الفائز بالجائزة الدولية لأفلام الأطفال والمراهقين

“لوبيتو”.. غنى إنساني متدفق يجول العالم العربي

كان واضحاً أنّ صنّاع الفيلم أبدعوا في التركيز على روح الطّفولة الصافيّة المحبّة للخير، وهي الفطرة الأساسيّة في كل إنسان.

2023-05-02

الوفاق/ مرة أخرى يجتاز فيلم الأنيميشن الإيراني “لوبيتو” الحدود الإيرانية ويواجه إقبالاً كبيراً خارج البلاد وتم دبلجته إلى اللغات المختلفة وعرض في دور السينما الدولية، منها الروسية ودول اخرى، واليوم حان الوقت لكي يتم عرضه في لبنان، هذا ما قاله قبل فترة منتج ومخرج “لوبيتو” في لقاء أجريناه معهما.

فيلم “لوبيتو” يتمتع بغنى إنساني دفاق وأسلوب فني فائق الدقة، وفيه لغة بصرية ممتعة، وصور متناسقة، وألوان جذابة ولافتة، مما يجتذب المشاهدين من الصغار والناشئين والكبار!

ويحمل “لوبيتو” طابعاً كوميدياً وموسيقياً ممتعا، ويخلق جواً جاذباً للجمهور والأطفال، وهو مدبلج الى اللغة الفصحى بإتقان مع بعض الشخصيات التي تتحدث لهجات مصرية ولبنانية وسورية ويحوي الكثير من الأغاني التربوية التعليمية، ويمتاز الفيلم بلغة بصرية ممتعة للغاية، فالصور متناسقة، والألوان جميلة وجذابة ولافتة بالتأكيد للكبار كما للصغار.

افتتح عرض أنيميشن “لوبيتو” مساء الخميس 27 أبريل، في مسرح رسالات – المركز الثقافي لبلدية الغبيري، وسيعرض الفيلم في عدد من صالات السينما اللبنانية، منها غالاكسي مول، فردان ABC مول، سنتر مول، مسرح الفردوس، ثانوية المصطفى، عيناتا، الصوانة، دير قانون النهر، الخيام، الشهابية، قانا، صور، وغيرها، والفيلم من توزيع مؤسسة “ميم” للإنتاج الثقافي في لبنان.

البنيّة الدراميّة

لقد كان واضحاً أنّ صنّاع الفيلم أبدعوا في التركيز على روح الطّفولة الصافيّة المحبّة للخير، وهي الفطرة الأساسيّة في كل إنسان، حيث كانت البطولة الثانية في الفيلم للطفل “علي”، والذي تمكّن من فكّ لغز المشكلة المستعصية، خصوصاً بعدما ظهر له ملاك من السّماء يحاول مساعدته. إذ وحده الطفل “علي” الذي تمكّن من رؤيته، وفي هذا إشارة إلى روح الأطفال البريئة، وأيضاً تتضمن التفاتة بارزة إلى الاتصال بعالم الغيب الذي نؤمن به. فالملاك لم يقم بحلّ مشاكل المصحّة النفسية بقدرة ساحر- كما هو في الأفلام الغربية الموجهة للأطفال- بل هو قدّم إشارات وحثّ على التفكير في الحلّ السّليم وعدم التسرّع.

أمّا الشخصيات، فقد كانت متنوعة في طبيعتها وطرائق تفكيرها، فكلّ منها له خاصيته في العمل. وبرز منها شخصية الجنرال الكبير في السّن والشّاب المصري -يتحدث باللهجة المصرّية- “الرّيس” دورهما البارز إلى جانب الطفل “علي” لحلّ اللغز، فقد جسّدا حالا من الكوميديا اللطيفة والمحببّة للطفل. كما لا يمكننا إغفال سلامة اللغة العربيّة المدبلجة وانسيابها اللطيف في ذهن الأطفال المشاهدين، حيث كانت مناسبة للفئة المستهدفة، خصوصاً لغة الأغاني ومفرداتها.

يحفل الفيلم بقيم ومبادئ أخرى مهمّة، ومنها الاعتراف بالخطأ، وهذا مثّلته الطبيبة، وهي أخت الطبيب كمال، والتي كانت مصرّة على معالجة المرضى بالعقاقير الطبيّة فحسب، ولكنّها تكتشف حقيقة ما يجري في مصحّة أخيها فتسانده لحلّ المشكلة وتثني على أدائه.

خلفيّة الفيلم وأهدافه

حرص معدّو الفيلم وكاتب السّيناريو على أن يكون العمل هادفاً، يحمل قيماً تربويّة واجتماعيّة، وحتى اقتصاديّة تُعنى في فهم معنى أن يكون الإنسان منتجاً وفاعلاً في مجتمعه. وقد حملت هذه القيمة الأساسيّة، في الفيلم، عدّة أبعاد ثقافية – اقتصاديّة، من الممكن أن ندرجها تحت العنوانين الآتية: التكافل الاجتماعي، العمل والمثابرة رأس مال اقتصاد المجتمع، التربية على استثمار الموارد، ولقد كان جلياً في الفيلم إذكاء روح التحدّي والعمل على مواجهة الأخطار والصعوبات مهما بلغت شدتها، وهذا هو معنى المثابرة والصبر في آن معاً، خصوصاً عندما يكون منصهراً بروح جماعيّة تعمل متحدّة.

فتكتب الدكتورة زينب الطحان: اعتادت مجتمعاتنا العربية والإسلامية على مشاهدة أفلام الأطفال (الرسوم المتحرّكة) الغربية؛ وذلك لسبب بسيط هو عدم توفّر مثل هذه النتاجات الفنيّة في بيئتها عموماً.

اليوم؛ مع تطوّر الأعمال الفنيّة السينمائية في الجمهورية الإسلامية في إيران، نعد أنفسنا بسلسلة من هذه الأعمال التي بدأت تتطوّر منذ عقدين تقريباً؛ خصوصاً بعدما قطعت السّينما الإيرانيّة عامّة شوطاً مهمّا في هذا الميدان على الصعيد العالمي منذ سنوات طويلة، وباتت تنال الجوائز والتنويهات.

افتتاح عرض الفيلم في لبنان
تم افتتاح عرض الفيلم منذ الخميس الماضي في جمعية رسالات، الافتتاح الذي حضره عدد من الشخصيات الفنية والإعلامية والتربوية والاختصاصيين في مجالات الرسوم والمسرح وأدب الأطفال والصحة النفسية، واستُهِلّ بآيات من القرآن الكريم، بعدها كلمة مدير الجمعية اللبنانية للفنون – رسالات “محمد خفاجة”، الذي أكد أن العمل الثقافي والفني هو ملازم لأي معركة، وهو يثبّت ويستنهض ويعطي الأمل للناس بالاستمرار وتجاوز المشكلات. واعتبر أنّ فيلم “لوبيتو” هو واحد من مجموعة أفلام موجهة للشريحة التي كنا نسعى مؤخراً للتوجه إليها ودعمها، وهي فئة العائلة والأطفال والناشئة. وهذا العمل هو جزء أساسي من السعي لتأمين المحتوى الهادف لها، كما أن نجاحه مرتبط بتفاعلنا جميعاً ومشاركتنا جميعاً.
ثم كانت الكلمة للمدير التنفيذي لشركة ميم للإنتاج الثقافي “جواد رميتي”، الذي اعتبر أنّ الهمّ الأساسي من خلال غرساتنا التي نزرعها في الدوحة السامقة الخضراء لعائلات مجتمعنا وأطفالنا وناشئتنا، هو إنتاج البديل الهادف الذي يرتكز على القيم الأخلاقية والإنسانية ونمذجة شخصيات تحمل هذه القيم والمفاهيم، لذا فقد تضافرت الجهود في شركة ميم للإنتاج الثقافي مع جهود الاخوة الأعزاء من رسالات في سبيل إعلاء هذه الرؤية لتكون شعلة متّقدة فوق كل التحديات والصعوبات التي تواجه وطننا، لتُسهم من خلال نورها بالتنمية الإنسانية والتقدّم الثّقافي البنيوي.
هذا وعبّر الأطفال عن سعادتهم بما شاهدوه، وقالوا إنّهم تعلموا بعد مشاهدتهم للفيلم أن لايفقدوا الأمل، فيما أعرب الأهالي عن أهميّة الرسالة التي أوصلها الفيلم لأطفالهم.

حمادة: الفيلم يتمتع بأسلوب فني رائع

كتب مسؤول ملف أدب المقاومة في وحدة الأنشطة الإعلامية “سُدَيف حمادة” على حسابه في فيسبوك بعد مشاهدة فيلم “لوبيتو”: إنني أنصح بمشاهدته، وأشجع الأهل على اصطحاب ابنائهم إلى صالات عرضه.

وبعد ذلك يقوم “حمادة” بتبيين شعوره بعد مشاهدة الفيلم الذي يرى فيه نقاط إيجابية كثيرة، فيقول: لا أريد أن أصادر العروض اللاحقة في سرد مجريات هذا الفيلم، ولا يحق لي أصلاً، لا في الأخلاق ولا في القانون، أن أفعل، ولكن أجدني، بحكم الإعجاب به، منساقا إلى أن أتوقف عند أبرز القيم الإنسانية التي يشتمل عليها الفيلم، وبعض النقاط الفنية انطلاقا من قراءتي النقدية التي أظن أن عدداً من المهتمين في هذا الميدان يشاطرني فيها الرأي.

في الفيلم نظرة إيجابية جدا للإنسان ورهان عليه في إنتاجيته، حتى وإن كان يعاني أزمات نفسية عميقة. مادة إنتاج العاملين في المصح “دمى الأطفال” منسجمة ومناسبة جدا للفئة العمرية المستهدفة، وتشكل عنصراً جاذباً لهم.

البعد الغيبي حاضر في مسيرة المجتمع الإنساني، وقد جسد من خلال حضور الملاك، بما ينسجم مع فهم الفئة العمرية المستهدفة.

الرهان على عقل الطفولة وروحها النقية حاضر في الفيلم، بل حدث رئيس في كل مجريات الفيلم، ويمثل دور البطولة فيه، وهو ما يجذب أيضا الفئة العمرية المستهدفة.

البعد العقدي الديني حاضر في الفيلم من خلال حدود علم الملائكة، فحينما يقتضي الأمر يخبر الملاك الطفل ببعض ما هو غيب، وحينما لا يقتضي يعلن الملاك عن عدم معرفته على قاعدة “سبحانك لا علم لنا إلّا ما علّمتنا إنك أنت علّام الغيوب”.

لغة الفيلم والرسم الفني الصوري

لغة الفيلم مناسبة جدا لمستوى الفئة المستهدفة. الاحداث وفيرة جدا في الفيلم من لحظة دخول عنصر الشر إلى المصح إلى لحظة القبض على من يمثل الجشع والشر والتنافس غير الشريف .

الكوميديا المناسبة للطفولة حاضرة في الفيلم ومدروسة بعناية، منسجمة مع مساره، غير متكلفة ولا مسقطة إسقاطا.

القيم التربوية والأخلاقية والقانونية وبعض المفاهيم الإدارية غير غائبة عنه على الإطلاق.

الرسم الفني الصوري للشخصيات موفق جداً ويصنّف العوامل المساعدة أي “شخصيات الخير” والعوامل المعاكسة أي “شخصيات الشر”.

الخلفية النقية للشخصيات المتباينة في تحديد كيفية إدارة المصح وإنتاجيته حاضرة في الفيلم “تتمظهر في التباين بين مدير المصح وأخته، مع سلامة نية كل منهما، كما ظهر في ما يخص الاخت في الثلث الأخير من الفيلم”.

شخصيات الفيلم والعناصر المفاجئة

تتنوع شخصيات الفيلم بين مسطحة ونامية ما يؤكد حضور العناصر المفاجئة فيه، وفي الفيلم لمسات عرفانية واضحة تتجلى في قابلية رؤية الملائكة لدى الأطفال دون سواهم باعتبار نقاء روحهم وسريرتهم.

الحوار في الفيلم بعيد عن الإصطناع ومنسجم مع الحدث، وقد حقق أهدافه في الكشف عن نفسيات المتحاورين والإسهام في سرد الأحداث والحيوية الكافية.

روح التحدي والعمل الجماعي

روح التحدي وهزيمة اليأس حاضرة في الفيلم كهدف تربوي واضح وجلي، والبعد الحركي الفاعل والحيوي الحاضر في الفيلم منسجم مع طبيعة الطفولة.

المشاهد الغنائية فيه راعت المستوى واضفت جواً ممتعاً، وأصناف الحلويات التي جاءت عرَضاً في الفيلم، والأجواء الإحتفالية بعد كل إنجاز تتناغم مع رغبة الطفل، وتشكل عنصر جذب إضافياً، وعنصر المكافأة في العمل حاضر فيه أيضاً.

يبين الفيلم روح العمل الجماعي المنسجم وأهميته في الإنجاز، ويكفي، كما يعرض الفيلم، عنصر شر واحد حتى يتقوض العمل الجماعي. ومن هنا تبدو خطورة الشر الذي يخترق الجماعة.

لا تغيب عن الفيلم ذهنية العمل الأمني والاستفادة من التقانة ولا سيما في وسائل التواصل، ومع أن أحداث الفيلم صراعية، دراماتيكية، ذات تشويق عالٍ، غير أن مشهداً دموياً واحداً لا يمرُّ فيه وإن عابرا، ما يدل على قراءة تربوية علمية دقيقة كانت خلف كتابته وإنتاجه، منسجمة مع الأبعاد النفسية والتربوية المناسبة للفئة العمرية الموجّه إليها هذا العمل.

باختصار؛ الفيلم يمثّل انجازاً من الناحية الدراميّة والفنيّة معاً؛ حيث كانت تقنية ثلاثية الأبعاد متقنة إلى أبعد الحدود، في حدود الرسم وزوايا الشخصيات والأمكنة بدقة متناهية من الحفر والألوان وغيرها. وكلّ ذلك ليقول الفيلم ببلاغة شديدة أنّ قدرات وإمكانات أهل البلد هي التي يفترض تشجيعها وتبنيها وتطويرها، ومحاربة كلّ من يقف عائقاً أمام هذا الهدف الوطني الكبير. وأخيراً “لوبيتو” الإيراني يقول: دعوا الأطفال يأتون إليّ.

 

المصدر: الوفاق