علامات انهيار العمود الفقري للجيش الصهيوني

بينما أصبحت الأراضي المحتلة في الأسابيع الأخيرة دوامةً سياسيةً للحكومة الصهيونية المتطرفة، فإن تداعيات هذه الأزمة الداخلية تكتسب المزيد من الأبعاد يومًا بعد يوم، وحتى الخبراء يتحدثون عن إضعاف الأسس الأمنية للکيان وإمكانية اندلاع حرب أهلية.

2023-05-02

في هذا الصدد، تنشر هذه الأيام تقارير كثيرة عن انهيار هيكل جيش الکيان الصهيوني من قبل وسائل الإعلام التابعة للکيان، الأمر الذي أثار قلق قادة تل أبيب.

وفي أحدث التقارير، وقّع 700 جندي احتياطي على عريضة يوم السبت الماضي، يحذرون فيها نتنياهو من أنه إذا تم تنفيذ الإصلاحات القضائية التي اقترحها مجلس الوزراء، فإن هيكل قوات الاحتياط بالجيش سينهار. كما حذر المئات من ضباط الجيش المتطرفين، من أنهم سيستقيلون إذا أصر مجلس الوزراء على تنفيذ هذه الخطة المثيرة للجدل.

وأعلنت صحيفة “معاريف”، السبت الماضي، أن 250 ضابطاً وجندياً برتبة عقيد فأعلى من الأجهزة الأمنية، نشروا رسالةً تتهم نتنياهو ومجلس الوزراء بـ “الإضرار بأمن إسرائيل وإعادة إشعال الكراهية والإرهاب والأكاذيب والخلاف والانقسام بين الصهاينة”.

وإضافة إلى تمرد القادة وانهيار قوات الاحتياط، أصبحت زيادة حالات الانتحار بين جنود هذا الکيان مشکلةً أخری، إلى الحد الذي أثار قلق رئيس أركان جيش هذا الکيان بشدة، وطالب بمنع وقوع حوادث مماثلة.

وتطرق رئيس أركان الجيش الصهيوني، هيرسي هاليفي، إلى قضية زيادة حالات الانتحار بين الجنود الصهاينة، واعتبر ذلك ظاهرةً خطيرةً وصعبةً بالنسبة لجيش هذا الکيان. يقال إن ثلاثة جنود من الجيش الصهيوني انتحروا الشهر الماضي. وأفادت وسائل إعلام صهيونية في كانون الأول الماضي، بانتحار 14 جنديًا من جنود هذا الکيان عام 2022.

وحسب التقارير المنشورة، يعاني أكثر من 40٪ من قوات الجيش الإسرائيلي من اختلافات نفسية، كما أفاد موقع “إسرائيل ديفنس” العسکري أنه خلال الفترة من 2010 إلى 2020، سُجلت 5380 حالة انتحار في فلسطين المحتلة، وجزء كبير من إحصاءات الانتحار على صلة بجنود الجيش. وأعلن الضابط في الکيان الصهيوني ألون جاليزبرغ في الأيام الأخيرة، أن 42٪ من جنود الجيش طلبوا مساعدةً نفسيةً من المراكز الصحية، وقد أصبح هذا الأمر قضيةً عاديةً.

وكانت صحيفة “هآرتس” الصهيونية قد أعلنت في وقت سابق، أن إطلاق صواريخ المقاومة على المستوطنات الإسرائيلية علی الجليل خلال الأسابيع الماضية، تسبب في زيادة طلبات المساعدة النفسية من الصهاينة في المراكز الصحية والعلاجية. وكتبت هذه الصحيفة الصهيونية: “زاد عدد المتقدمين الإسرائيليين للحصول على مساعدة نفسية مئات المرات”.

انتشرت في السنوات الأخيرة تقارير عديدة عن انتحار جنود صهاينة، وحدوث اضطرابات نفسية بينهم. قبل عامين، انتحر جندي إسرائيلي خوفًا من الصراع مع حزب الله اللبناني، وتم الإبلاغ عن المزيد من هذه الحالات بين جنود الجيش الإسرائيلي.

وتظهر الإحصائيات التي نشرتها وسائل الإعلام العبرية، أن مئات الجنود أصيبوا بالاكتئاب وأمراض نفسية بسبب آثار هزائمهم ضد فصائل المقاومة الفلسطينية في العقد الماضي.

ونظراً للاعترافات المتكررة للسلطات الأمنية والسياسية الإسرائيلية بفقدانها الردع ضد فصائل المقاومة، فإن ذلك سيترك أجواءً نفسيةً كبيرةً علی جنود الجيش الصهيوني، وبالتالي فإن هذه الإحصائيات المتزايدة في السنوات الأخيرة سوف تتخذ اتجاهًا تصاعديًا.

منذ أن تولى المتشددون السلطة في مجلس الوزراء الإسرائيلي، انحازت قوات الجيش إلى جانب المعارضة ضد سياسات نتنياهو المثيرة للجدل، ووردت تقارير عديدة عن تمرد القادة وهروب الجنود من الثكنات، وعصيان الطيارين أوامر القادة.

ويأتي انهيار الجيش فيما كان نتنياهو يحاول حسب زعمه مهاجمة المنشآت النووية الإيرانية بالاعتماد على هذه القوات. كما کان يسعی إلى ضمان أمن المستوطنين من خلال تدمير فصائل المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة. لكن عليه الآن التفكير في كيفية إعادة تنظيم القوات العسكرية، ليمكنها على الأقل الدفاع عن الصهاينة أنفسهم في الداخل.

الهيكل التنظيمي للجيش الصهيوني

يتكون جيش الاحتلال من ثلاث قوى: سلاح الجو والبحر والقوة البرية، وبما أنه يعتبر نظامًا أمنيًا، فقد حاول تطوير قدراته في جميع المجالات الثلاثة بالأسلحة الغربية الأكثر تجهيزًا.

وعلى الرغم من أن الجيش الصهيوني ليس لديه قوات النخبة من الناحية البشرية، إلا أنه يعتبر من أحدث الجيوش من حيث استخدام الصناعات العسكرية المتقدمة وشراء معدات وتقنيات أمريكية جديدة.

منذ تأسيس الکيان الصهيوني المزيف، تشكلت مبادئه التوجيهية بناءً على حاجته للدفاع عن نفسه ضد جيرانه المتفوقين عدديًا. والعنصر الأساسي في العقيدة العسكرية للکيان الإسرائيلي، هو الاعتقاد بأن هذا الکيان يجب ألا يخسر أي حرب. ويعتقد الجيش أن هذا الهدف لا يمكن تحقيقه إلا من خلال استراتيجية دفاعية، تتكون من تعبئة سريعة وواسعة النطاق للقوات لمحاربة العدو.

ونظرًا لأن الکيان الصهيوني يقوم على هيكل أمني صارم منذ البداية، فإن الخدمة العسكرية إلزامية للعديد من الصهاينة الذين يبلغون من العمر 18 عامًا.

الخدمة العسكرية إجبارية لليهود والدروز رجالاً ونساءً وللرجال الشركس، ولكن بالنسبة للمبشرين الدينيين والنساء المتزوجات، تُعفى النساء ذوات الأطفال والرجال الذين يشاركون في التعليم الديني من الخدمة الإجبارية. ومدة التجنيد 32 شهرًا للرجال و 24 شهرًا للنساء، تليها فترة عقود طويلة كاحتياطي إجباري حتى سن 50 عامًا للنساء و 55 شهرًا للرجال.

ويُحدد إجمالي حصص أيام الاحتياط لكل جندي أيضًا في قانون الخدمة الدفاعية بـ 36 يومًا في السنة، والتي يحق لوزير الحرب في هذا الکيان تمديدها لمدة سبعة أيام أخرى إذا لزم الأمر. ويجوز للحالات المحددة في القانون تمديد هذه الفترة لجنود الاحتياط الذين لديهم وظائف ومهن محددة.

وحسب آخر الأرقام، فإن القوات المسلحة الإسرائيلية لديها 176.500 عسكري نشط، من أصل 133.000 في الجيش، بمن في ذلك 107.000 مجند. والبحرية لديها 9500 بحار في الخدمة الفعلية و 34 ألف في سلاح الجو، إضافة إلى قوة احتياطية إجمالية تبلغ 565 ألفاً.

وبناءً علی هذه الإحصائيات، فإن عدد الجنود النشطين وقوات الاحتياط التي انهارت هذه الأيام يشمل ما يقرب من 90٪ من القوات العسكرية، وهذا يعتبر تهديدًا خطيرًا لسلطات تل أبيب. لأنه في حال نشوب حرب واسعة النطاق خارج حدود الأراضي المحتلة، لا يمكنهم الاعتماد على هذا الجسم المهتز.

الهيکل الأساسي للجيش الصهيوني صغير نسبيًا، والعمود الفقري للقوات القتالية يرتكز على قوات الاحتياط، والتي تشكل أكثر من 70٪ من القوات العسكرية في حال الاستدعاء الكامل، وهذه القوى ليست في وضع جيد الآن، وانهيار العمود الفقري للجيش أصبح كابوساً لتل أبيب.

وعلى الرغم من أن الخدمة العسكرية إلزامية في الأراضي المحتلة، فقد اتخذت الحكومة بعض الإجراءات لتجنيد القوات حتى تتمكن من الحفاظ على استقرار الجيش، من خلال خلق الثقة العامة.

وأحد هذه الإجراءات هو الراتب المدفوع للخدمة العسكرية، والذي وفقًا للإحصاءات، يتلقى الجنود في الجيش 41 ألف دولار سنويًا، أو 20 دولارًا في الساعة، وهذا الرقم أعلى بكثير للضباط وكبار القادة.

كما حاول مسؤولو الجيش تشجيع الضباط وضباط الصف على التقاعد في سن 45 على أقصى تقدير، وتجنبوا إنشاء طبقة عسكرية ذات مصلحة ذاتية.

لكن حتى هذه الحوافز لم تكن قادرةً على إقناع الشباب الصهيوني بالخدمة في الجيش، ورفض آلاف المواطنين الاستمرار في الخدمة في الأشهر الأخيرة، مؤشر جيد على حقيقة أن الأزمة الأمنية في الأراضي المحتلة تتجاوز ما يعلنه المتشددون في الحكومة.

معدات الجيش الصهيوني

الکيان الصهيوني، الذي كان محاطًا تمامًا بالدول العربية في المنطقة منذ بداية تأسيسه، وبسبب الحروب الأربع مع العرب ومن ثم فصائل المقاومة، حاول تقوية جسده العسكري يومًا بعد يوم، وبسبب ذلك حوَّل الأراضي المحتلة الصغيرة إلى مستودعات ذخيرة كبيرة.

وفقًا لقاعدة بيانات أعدها معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (SIPRI) في عام 2020، أنفق الکيان الإسرائيلي 22 مليار دولار على جيشه، وكان هذا الکيان قد أنفق حوالي 2508 دولارات للفرد، وبناءً عليه، تم تخصيص 12٪ من إجمالي الإنفاق الحكومي (18 مليار دولار سنويًا) للشؤون العسكرية.

وحسب آخر التقارير، تمتلك القوات البرية للجيش الصهيوني أكثر من 3000 دبابة و 10484 ناقلة جند مدرعة و 5432 مدفعًا، من بينها 620 قطعة آلية و 456 قطعة غيار.

وتمتلك البحرية التابعة لهذا الکيان أيضًا ثلاث غواصات تكتيكية من طراز دولفين(نوع 212 من صنع ألمانيا)، إضافة إلى 57 سفينة دورية ساحلية وسفينة قتالية، بما في ذلك ثلاث فرقاطات.

کما يمتلك سلاح الجو الإسرائيلي ما يقرب من 1000 مقاتلة وأكثر من 200 مروحية وحوالي 60 طائرة نقل عسكرية، تشكل العمود الفقري لهذا الکيان. وفي كل الحروب مع فصائل المقاومة الفلسطينية واللبنانية، تم الاعتماد علی سلاح الجو بشکل أکثر ، وبهذا المعنى فإن الميزان في صالح تل أبيب حاليًا من هذه الناحية. وعلى الرغم من كل هذه الأسلحة العسكرية وامتلاكهم عشرات القنابل الذرية، فإن الصهاينة قلقون للغاية بشأن مستقبلهم الأمني.

انهيار هيمنة الجيش الصهيوني أمام المقاومة

شكّل الجيش الصهيوني في العقود السبعة الماضية العمود الفقري للدفاع عن أمن الأراضي المحتلة، وبسبب الضعف العسكري للجيوش العربية استطاع تغيير موازين القوى لصالحه، لكن في هذه الأيام يبدو أن فقرات هذا العمود الفقري تنكسر. وانتشار الأزمات السياسية داخل الجيش يدفع هذا الکيان إلى التصرف بشكل أكثر عدوانيةً ضد فصائل المقاومة.

في الوقت الحاضر، أصبحت الفجوة في طبقات الجيش الصهيوني كعب أخيل للصهاينة الذين يبحثون دائمًا عن المغامرة في فلسطين والمنطقة، والتي يمكن أن تدمر هذا الکيان إلى الأبد بضربة قوية، وكما حذر رئيس الكيان الصهيوني إسحاق هرتسوغ مرارًا، فإن ذلك سيؤدي إلى انهياره.

کان جنود وضباط الجيش الإسرائيلي ينضمون إلى القوات المسلحة لاعتقادهم أنهم القوة المطلقة في المنطقة وأنه لا توجد دولة قادرة على مواجهتهم، مستشهدين بأقوال قادتهم، لكنهم الآن يرون أنفسهم في دولة ضعيفة لا يستطيعون حتى الدفاع عن أنفسهم ضد الشباب الفلسطيني، وهم واثقون من هزيمتهم أمام فصائل المقاومة.

ولذلك، فإنهم يفضلون الابتعاد عن المعركة وعدم الدخول في ألعاب المتطرفين الخطيرة، التي ستكون لها نهاية مؤلمة للصهاينة.

الاخبار ذات الصلة