الأبعاد الإستراتيجية لزيارة الرئيس الإيراني إلى سوريا

تأخذ زيارة رئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية السيد ابراهيم رئيسي إلى سوريا للقاء الرئيس بشار الأسد والقيادة السورية أهميتها من طبيعة العلاقات الأخوية المميزة والممتازة بين البلدين القطبين الإقليميين في حلف الممانعة الذي حقق انتصارات في الحرب المتعددة الأشكال، والتي جمعت ايران وسوريا في خندق واحد في مواجهة الأعداء من الصهاينة الى الإرهاب التكفيري الى الغزو الأميركي المباشر والمقنع ونشر الحروب والفوضى في المشرق العربي والاسلامي.

2023-05-02

تأتي هذه الزيارة في لحظة تاريخية مهمة، يشهد فيها العالم مرحلة تحول استراتيجي على المستوى العالمي في تراجع الولايات المتحدة الأميركية، وفشلها في تحقيق سيطرة أحادية على العالم، وأفول النجم الأميركي في الشرق خاصة في منطقة غرب آسيا وعودة الصراع الدولي الى قلب أوروبا في الحرب الأوكرانية – الروسية، وبروز الصين الشعبية قوة دولية قادرة على تشكيل محور عالمي في مواجهة أوهام السيطرة الأميركية.

هذا التحول الاستراتيجي وهو في مرحلة الفعل الميداني الآن أرسى ثقله في التوازن الاقليمي، وتأثر به، وكانت كل من ايران وسوريا من صنّاعه، وقد برزت نتائج هذا الأثر في أمور عدة، منها:

استمرار التفاوض حول البرنامج النووي الايراني في ما يشبه التسليم بحقوق ايران في امتلاك الطاقة النووية.

وجاء الاتفاق الايراني – السعودي برعاية الصين الشعبية ليقلب ميزان القوى في المشرق العربي الاسلامي. ويدفع العلاقات السعودية – السورية الى مرحلة التواصل والتفاهم، والبحث الجدي في عودة سوريا الى جامعة الدول العربية، وحضورها القمة العربية القادمة.

ويشكل هذا التغيير إنقلاباً في التوجه الاستراتيجي حول فلسطين، بعدما سقطت صفقة القرن الأميركية وسقطت تجربة التطبيع وتخاذل أصحابها والأهم أنه تم هزيمة مشروع إقامة جبهة بين دول عربية مطبعة وبين العدو الصهيوني لمواجهة ايران واستبدال مواقع العداوة حيث تكون ايران الاسلامية عدواً فيما يصبح العدو الصهيوني المحتل لفلسطين والقدس حليفاً وصديقاً، أنقذت ايران وسوريا الدول العربية من هذه الكارثة الكبرى التي تجعل الشقيق والصديق عدواً فيما العدو حليفاً وصديقاً، وخرج العدو خاسراً من تحقيق صفقة القرن والتطبيع وهو يتخبط في مشكلاته الوجودية الكبرى، وقد أثبتت معركة الدفاع عن القدس والمسجد الأقصى ميزان قوى جديدة في فلسطين وأكناف بيت المقدس.

هذا وقد قدمت ايران لسوريا كل الدعم المادي والمعنوي دعماً سياسياً واقتصادياً وعسكرياً وأمنياً وعلمياً وثقافياً، وقدمت سوريا لإيران سنداً عربياً ومشرقياً يمثل مع فلسطين ولبنان والعراق واليمن جبهة إقليمية عزيزة ومنيعة.

يدرك الرئيسان السيد بشار الأسد والسيد ابراهيم رئيسي هذه التحولات، التي جاءت ثمرة طيبة للحلف الاستراتيجي بين البلدين القطبين الشقيقين، وإن قوتهما قوة لمصالح ايران وسوريا معاً وقوة أيضاً لفلسطين وكل الدول العربية والاسلامية في مواجهة العدوانية الأميركية والاحتلال الصهيوني والارهاب التكفيري.

لا شك أن جدول أعمال الزيارة سيكون حافلاً، لأنه يشبه من ناحية موسم قطاف الانتصارات المشتركة. ومن ناحية ثانية تمتين العلاقات الاستراتيجية، وتحسين نقاط القوة، ومعالجة المشكلات بالحلول الناجعة جدول أعمال يستند الى تقييم حصاد التحالف، وتعزيز العلاقات وبناء مستويات من التضامن والتعاون والتحالف والدعم والأخوة الصادقة لبناء المستقبل.

وفيه ما فيه من المشاركة في إعمار سوريا وحل المشكلات التي أفرزتها الحرب، ومعالجة الأوضاع في المناطق التي لا تزال تخضع لنفوذ الارهاب والاحتلال الأميركي، ومحاولة التفاهم مع الدولة العربية والاسلامية، بما فيها السعودية وتركيا. كما دولياً مع روسيا والصين وحل مسألة النازحين وبناء الثقة بين هذه الدولة، والمساهمة في إعادة الإعمار وبناء عناصر القوة في مواجهة العدوان الإسرائيلي الغاصب لفلسطين والقدس والجولان.

تمثل هذه الزيارة درة التاج في تمتين أواصر العلاقة بين دول محور المقاومة. وكذلك في تحصين وتقوية وحدة الساحات في مواجهة العدو الصهيوني، وإعادة العلاقات بين ايران والدول العربية، والتي كانت سوريا تلعب دوراً بارزاً فيها وتعود لتلعب ايران من موقعها في تحسين هذه العلاقات وتأمين عناصر القوة في البناء ومواجهة الأعداء.

ايران وسوريا يعززان قوتهما وفي تعاونهما كقوة مشتركة مضافة وفاعلة، داعية الى الإصلاح والفلاح والوحدة والتحالف (وَاجْعَل لِي وَزِيرَاً مِنْ أَهلِي هَارُونَ أَخِي اشْدُدْ بِهِ أَزرِي وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي).

المصدر: الوفاق/ خاص/ الدكتور طراد حمادة