تستمرّ حالة الجمود الرئاسي في ظل تموضع الأطراف المعنية نيابياً عند مواقفها، لكن المشهد المتمثل بتقدم المرشح سليمان فرنجية بتجميع أكثر من 50 صوتاً مؤيداً لانتخابه، مقابل عجز معارضيه عن تقديم مرشح منافس جدي، بعدما فقد ترشيح النائب ميشال معوض تأييد كتل وزانة أبرزها اللقاء الديمقراطي وعدد من النواب المستقلين، والمصاعب التي تعترض طرح اسم قائد الجيش العماد جوزف عون الذي يحتاج انتخابه لتعديل الدستور، فرض على المداخلة الخارجية، سواء الفرنسية المتحمّسة لخيار فرنجية، أو السعودية المتكتمة عن أي ترشيح، أن تلتقي تحت عنوان الابتعاد عن التسمية وجعل العنوان البديل هو دعوة النواب لممارسة مسؤوليتهم الدستورية بانتخاب رئيس على قاعدة أن زمن تعطيل النصاب كحق دستوري بات يعني الخراب، وأن التنافس الديمقراطي صار حاجة وجودية لبقاء لبنان وخروجه من النفق المظلم.
وانعكست عطلة عيد الفطر استرخاءً سياسياً وبطبيعة الحال برودة على الملف الرئاسيّ، بانتظار إعادة تسخين خطوط التواصل الداخلية والخارجية، في ظل استمرار الرئاسة الفرنسية في مساعيها لتذليل العقبات أمام انتخاب رئيس للجمهورية، بالتوازي مع طرح مبادرات حوارية داخليّة عدة في محاولة للتفاهم على مرشح توافقي. وبينما لا يزال الكثيرون في لبنان ينتظرون تأثير المبادرات الخارجية لحل الأزمة السياسية في البلاد وانتخاب رئيس، إلا أن المعلومات تظهر أن الخلافات الداخلية المتزايدة أدت إلى تحييد المبادرات الخارجية إلى حد كبير وليس لديها حتى الان منظوراً واضحاً للخروج من هذا المأزق.
خيبة أمل اللبنانيين من السعودية
وفي هذا الصدد أفادت مصادر مطلعة، بأنه بعد عودته إلى بيروت لم يتخذ السفير السعودي “وليد البخاري” موقفاً جديداً من الملف السياسي اللبناني ولا يزال السعوديون متمسكين بموقفهم السابق بعدم مباشرة الدخول في هذه القضية. هذا فيما كانت أطراف لبنانية كثيرة تنتظر دور الرياض الجديد بعد مساعي فرنسا لإقناع السعودية بالتدخل المباشر في قضية الرئاسة اللبنانية. وأعلنت مصادر تتابع عن كثب قضية الرئاسة اللبنانية أن الجهود الدولية لحل أزمة الرئاسة اللبنانية تراجعت في ظل الموقف السعودي الغامض الذي يتطلب من اللبنانيين التحرك لدفع القضية الرئاسية.
تحركات داخلية لحل القضية الرئاسية اللبنانية
وأشارت هذه المصادر إلى بعض الإجراءات الداخلية في لبنان لانتخاب رئيس الجمهورية، والتي قام بها “إلياس بوساب” نائب رئيس مجلس النواب اللبناني، و “محمد رعد” رئيس الفصيل الموالي للمقاومة في لبنان. ولقد عقد برلمان هذا البلد اجتماعاً ثنائياً لبحث القضية الرئاسية، ويفترض أن تستمر هذه اللقاءات مع نواب مجلس النواب اللبناني ورؤساء الأحزاب والجماعات السياسية. كما بدأت بعض الأطراف مشاورات مكثفة للاتفاق على خيار ما، ولكن بالنظر إلى التفضيلات المتبادلة والإصرار على المواقف السابقة في انتخاب الرئيس، لا يبدو أن تكون لأفعالهم نتيجة عملية وإيجابية.
سليمان فرنجية لا يزال على رأس قائمة الخيارات الرئاسية
وحسب مصادر لبنانية مطلعة، فإن سليمان فرنجية زعيم حركة «المردة» لا يزال على رأس الخيارات لرئاسة لبنان، لكن أنصاره ومن بينهم الشيخ نعيم قاسم نائب الأمين العام لحزب الله، ومحمد رعد، أكدوا أنهم لا يسعون إلى فرض أي خيار، ولم يغلقوا الأبواب أمام خيارات أخرى. على صعيد آخر، قال “جوزيف عون” قائد الجيش اللبناني، رغم أنه لم يكن بارزًا في السباق الرئاسي لهذا البلد مؤخرًا، إلا أنه لا يزال يُعتبر أحد أبرز المرشحين في هذا المجال، وفرصه في الوصول لكرسي الرئاسة لا يمكن تجاهلها.
وأعلن جبران باسيل رئيس التيار الوطني الحر اللبناني، يوم أمس، أن المسيحيين يتحملون مسؤولية تاريخية كبيرة في الاتفاق على انتخاب رئيس الجمهورية، ولا نقبل أن يفرض علينا الرئيس سواء من الداخل أو الخارج. ومسؤوليتنا أن نتفق مع بعضنا البعض، بعيداً عن اختلاق الأعذار والمبررات والأكاذيب.
وذكرت مصادر مطلعة في هذا المجال أن جبران باسيل يبدو أنه أدرك أنه غير قادر على أن يكون معاديًا لجميع الأطراف ويفكك تحالفه مع حزب الله ولهذا فهو ينوي إعادة علاقاته مع هذا الحزب وحلفائه الآخرين.
لقد استمر توقف القضية الرئاسية اللبنانية منذ تشرين الأول من العام الماضي، عندما غادر “ميشال عون” قصر بعبدا، ولم تستطع الإشارات الإيجابية التي نراها من حين لآخر في هذا المجال أن تسفر عن نتيجة ملموسة في حل هذه المشكلة وهذه القضية. وتشير مصادر نيابية لبنانية إلى أن المشكلة الأساسية تكمن في رفض الأحزاب الداخلية، ولا سيما العناصر المسيحية، الحديث، ولم تنجح أي من الوساطات في تليين مواقفها.
إن أي حوار داخلي قد يفتح الباب أمام أطراف داخلية لأخذ زمام المبادرة في القضية الرئاسية. ولقد قرر اللبنانيون ترك هذه القضية للأجانب. لذلك لا يمكننا أن نأمل في اتفاق بين الطرفين والقوى اللبنانية. وإذا كانت الظروف ملائمة لحوار جديد، فلا تزال هناك فرصة لإحياء المبادرات المحلية، لكن اللبنانيين أنفسهم لا يريدون ذلك.
وانطلاقاً من ذلك، أكدت مصادر سياسية لبنانية أن الأحزاب الداخلية حالياً لم تظهر أي مرونة لحل الخلافات والتوصل إلى اتفاق لانتخاب رئيس، ومن ناحية أخرى، هناك حالات أكثر أهمية في المنطقة تحظى بالاهتمام مثل عودة سوريا إلى الجامعة العربية. لذلك، لا يمكن توقع أن تعطي الدول العربية الأولوية لقضية لبنان.
واستنادا الى معظم المعطيات التي تتصل بأفق المستقبل القريب، فإن ثمة استبعادا لاي اختراق في الازمة رغم كل ما اثير ويثار حول تاثير الاتفاق السعودي الإيراني وتردداته في اتجاه المسار اللبناني، علما ان المعنيين برصد هذه الترددات يلفتون الى ضرورة قراءة التريث والتحفظ السعوديين حيال أي احكام وتفسيرات متسرعة لبنانية او خارجية في شأن موقف المملكة من الملف اللبناني الذي لا يزال هو هو ولم يتبدل.
وفي انتظار بلورة مزيد من الوضوح الإقليمي حيال الوضع في لبنان، بدأت المخاوف من تداعيات الازمة تتصاعد على نحو أوسع واخطر بكثير من الفترة السابقة نظرا الى تقديرات وتوقعات داخلية وخارجية بتفاقم يتجاوز الخطوط المعقولة ان في ازمة الصمود امام الانهيار المالي التي قد تكون مقبلة على تطورات بالغة الخطورة، وان في التراجعات الجديدة الكبيرة في شتى القطاعات اللبنانية. وستشكل المعطيات والتطورات المالية والاقتصادية والحياتية في الفترة الطالعة، وفق هؤلاء، عامل الضغط الاشرس على الطبقة السياسية كما على الدول المعنية بمتابعة الملف اللبناني ولا سيما منها مجموعة الدول الخمس التي ضمها لقاء بيروت.
ذلك انه يخشى من اهتزازات لبنانية اجتماعية ومالية عميقة تشابه الاهتزازات الأمنية التي كانت سابقا تدفع الدول الى ان تهرع الى محاولة فرض تسويات على اللبنانيين حين يهدد عدم الاستقرار في لبنان الوضع الإقليمي. ومن هنا نعتقد ان السباق سيشتد بقوة في الأسابيع المقبلة بين مسار التآزم الداخلي والمحاولات التي ستبذلها بعض الدول لاختراق الانسداد علما ان ما يملي هذا التصعيد المرتقب يتصل ببدء تحسب الجميع والحكومة نفسها لاستحقاق نهاية ولاية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في تموز المقبل.