دور الإمارات في عدم استقرار السودان

أدى بدء جولة جديدة من الصراعات في السودان بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان، وقوات الرد السريع بقيادة محمد حمدان دقلو المعروف باسم حميدتي، إلى استقطاب جهات فاعلة إقليمية للاصطياد في المياه العکرة لمصالحها الخاصة، ودخلت الإمارات الساحة في وقت أبكر من غيرها.

2023-05-02

على الرغم من أن السلطات الإماراتية طلبت على ما يبدو من طرفي النزاع ممارسة ضبط النفس وإعادة الاستقرار إلى السودان، إلا أن الأدلة تشير إلى أن حكام أبوظبي هم في جبهة حميدتي.

السودان مهم كدولة على البحر الأحمر مع موقع جغرافي مهم للوصول إلى إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، وكذلك طرق التجارة العالمية وسلاسل التوريد عبر مضيق باب المندب، وللدول العربية في الخليج الفارسي أيضًا مصالح في السودان من حيث الاستثمار والأمن الغذائي ومجالات أخرى، وبالتالي فهي تركز على صراعات هذا البلد.

حاليًا، تتمتع السعودية والإمارات بأكبر قدر من النفوذ في السودان، وقد ظهر هذا بشكل خاص في السنوات التي أعقبت الإطاحة بالديكتاتور السوداني السابق عمر البشير في عام 2019.

العلاقات المالية بين الإمارات وحميدتي

نظرًا لأن دولة أجنبية ما متورطة دائمًا في جميع الأزمات الإقليمية، فإن بصمة الإمارات العربية المتحدة واضحة للعيان في السودان أيضًا.

في السنوات الأخيرة، نشرت تقارير عن تعاون حميدتي المالي والأمني​​، ما دفع بعض المحللين إلى تقييم أن أبو ظبي لعبت دورًا مهمًا في إشعال الصراع، وكل هذه التكهنات تستند إلى وجود علاقات قوية بين حكام أبو ظبي وحميدتي في السنوات الأخيرة.

ترتبط الإمارات بعلاقات وثيقة مع حميدتي، الذي تسيطر قواته على معظم مناجم الذهب في السودان، وتشارك في تصدير الذهب السوداني إلى دبي. وفي هذا الصدد، وقع كونسورتيوم من الشركات الإماراتية، بما في ذلك شركة تابعة لصندوق الاستثمار في هذا البلد، اتفاقيةً بقيمة 6 مليارات دولار أواخر عام 2022، لبناء منطقة صناعية وميناء جديد في شمال السودان على ساحل البحر الأحمر.

أيضًا، في فبراير 2022، عُقد اجتماع رسمي بين محمد بن زايد، الذي كان ولي عهد أبوظبي في ذلك الوقت، مع حميدتي. وطالب بن زايد حميدتي في هذا الاجتماع بتوفير شروط نقل السلطة في السودان في أسرع وقت، حتى تنتهي حالة عدم الاستقرار والاضطرابات في هذا البلد.

كما قال ابن زايد لحميدتي إن العلاقات الأخوية وسبل تعزيز التعاون المشترك بين البلدين في مختلف المجالات تعمل على تعزيز المصالح المشتركة، وتبادلا وجهات النظر حول عدد من القضايا والملفات ذات الاهتمام.

وتتمتع الإمارات أيضًا بعلاقات أمنية أعمق مع حميدتي، ونشرت عددًا من قوات الرد السريع في مناطق بما في ذلك اليمن. ومن المعروف أن الجنرال حميدتي يحتفظ بالكثير من ثروته وأنشطته التجارية في دبي، ويستخدم حكام أبو ظبي هذه القضية كأداة للتأثير على حميدتي.

حتى ما قبل عقدين من الزمن، كان حميدتي القائد الوحيد لميليشيا الدعم السريع التي كانت تعمل تحت اسم “الجنجويد” في ذلك الوقت، لكن بعد سنوات قليلة استطاع أن يصبح رجل أعمال مشهوراً وغنيًا في بلد فقير مثل السودان.

في عام 2019، وبعد الإطاحة بنظام عمر البشير، ضخ حميدتي مليار دولار في البنك المركزي لهذا البلد من أجل الاستقرار الاقتصادي، وقد أثار مثل هذا الإنفاق من قبل أحد قادة الانقلاب تساؤلات كثيرة حول مصدر دخل حميدتي، وأخيراً تم الكشف عن سر هذه المداخيل الخفية، وهو العلاقات الاقتصادية بينه وبين الإمارات.

وقد اعترف حميدتي نفسه، رداً على أسئلة حول مصدر المليار دولار في 2019، بأن الإمارات هي الراعي الرئيسي لجيشه الخاص. وحسب حميدتي، فإن رواتب جنود الدعم السريع الذين يقاتلون خارج السودان واستثماراته في الذهب وأموال الذهب واستثمارات أخرى، تمولها أبو ظبي.

تسبب المصدر المالي لقوات الرد السريع، الذي يتم توفيره من خلال مكاسب الاستحواذ على مناجم الذهب في جبل عامر بدارفور، في رفض حميدتي دمج قواته في الجيش، وفي غضون ذلك يتطلع إلى دعم الإمارات.

أبو ظبي توفر الأسلحة لقوات الرد السريع

في العقد الماضي، حاولت الإمارات التأثير على شمال إفريقيا وحاولت استخدام حميدتي کأداة للتأثير على السودان.

بلغ التعاون بين الإمارات وقوات الرد السريع السودانية ذروته في حرب اليمن، وقاتل الآلاف من ميليشيات الرد السريع لأبو ظبي ضد حركة أنصار الله مقابل أموال.

نشرت صحيفة تلغراف في تقرير لها الأسبوع الماضي صوراً لصواريخ حرارية استولى عليها الجيش السوداني، قيل إنها سلمت إلى ميليشيا حميدتي من الإمارات. ويظهر مقطع فيديو صناديق من صواريخ حرارية من عيار 120 ملم عليها علامات توضح أنها صنعت في صربيا في عام 2020، وشُحنت لاحقًا إلى الإمارات العربية المتحدة.

وحسب المحللين، فإن الفيديو يقوض مصداقية الإمارات كوسيط محايد في السودان. ومن ناحية أخرى، تم تسريب وثيقة توضح أن قوات الرد السريع اشترت أكثر من ألف سيارة من وكلاء الإمارات في الأشهر الستة الأولى من عام 2019، والتي يستخدمونها الآن في الصراع داخل السودان.

وبعد الكشف عن هذه التقارير، قال كاميرون هدسون، الضابط السابق في وكالة المخابرات المركزية والخبير في شؤون السودان: “إن حقيقة أن واشنطن قالت إن الإمارات لاعب مهم في مجموعات حفظ السلام الأربع في السودان، يجب أن يُنظر إليها بعين الشك”. والجماعات الأربع هي بريطانيا والولايات المتحدة والسعودية والإمارات، وهي المجموعة التي حاولت إعادة الحكم المدني إلى السودان بعد الانقلاب العسكري.

على الرغم من أن علاقة الإمارات القوية بقوات الدعم السريع السودانية ليست سراً، إلا أن مسؤولي أبو ظبي ينتظرون لمعرفة ما إذا كان المشهد السياسي في الخرطوم سيتغير لصالحهم أم لا.

وتتجلى العلاقات الطيبة من وراء الكواليس بين أبو ظبي وحميدتي في تحركات خليفة حفتر قائد الجيش الوطني الليبي، الذي أعلن استعداده لإرسال قوات لمساعدة قوات الرد السريع السودانية في الأيام الأخيرة، ويبدو أنه ينتظر أمر ابن زايد بإرسال قواته إلى السودان إذا لزم الأمر.

تقوم الإمارات حاليًا بتقييم الوضع على الأرض في السودان، وإذا شعرت أن قوات حميدتي قادرة على الاستيلاء على السلطة، فستعمل من خلال قواتها بالوكالة في شمال إفريقيا. لأن دخول الإمارات المباشر في الصراع في السودان سيجلب ردة فعل دولية، ويعدّ استخدام قوات حفتر والمرتزقة الآخرين في إفريقيا، من بين الخيارات الممكنة التي ستلجأ إليها أبو ظبي إذا رأت ذلك مناسبًا.

إن قوات الرد السريع، التي تضم أكثر من 100 ألف من الميليشيات، مستعدة لإعادة تأكيد التزامها تجاه أبوظبي. كما أنه في مايو 2020، أعلن حميدتي موافقته على طلب أبو ظبي إرسال قوات الرد السريع إلى ليبيا من أجل منع انهيار جيش خليفة حفتر المدعوم من الإمارات.

كما أفادت بعض المصادر بأنه بعد اتفاق وقف إطلاق النار بين السعودية وأنصار الله في أبريل 2022، بناءً على طلب الإمارات تم إرسال مئات من قوات الرد السريع السودانية إلى المناطق الجنوبية من اليمن، لأداء مهام تتماشى مع خطط أبو ظبي.

افتعال الإمارات للأزمات من الخليج الفارسي إلى شمال إفريقيا

محمد بن زايد، الذي كان عملياً الحاکم الفعلي لدولة الإمارات العربية المتحدة طوال العقد الماضي، وأراد أن يجعل بلاده القوة الأولى في المنطقة، لذلك وضع سياسة تنمية النفوذ في الدول العربية في المنطقة على جدول الأعمال لكسب الحلفاء في مختلف المناطق، وركز في الغالب على البلدان التي كانت في حالة اضطراب وعدم استقرار.

ليس سراً أنه في السنوات الأخيرة برزت الإمارات كلاعب رئيسي، مستخدمةً ثروتها الهائلة للتأثير على الأحداث ليس فقط في المنطقة ولكن في جميع أنحاء العالم.

وبينما يقدم هذا البلد نفسه كعنصر فاعل في استقرار المنطقة، ومع ذلك فإن دور أبو ظبي في تنشئة وظهور شخص في موقع حميدتي ما هو إلا واحد من العديد من الأمثلة التي تظهر أن هذه المشيخة الخليجية، على عكس مزاعمها، هي سبب الفوضى من الخليج الفارسي إلى شمال إفريقيا. ودورها المزعزع للاستقرار في تمويل ودعم المرتزقة في دول مثل ليبيا واليمن معروف جيداً.

هذه الدولة الخليجية الصغيرة التي يبلغ عدد سكانها 10 ملايين نسمة، والغالبية العظمى منهم من العمال الأجانب، غالبًا ما يشار إليها بإعجاب أو ازدراء باسم “سبارتا الصغيرة” (دولة تتطلع إلی قوة أكبر من ثقلها الجغرافي)، وهي تعتمد بشكل كبير على مرتزقتها في البلدان التي تعاني من الأزمات لتنفيذ خططها الطموحة.

وكانت اليمن واحدةً من هذه الدول، التي وفرت فرصةً جيدةً للجيل الجديد من قادة أبو ظبي لإظهار أنفسهم. فعلى الرغم من أن السعودية كانت زعيمةً للتحالف العربي، إلا أنه لم يمض وقت طويل وإذا بالإمارات تسيطر على كل شيء في ميدان اليمن، ومع مرتزقتها بما في ذلك “المجلس الانتقالي الجنوبي”، تمكنت من تعزيز موطئ قدمها في جنوب هذا البلد، وحالياً تخضع العديد من جزر اليمن وحقول النفط البكر لسيطرة المرتزقة الإماراتيين.

کما كانت الأزمة الليبية مثالاً آخر ظهر فيه دور الإمارات بشكل واضح، حيث دعمت بشکل علني جيش خليفة حفتر. دعمت الإمارات والسعودية قوات حفتر لمواجهة قوة جماعة الإخوان المسلمين في ليبيا، ضد حكومة الوحدة الوطنية الليبية الإخوانية المدعومة من تركيا، لتوسيع نفوذهما في هذا البلد الإفريقي من خلال تمكين هذا الجنرال المتمرد.

وفي تقرير سري أممي نشر في مايو 2020، أظهر أن الإمارات أقامت جسراً جوياً لمساعدة قوات خليفة حفتر، وتنقل من خلاله أسلحة ومعدات عسكرية إلى ليبيا. من ناحية أخرى، زعم البنتاغون في عام 2020 أن أبو ظبي كانت تساعد في تمويل مجموعة “فاغنر” التابعة لروسيا في ليبيا، حيث كانت هذه المجموعة لاعباً رئيسياً في الصراع الليبي ودعمت خليفة حفتر.

وعلى الرغم من أن قوات حفتر لم تتمكن من تحقيق النجاح في ليبيا، وأن الصراع بين جيشه والحكومة الشرعية لهذا البلد مستمر، لكن أبو ظبي لا تزال تقف خلف حفتر لعلها في يوم من الأيام تحصل على أجر كل التکاليف التي أنفقتها في هذه السنوات.

إثيوبيا أيضًا من الدول التي كثفت فيها الإمارات تحرکاتها العسكرية. ويحظى الجيش الإثيوبي، الذي يقاتل ميليشيات جبهة تيغراي منذ نوفمبر 2020، بدعم دول مثل الإمارات.

ورغم أن الإمارات تدعم معارضي الحكومات في دول غير مستقرة، فإن الوضع مختلف في إثيوبيا، وأبو ظبي اتجهت نحو السلطة لأنها لا تأمل في وصول ميليشيات تيغراي إلى السلطة في هذا البلد. وأعلنت قوات تيغراي قبل عامين، أن الإمارات تعاونت مع هجمات الطائرات دون طيار الإثيوبية على قوات هذه المجموعة، وقدمت الأسلحة للحكومة.

يرسم دعم الإمارات لميليشيات المرتزقة في جميع أنحاء المنطقة، صورةً سلبيةً لهذه الدولة في الرأي العام، ما يؤدي إلى عدم الاستقرار والصراع. وبدلاً من تعزيز الاستقرار والأمن في دول مثل السودان، تساهم تصرفات الإمارات في انهيار المؤسسات وظهور جهات فاعلة عنيفة غير حکومية، وستؤثر عواقب ذلك على دول أخرى، بما في ذلك مؤيديها، وستعيق الطريق إلى السلام.