من أهم وأصعب القضايا التي تؤثر بشكل كبير على الناس

تأثير التشكيل الناعم للقدوة على مستوى السلوك والأفكار

تتشكل عناصر هذه القدوة من خلال التكرار والايحاءات والصور التي تتحول بمرور الوقت الى قدوة.

2023-05-01

د. بتول عرندس

الوفاق/ خاص

القدوة الناعمة والمقصود بذلك هو القدوة التي تتسلل الينا بهدوء وتدريجاً ومن دون أي ضجيج من خلال وسائل الاعلام التي لا تتوقف عن البث طوال ساعات اليوم وطوال ايام السنة. هذه القضية من أهم واصعب القضايا التي تؤثر بشكل كبير على القدوة التي تقدم الينا.

أولا لأنها لا تتوجه الى مرحلة عمرية محددة بل الى كل مراحل عمر الانسان.

وثانيا لأنها لا تقدم القدوة غالبا بشكل مباشر، بل تتشكل عناصر هذه القدوة من خلال التكرار والايحاءات والصور التي تتحول بمرور الوقت الى قدوة. ومصدر هذه الخطورة هو في ما يمكن ان نسميه التسلل الهادئ والناعم للأفكار وللنماذج التي تتحول بمرور الوقت ومن خلال التكرار الى قيم جديدة نقتدي بها فتغير ليس فقط من طريقة تفكيرنا وبل من طريقة تصرفنا في الحياة. بحيث لا ننتبه في معظم الاحيان الى ان مواقفنا تجاه هذه القضية او تلك قد تغيرت. او ان اعجابنا بهذه الفكرة قد تبدل الى فكرة أخرى جديدة لم نكن نقبل بها سابقا.

ولا شك أن “الثورة التكنولوجية التي يشهدها عالم اليوم جعلت قضاياه ومشاكله أكثر ترابطا وتأثيراتها متبادلة أكثر من أي حقبة أخرى في التاريخ. حتى ان تطلعات الشباب في كثير من بلدان العالم تأثرت بشكل أو بآخر بأنماط حياة الشباب في الغرب، بعد ان تعرفوا عليها عبر وسائل الاتصال وتحولت الى قدوة لهم يريدون تقليدها والتشبه بها. وفي مقابل ذلك فشلت معظم حكومات البلدان العربية والاسلامية في تقديم نفسها او سياساتها منذ الاستقلال في منتصف القرن الماضي إلى اليوم “قدوة لشبابها او حتى لمواطنيها في تحقيق التنمية المنشودة، المستقلة والمتوازنة، وفي تقديم نموذج لتداول السلطة وللحريات او للديمقراطية، أو حتى لمواجهة التحديات الخارجية او لبناء الاقتصاد القوي… ما جعل العلاقة بين هذه الحكومات المتعاقبة وبين أجيال الشباب علاقة أزمة وعدم ثقة، ونموذج للقدوة السلبية التي تنفجر مواجهات مختلفة بين حين وآخر… وتشير أرقام اليونيسف على سبيل المثال إلى أن نحو 50% من السكان في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا هم تحت سن 24 سنة. ما يعني أن 160 مليون منهم (من أصل 300 مليون) سوف يحتاجون إلى العمل في عام 2010. كما يشير تقرير آخر إلى أن الشباب ما بين 15-24 سنة في المنطقة العربية يقعون تحت ضغط الإحباط والتوقعات التي تحدثها بشكل جزئي مؤثرات الإعلام والتكنولوجيا والديناميكيات التحولية في البنى الأسرية، بالإضافة إلى الصراعات السياسية والأزمات المستمرة التي يعيشها معظم بلدان المنطقة… ولا يفوت التقرير نفسه الإشارة إلى تأثير العولمة على الشباب الذين نشأوا على مفردات جديدة تختلف عن تلك التي تعرفت عليها الأجيال السابقة – ما يزيد من صعوبة التواصل بين الجيلين، بحيث نجد انفسنا امام ما يمكن ان نسميه “القدوة الملتبسه. ولعل هذا الالتباس في نموذج القدوة هو ما يواجهه شباب اليوم، ومعهم المجتمع الذي ينتمون اليه. خصوصا وأن التداخل بين القيم وبين الثقافات وبين مرجعيات السلوك الغربية والشرقية بات امرا شائعا الى حد الصعوبة في التمييز بين ما ينتمي الى هنا وما ينتمي الى هناك. وليس من الصعب ان نواجه يوميا في مجتمعاتنا العربية والاسلامية من يطرح من الشبان والشابات اسئلة كثيرة في لحظات محددة عن مصدر القيم التي تؤثر على سلوكهم وعلى خياراتهم وعلى طريقتهم في التفكير تجاه انفسهم وتجاه الآخرين في المجالات كافة.

  • هناك القدوة الملتبسة
  • العنف قدوة
  • الاستهلاك هو نموذج آخر “للقدوة الناعمة

إن التجارب السابقة كلها في بلاد الشرق والغرب من دون استثناء، تقول لنا بأن القدوة كشخص، أو كفكرة، وخصوصا كبيئة من السلوك ومن القيم، تفقد بريقها