أراضي الوقف الجعفري في البحرين تُصادر بغطاءٍ من السلطة

أثار إعلان وزير العدل البحريني نواف المعاودة أنَّ الدولة لا تعترف بالوقفيات الغير مسجلة التي لم تصدر لها وثائق رسمية بأنها أوقاف أصلًا غضب الشعب، ما يؤكد أن أراضي الأوقاف تُسلب من قبل السلطات وسط صمت إدارة الأوقاف الجعفرية والسنية.

2023-05-01

وزارة العدل وضعت شروطًا صعبة وربّما تعجيزية لإثبات ملكية الأوقاف وذلك عبر فرض تسجيل الكثير من العقارات الوقفية القديمة بعد إثبات ملكيتها للواقفين واستخراج الوثائق الرسمية، وحضور الواقفين شخصيًا على الرغم من وفاتهم.

وبحسب المعلومات، استولت السلطات على وقف تابع لمسجد “الشيخ صالح” في توبلي، بالإضافة إلى تأميم أرض كبيرة أقيم عليها مستشفى بعقد إيجار زهيد مع الأوقاف الجعفرية.

وقد جرى نقل ملكية وقف خاص بمسجد “الشيخ صالح” التاريخي في توبلي إلى أحد أبناء العائلة الحاكمة، بعد أن قامت جرافات بهدم الوقف التاريخي التابع للمسجد وسياجه الذي يعود عمره لأكثر من 500 عام.

كذلك، استولت الحكومة على أرض تبلغ مساحتها 4689 مترًا مربّعًا في كرزكان، بأمر من الديوان الملكي الذي يشرف بشكل مباشر على كل المعاملات العقارية في البحرين.

وكانت الحكومة البحرينية قد وقّعت عقد إيجار مع الأوقاف الجعفرية عام 1986 لاستئجار الأرض، مقابل مبلغ لا يتجاوز 2000 دينار سنويًا وذلك لبناء مستشفى يخدم المنطقة بحسب تعبيرها، على أن تعود ملكية المبنى للأوقاف بعد انتهاء مدة العقد، الذي وعلى الرغم من انتهائه عادت ملكية الأرض لوزارة الصحة بموجب قرار من الديوان الملكي من دون علم الأوقاف الجعفرية ومن دون أي مردود مالي.

المجلس الإسلامي العلمائي: الوقف شأن شرعي

من ناحيته، أكَّد رئيس المجلس الإسلامي العلمائي السيد مجيد المشعل أنَّ الوقف شأنٌ شرعي له اشتراطاته الشرعيّة، وليس من ضمنها التوثيق الرسمي.

وطالب الدولة الحديثة في البلاد المسلمة أن تنظّم وضعها مع للأوقاف الشرعيّة باستصدار وثائق لها، لا أن تصادرها بحجّة عدم التوثيق، فالحقّ حقّ وإن لم يوثّق رسميًا.

وشدَّد رئيس المجلس الإسلامي العلمائي على أن الطريق الصحيح لتوثيق الوقفيات الرجوع لدفتر السيد عدنان باعتباره وثيقة رسمية تثبت الوقفيات، موضحًا أنَّه بالنسبة للأوقاف التي لم يحصها الدفتر أو كانت متأخرة عنه زمانًا يرجع في إثباتها للمحاكم الجعفرية، ثمّ تُحوّل للجهات المعنية لتوثيقها.

الشيخ علي الصددي: مصادرة الأوقاف جريمة

خطيب صلاة الجمعة المركزية في جامع الإمام الصادق (ع) في الدراز غربي العاصمة المنامة الشيخ علي الصددي توقّف قبل أيام عند هذه القضية، فقال إنَّ “الوقفيات تُصادَر بمرأى من وزارة العدل”، مشددًا على أنَّ “المصادرة كما هي جريمة هدم المساجد”.

وأوضح الشيخ الصددي أنَّه “بمرأى ومسمع من وزارة العدل وإدارة الأوقاف الجعفرية تمّت مصادرة واقتطاع جملة من الأوقاف، منها أرض في برّ سار ترجع وقفيّتها إلى “مأتم آل عبد الحي” استنادًا على حكم المحكمة”.

وسأل الشيخ الصددي: “هل الصمت المُطبِق من الوزارة والإدارة (الأوقاف الجعفرية) هو الصدى المناسب والمُقنِع لهذا الواقع؟”، وأكَّد أنَّه “لا يمكن أن ننسى جريمة هدم المساجد، ولا يمكن أن نتغاضى عن هذا الجرم والتعدّي المشهود بحقّ الوقفيات الشرعيّة”، لافتًا إلى “لزوم إعادة بناء ما هُدِم من المساجد”.

ونبَّه الشيخ الصددي إلى أنَّ “أرضًا ما بُنِي منها في غير موقعها تبقى أرضًا مسجديّة شرعًا لازمة المراعاة”.

الجدير ذكره أنَّ الأوقاف الجعفرية إلى جانب إدارة الأوقاف السنية أظهرتا اصطفافًا واضحًا إلى جانب السلطات، مؤكدة مسؤولية الواقف في نقل ملكية العقار الى إدارة الأوقاف وتسجيله في سجلاتها الرسمية بعد انتهائه من استكمال المتطلبات الشرعية والقانونية لوقف عقاره، وهو ما يتحقق معه قصد الواقف بشكل تام.

إعلان وزير العدل لا أساس ديني له في أيّ مذهب إسلامي

الخطيب ورجل الدين السيد ياسر الساري أوضح في تغريدات عبر “تويتر” سلسلة من الأسئلة والإشكالات التي توضح هشاشة موقف إدارتيّ الأوقاف ومن بعدهما وزير العدل، وهشاشة موقف من سطوا على أراضي الأوقاف عبر السرقة والاستيلاء.

وقال السيد الساري: “ما هو عدد الأراضي الوقفية وأسماؤها ومواقعها التابعة للأوقاف الجعفرية التي تم إتمام تسجيلها؟”.

وأضاف: “لماذا لا يمكن تسجيل وقفيات جديدة في المحاكم الشرعية الجعفرية؟ بينما الحال أن المحاكم السنية الشرعية لا زالت تصدر وقفيات، بينما منذ أكثر من 12 سنة لم تصدر المحاكم الجعفرية ولا وقفية واحدة؟”.

وأشار إلى أنّ “تطبيق المعايير الجديدة على العقارات الوقفية القديمة من أجل تسجيلها سيؤدي إلى ضياعها، (إذ) لا يمكن تطبيق التعديلات في القوانين والأنظمة واللوائح على وضع قائم، بل يمكن تطبيقه على وضع جديد فقط، الوضع القائم يجب أن يدرس حسب القوانين والأنظمة والمعايير التي أصبح قائما على أساسها فقط”.

وتابع: “أمر آخر، وهو أنّ المحكمة المدنية وضعت شرطين الأول وجود وثيقة للعقار تثبت الملكية للواقف، وحضور الواقف نفسه وهذان الشرطان لا يمكن تحقيقهما وهذا إن صح فيصح بشأن المرتكزات القانونية التي تنشأ في ظل القانون المدني أما قبله فتسري قاعدة اليد”.

وبيَّن السيد الساري أنَّ “الحقيقة هي أنّه لن يستطيع أحد من سلالة الواقفين من إثبات ملكية العقار للواقف لإنّ (الواقف) متوفٍ من عقود، والسبب الثاني عدم وجود وثيقة ملكية للعقار حيث أن الوثائق المعتمدة سابقًا هي الصكوك التي تكتب عند العلماء وتُمهر بشهادة الشهود وأسمائهم والحال أن إثبات الملكية للواقف ووقفه لا ينحصر بوثيقة الملكية”.

كذلك قال إن “هيئة التخطيط العمراني لا تأخذ في الاعتبار الأراضي غير المسجلة ولا تُعيد تخطيطها مما يؤدي إلى تغيير شامل في وضعية العقارات الحالية القائمة وضياع وضعيات العقارات الوقفية وإحداثياتها مما يفقد القدرة على الاستدلال عليها مستقبلا وتحديد مكانها”.

ولفت إلى أنَّ “المشكلة الكبرى هي ضياع تاريخ العقار الوقفي مع مرور الوقت، إذ يستحيل بعدها التمكن من استعادته او اثبات وجوده من الأساس، كما أن تنفيذ المخططات سيغير من استعمالات الاراضي واشكالها ووضعياتها”.

وأشار إلى أنَّه “من الجانب الشرعي الديني، فإن ما قاله وزير العدل وإدارتا الأوقاف، لا أساس ديني له في أي مذهب إسلامي، ها هو أحد طلبة العلم الديني وهو الشاب السيد حسن قام بالبحث بنفسه، وكتب معلّقًا على كلام إدارتي الأوقاف وكذلك وزير العدل، قائلًا، لقد “راجعت فقه المذاهب الأربعة (الحنفي والمالكي والشافعي والحنبلي) بالإضافة لفقه مدرسة أهل البيت، ولم أجد أحدًا منهم قد اشترط في تحقق الوقف تسجيله عند الجهات الرسمية! فالسؤال: من أين جاء وزير العدل بهذا الاشتراط؟!”.

تسجيل الوقف من اختصاص المحاكم الجعفرية

أما من الجانب القانوني، فقد علَّق المستشار القانوني المحامي إبراهيم سرحان على هذه القضية فقال إنَّ ” صحة الوقف بتوافر الشروط الأربعة المعروفة شرعًا وقانونًا، أما التسجيل الرسمي فهو أحد وسائل الإثبات وغايته التنظيم والحفظ، ووسائل الإثبات لصحة الوقف متعددة وهي من اختصاص المحاكم الجعفرية للوقف الشيعي والمحاكم السنية للوقف السني”.

وتجدر الإشارة إلى أنَّه سبق لكتلة “الوفاق” أن كشفت في العام 2011، عن أن الأراضي التي تم تحويلها إلى أملاك خاصة تغطي معظم المناطق الحساسة في البحرين، بدءاً من المدينة الإسكانية في المحرق، بمساحة 5.5 كيلومترًا مربعًا، إلى مشروع شمالي المنامة، الذي تصل مساحته إلى 11.5 كيلومترًا مربعًا، إلى المرفأ المالي، ومن ثم منتزه المنامة، وبعده ساحل السنابس و3 مدارس فيها، إلى جانب المشروع الإسكاني لقرية كرانة بمساحة 9 كيلومترات مربعة، والأراضي المحيطة بالمدينة الشمالية، والتي قُدرت مساحاتها بـ35 كيلومترًا مربعًا، إضافة إلى منطقة استكشافات النفط القديمة، التي تحول جزء منها إلى مشروع خاص.

وهناك عدد من الأراضي المتفرقة في البحرين، والتي تم تحويلها إلى أملاك خاصة، تُقدّر بمئات الكيلومترات، من ضمنها أوقاف جعفرية دون أي رادع ديني أو وطني أو إنساني، والمسوّغ لآل خليفة ظنَّهم أنَّ البشر والحجر في البحرين ملكهم، سواءً بالترغيب أو الترهيب.