، رغم أنّ العالم بأجمعه يشهد على إجرام العدو الكيان الصهيونيّ الوحشيّ الذي لا يكف عن ارتكاب أشنع الجنايات بحق الفلسطينيين، وذلك في ظل اتهامات من منظمات حقوقيّة دوليّة معنية بحقوق الإنسان، بانتهاج الكيان الباغي سياسات تمييز عنصريّ واضطهاد في معاملة الفلسطينيين، والأقلية العربيّة في الأراضي الفلسطينيّة المُحتلة والتي ترقى إلى حد الجرائم ضد الإنسانيّة، كما أنّ الاحتلال المجرم يعترف بكل وقاحة باستهداف وقتل وتهجير الفلسطينيين ونهب أراضيهم، ورغبته بالهيمنة على الفلسطينيين بالسيطرة على الأرض والتركيبة السكانيّة لمصلحة الإسرائيليين اليهود.

وحتى الصهاينة أنفسهم لا ينكرون ذلك، لأنّهم أسّسوا كيانهم الإرهابيّ وفق منهج الإبادة وهم يؤكّدون ذلك بكل فخر في أيّ مكان ومع كل مناسبة، فمنذ يوم 14 مايو/ أيار عام 1948، عندما صُنع هذا الكيان وحصل على اعتراف الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتيّ بعد دقائق من إعلانه، وحتى اليوم، لم تتغير سياسة قادته قيد أُنملة، بل زادت ظلماً وعدواناً حتى وصلت إلى قمة الإجرام والإرهاب، بعد أن فرضه المستعمرون على العالم وعلى المنطقة، والتاريخ أكبر شاهد على الوحشيّة الصهيونيّة في فلسطين والمنطقة.

ذاكرة هشة وتصريحات صادمة

أثارت تصريحات “أورسولا” الأخيرة الصادمة عاصفة انتقادات كبيرة، بقولها: “إسرائيل حولت الصحراء إلى جنة”، وكانت هذه التصريحات كفيلة بان تقلب المنطقة رأسًا على عقب وتدفع الملايين لاتهامها بالخبث السياسيّ والتضليل، واعتبرتها الفصائل الفلسطينية بأنها “مشينة وكاذبة وعديمة الإحساس”، وقد أثارت تصريحات المسؤولة الأوروبية استغراباً كبيراً في الشارع العربيّ نتيجة “وقاحتها”، وخاصة أنّه لا يمكن حصر الجرائم التي ارتكبها ويرتكبها العدو الصهيونيّ السفاح بحق الفلسطينيين والعرب والتي تكشف عنصريّة الكيان ودمويّة من يدعمه، ناهيك عن الجرائم الكثيرة التي تستهدف الأطفال والشيوخ والنساء جهاراً نهاراً، وأنّ التصريحات الغربية ذات أهمية كبيرة لتذكيرنا الدائم بأهمية الإضاءة على جزءٍ يسير من جرائم الصهاينة لنصل في النهاية إلى محاسبة دوليّة تردع تلك العصابات عن عدوانها بحق الأبرياء.

وفي الوقت الذي يشهد تاريخ أورسولا على الكثير من المواقف السياسية التي تحاول فيها “التملق” للصهاينة وتمجيد عدوانهم وجرائمهم بحق كل ما هو فلسطيني وحتى عربي منذ سنوات، إلا أن مناسبة مرور 75 عامًا على قيام كيان الاحتلال على أنقاض فلسطين كانت كافية لإظهار مدى خبث السياسيين الأوروبيين تجاه شرقنا المنهك بفتنهم، متجاهلة “النكبة” الفلسطينية، وتهجير الشعب الفلسطيني، ومأساته التي بدأت منذ احتلال أرضه، رغم أن الإسرائيليين أوصلوا خلال سنوات احتلالهم رسالة للعالم أجمع بأنّهم غير مستعدين بأيّ حال من الأحوال سوى لانتهاك الحرمات وسفك الدماء وسلب الأراضي، فيما تركوا حلاً وحيداً للفلسطينيين هو وقوع “ثورة غضب” عارمة بوجه الاحتلال وعصاباته تنهي جبروتهم وظلمهم، لأنّ التصدي للصهاينة وعربدتهم المتصاعدة هو السبيل الوحيد لردعهم ولحماية فلسطين وشعبها، وقطع يد قوات الاحتلال ومنعها من العربدة والتغول في أراضي الفلسطينيين عبر مخطّطات العدو الاستيطانيّة الرامية لإنهاء الوجود الفلسطينيّ السياسيّ والسكانيّ في الضفة الغربيّة والعاصمة الفلسطينيّة القدس.

ولا بدّ لرئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، أنّ تضيف إلى ذاكرتها التاريخية الهشة جميع المجازر التي ارتكبتها مختلف العصابات الصهيونيّة اشتركت بإلقاء المتفجرات على الفلسطينيين وفتح النار في جميع الاتجاهات، فضلاً عن استخدام الأسلحة البيضاء الحادة دون أي تمييز بين شباب أو مسنين أو أطفال ونساء، وتخلل بعضها شق رؤوس أطفال بالعصيّ، ولم يخل منزل من الجثث، ثم اقتادوا النساء والرجال وأبقوهم دون ماء أو طعام، وفجروا المنازل بمن فيها، لهذا فمن المطلوب أن يكون أبناء الشعب موحدين دائماً حول مطالبهم، وإن قدرهم يجب ألا يكون إما تحت سطوة عصابات الاجرام، أو تحت الحكم العسكري، لأنهم أبناء هذا الوطن ويجب أن يكونوا موحدين حول حقوقهم ومقدساتهم وقدسهم وأقصاهم وبيوتهم وشعبهم، لأنهم جميعاً وباختصار “مهددون”.

أيضاً، تكشف تلك التصريحات أكثر وأكثر حقيقة تلك الدول التي صنعت كيان “إسرائيل” الدمويّ ليفصل مشرقنا عن مغربنا لتحقيق كل ما يعود عليهم بالفائدة ويعود علينا بالموت والدمار، في وقت تتصاعد الرغبة الإسرائيليّة في قتل المدنيين وتدمير مستقبلهم ومقدساتهم وتهديد أرواحهم، وكأن الصهاينة وآلتهم العسكريّة يودون إخبارنا بأنّهم سيسحقون كل فلسطينيّ ومطالب بحقوقه وليفعل العالم ما يشاء، وإنّ التصريحات الأخيرة هي بمثابة شهادة أوروبية غير مباشرة على نضال ومعاناة الشعب الفلسطينيّ الرازح تحت الاحتلال العسكريّ الصهيونيّ وسياساته الاستعماريّة والقمعيّة.

ويشار إلى أنّ تصريحات بعض الإسرائيليين تختلف عن التصريحات الأوروبية، فمن منا ينسى تقارير منظمة “بتسيلم” الإسرائيلية التي عادة ما تثير ضجة كبيرة، وهي مركز إسرائيليّ غير حكوميّ مختص بحقوق الإنسان في الأراضي التي يحتلها العدو الصهيونيّ الغاصب، حيث أوضحت مراراً وتكراراً أنّ حقوق الفلسطينيين أقل من حقوق اليهود في المنطقة بأكملها بين البحر الأبيض المتوسط ونهر الأردن، وأنّهم يعيشون تحت أشكال مختلفة من السيطرة الصهيونيّة في الضفة الغربيّة وقطاع غزة والقدس الشرقيّة وداخل الأراضي المحتلة نفسها، ولم تخفِ المنظمة المناهضة كليّاً للاحتلال الصهيونيّ أنّ إحدى النقاط الرئيسيةّ في نتائجها هي أنّ هذه منطقة جيوسياسيّة واحدة تحكمها حكومة واحدة (جيوسياسيّة: السياسة المتعلقة بالسيطرة على الأرض وبسط نفوذ الدولة في أي مكان تستطيع الوصول إليه)، وأنّ هذه ليست ديمقراطية بجانب احتلال، بل “أبرتهايد” (نظام فصل عنصريّ) بين النهر والبحر.

وما أضاف تأكيداً جديداً من الإسرائيليين أنفسهم على منهجيّة الاحتلال العدوانيّة على أصحاب الأرض والمقدسات، أنّه من خلال تقسيم المناطق واستخدام وسائل سيطرة مختلفة، يخفي الكيان الصهيونيّ حقيقة أنّ ما يقارب الـ 7 ملايين يهودي و7 ملايين فلسطينيّ يعيشون في ظلّ نظام واحد ذي حقوق غير متساوية إلى حد كبير، وقال رئيس المنظمة “نحن لا نقول إنّ درجة التمييز التي يجب أنْ يتحملها الفلسطينيّ هي نفسها إذا كان أحد مواطني الكيان الاسرائيليّ أوْ إذا كان أيّ أحد آخر محاصرًا في غزة، النقطة المهمة هي أنّه لا يوجد معيار واحد يتساوى فيه الفلسطينيّ واليهوديّ بين النهر والبحر أي في فلسطين المحتلة.

رفض فلسطينيّ وعربيّ

أدانت وزارة خارجية السلطة الفلسطينية تصريحات رئيسة المفوضية الأوروبية، واصفة إياها ‏بأنها “غير مناسبة وكاذبة وتمييزية”، معتبرة أنّ ادعاء المفوضة بأن الكيان جعل الصحراء تزهر، هو خطاب دعائيّ، يجرد الشعب ‏الفلسطينيّ من إنسانيته، ويمحوه، ويزيف تاريخه الغني وحضارته، كما أنه يبيض الاحتلال غير الشرعي ونظام الفصل ‏العنصري، ويكرس لإنكار النكبة، ناهيك عن أن التصريح يتعارض مع التزام الاتحاد الأوروبي بالقانون الدولي وحقوق الإنسان، كما أن المواطنين الأوربيين ‏يعارضون المحو العنصري للشعب الفلسطيني، حسب بيان الخارجية.‏

من ناحية أُخرى، أوضح عضو المكتب السياسي لحركة حماس، حسام بدران، أنّ “تصريحات رئيسة المفوضية الأوروبية مليئة بالحقد والكره والعنصرية، وفيها كثير من الجهل بالتاريخ والواقع على أرض فلسطين”، مضيفاً: “إنه موقف مثير للاستنكار والاستهجان، وتصريحات عدائية لشعبنا الفلسطيني الذي يعيش تحت الاحتلال منذ عام 1948، وهذه المواقف تتعارض مع القوانين والمواثيق الدولية التي تجرم احتلال أراضي الغير والسيطرة عليها بالقوة كما فعل الاحتلال بأرض فلسطين، كما بيّن رئيس مكتب العلاقات الدولية في حركة “حماس”، موسى أبو مرزوق، أن “تهنئة رئيسة المفوضية الأوروبية للاحتلال في ذكرى ‫النكبة، ‏ليست أكثر من حملة دعاية رخيصة لتبييض أقذر احتلال يستمر في القتل والعنصرية والعدوان منذ 75 سنة”، مؤكّداً: ‏”شرقنا العربي سيعود مزدهراً بعد زوال الاحتلال الذي زرعتموه في أرضنا، والفتن والفرقة التي زرعها استعماركم لأوطاننا”.

كذلك، أعرب الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، عن انتقاده الشديد للخطاب الذي أدلت به رئيسة المفوضية الأوروبية التي “هنأت به دولة الاحتلال الإسرائيلي”، معرباً عن انتقاده الشديد للخطاب الذي أدلت “به رئيسة المفوضية الأوروبية، بخصوص نشأت اسرائيل”، معتبرا أن “هذا الخطاب لا يعد فقط مسيئا للفلسطينيين ولمعاناتهم التاريخية منذ النكبة، وإنما أيضا يعكس تماهيا كاملا مع الرواية الإسرائيلية وهو أمر يدعو للأسف”، كما نقل المتحدث الرسمي باسم الأمين العام، جمال رشدي، عن أبو الغيط، قوله: “إن تصريحات رئيسة المفوضية الأوروبية المهنئة لإسرائيل تجاهلت، على نحو كاشف، حقيقة الاحتلال وممارساته وسلب حقوق الفلسطينيين، وطردهم من أراضيهم، وغيرها من الممارسات المخالفة لمواثيق حقوق الإنسان التي يحب المسؤولون الأوروبيون دوما الإشارة إليها في أحاديثهم”.

وفي هذا الشأن، استنكرت حركة المبادرة الوطنية الفلسطينية التصريحات “المشينة، وعديمة الحساسية، والمضللة” التي تضمنتها تهنئة رئيسة المفوضية الأوروبية لإسرائيل، مشيرة إلى أنّها تعبر عن انحياز مخزٍ وتبنٍ مطلق للرواية الإسرائيلية الكاذبة حول النكبة وما جرى لفلسطين وشعبها على يد الحركة الصهيونية في عام 1948 من مجازر وحشية وتدمير لأكثر 520 قرية وبلدة فلسطينية ومن تطهير عرقي أدى لتهجير 70% من الشعب الفلسطيني يمثلون اليوم سبعة ملايين لاجئ محرومين من حقهم في العودة إلى وطنهم فلسطين، كما أنّ وصف فون ديرلاين لإسرائيل بالديمقراطية يتجاهل لكونها صاحبة أطول احتلال في التاريخ الحديث وطابعها العنصري البغيض الذي يتجسد في أسوأ نظام أبرتهايد عنصري في تاريخ البشرية أفرز حكومة فاشية يتربع على سدتها فاشيون مثل بين غفير وسموتريتش.

في النهاية، لا يمكن حصر الجرائم التي ارتكبها العدو الصهيونيّ السفاح بحق الفلسطينيين والعرب، وإن ما ذُكر في هذا المقال لا يعدو عن كونه استرجاع تاريخيّ قريب لأبرز الانتهاكات الصهيونيّة التي تكشف عنصريّة الكيان ودمويّته، ناهيك عن الجرائم الكثيرة التي تستهدف الأطفال والشيوخ والنساء جهاراً نهاراً، وهنا لا بدّ من القول أنّ بعض التصريحات الغربية رغم سلبيتها الشديدة ونفاقها الأعمى، لكنّها ضروريّة لتذكيرنا مع من نتعامل؟، وكيف نجتهد للإضاءة على جزءٍ يسير من جرائم الصهاينة بحق الأبرياء.

المصدر: الوقت

الاخبار ذات الصلة