الشهيد "مرتضى مطهري"...

النموذج الواعي والمتميز للثورة الاسلامية

الأستاذ الشهيد "مرتضى مطهري" هو نموذج حقيقي للمعلمين والأساتذة الملتزمين والواعين بالعصر ومعلمٌ متميزٌ للثورة الإسلامية. إنّ التدريب الديني والثقافي والتعليمي للناس في المجالات والمراكز التعليمية، وواقعية التفكير الثوري، والتزام القلم، والتعبير التبييني، وإنتاج أکثر من 70 أثراً قيماً هي من بين الخصائص التي جعلت من الأستاذ شهيد مطهري نموذجًا يحتذى به بين المعلمين والأساتذة

2023-05-03

محمد حسين أميدي

الوفاق/ خاص

يُسجل 2 مايو/أيار في التقويم الإيراني عید المعلم ويوم استشهاد الأستاذ الشهيد آیة الله مطهري، الأمر الذي يظهر مدى عمق الارتباط بين الدين والعقلانية، ولذلك كان من الأهمية إلقاء نظرة على حياة هذا الشهيد الكريم وخدمات الثورة الإسلامية في مجال التعليم والتربية.

الأستاذ الشهيد “مرتضى مطهري” هو نموذج حقيقي للمعلمين والأساتذة الملتزمين والواعين بالعصر ومعلمٌ متميزٌ للثورة الإسلامية. إنّ التدريب الديني والثقافي والتعليمي للناس في المجالات والمراكز التعليمية، وواقعية التفكير الثوري، والتزام القلم، والتعبير التبييني، وإنتاج أکثر من 70 أثراً قيماً هي من بين الخصائص التي جعلت من الأستاذ شهيد مطهري نموذجًا يحتذى به بين المعلمين والأساتذة.

مطهري، طالباً مُبرزاً ومعلماً للجميع

آية الله مطهری كان من أبرز طلبة وأصحاب الإمام الخميني (قدس)، وهو الذي استطاع الوصول إلى قمة الاجتهاد في جميع مجالات الدراسات الإسلامية كالفلسفة والفقه والأصول، وما يميزه عن غيره هو تقديم شمولية الدين لعامة الناس والنخب.

كان للإمام الخميني (قدس) طلاب في الأخلاق، يفهمون الأساسيات، لكن لم يكن لديهم القدرة على شرح وتفصيل القضايا التي أثيرت في هذا المجال أكثر مما قاله الإمام(قدس). يعني تكرار كلام المعلم. أمّا الشهيد مطهري فكان يستطيع مناقشة الجماهير المثقفة المختلفة، عبر تقديم هذه الأساسيات بطريقة مختلفة وفقًا لقدرة الجمهور. وفي الوقت نفسه، يقدم رأيه الخاص فيها.

إنّ معظم كتب الإمام الخميني(قدس) عرفانية وتحتاج إلى شرح لمن ليس على دراية بأساسيات العرفان. امتلك الشهيد مطهري القدرة على نقل المحتوى الغامض إلى المستمعين والقراء دون التقليل من عمقها إلى حدٍ ما فيما يتعلق بالموضوعات الأخرى.

كان العديد من طلاب مبادئ الإمام الخميني(قدس) ودروس الفقه غريبين على الفلسفة، لكن قلة من طلاب فقه الإمام كان لهم عقل فلسفي أبرزهم الشهيد مطهري، فهو شرح مرتين “منظومة ملاهادي سبزواري” وأظهر أنه بارع في تبسيط الموضوعات الفلسفية الأكثر غموضًا مثل وحدة “العاقل والمعقول” ودون التقليل من عمقها أو تعقيدها.

اعتُبر الفقه في معظم الحوزات العلمية والمدارس الإسلامية في قمة القيّم العلمية، وكانت القضايا الاجتماعية في الغالب مهملة. وعندما أصبح آية الله مطهري فقيهًا بارزًا، وجد قلة من الفقهاء يثيرون القضايا الفقهية المتعلقة بالقضايا الإجتماعية مثل مسائل المصارف والحجاب والأفلام والموسيقى، لذلك تحلى بالشجاعة وناقش هذه المسائل بحججٍ علمية قوية.

حنان الأستاذ والكلمة الطیبة

عاد الشهيد مطهري من النجف الأشرف إلی قم المقدسة في الثالثة والثلاثين من عمره، ومع منصبه العلمي العالي، رغب بأن يصبح مدرسًا فقط، فقدم طلباً إلى جامعة العلوم “المعقولة والمنقولة” طالباً السماح له بالتدريس في الجامعة. وتجدر الإشارة إلى أنه يشترط للتدريس في الجامعات حمل شهادة الدكتوراه ، لكن الأستاذ مطهري كان مجتهداً في مدرسة دينية، ولمّا لم يجد رئيس الجامعة شخصية أفضل منه ، فقبله أستاذاً في الجامعة.

دخل الشهيد إلى قاعة المحاضرات في الجامعة، فواجه حالة من الفوضى بين الطلاب، والتي نشرها نظام الشاه للمجتمع الإيراني بسبب اعتماده على الثقافة الغربية وأسلوب الحياة الأمريكية. فقد كانت الطالبات ترتدين الملابس الغربية وشبه العارية، وكذلك الطلاب بلباسهم الهيبي وقصة شعرهم الغريبة، كان الجميع يجلسون بشكل ٍمتقارب وعلى طاولة واحدة مع عدم الحفاظ على المسافة الشرعية.

رأى الشهيد الوضع صعبًا، لذلك شعر بضرورة التحضير للصف، فبدأ في شرح شخصية الرسول الأعظم (ص)، النبي الذي خلق الله العالم من أجله، وشرع بالحديث عن الرسول(ص) ، وصفاته، وخاصةً شهامته والحفاظ عل شرف الأخرين…

أثرت كلمات الأستاذ مطهري على الطلاب بشكلٍ كبير، وهذا ما ظهر في ردات أفعالهم، فقامت الفتيات وبدافع الإحراج والخجل بتغظية أنفسهن بدفاترهن وأوراقهن. خاطب الشهيد الطلاب بشكلٍ ودي وغادر الصف بطريقة محترمة من دون أي ملامة معهم. هذا اللطف والتسامح في الحديث أعطى ثماره في المحاضرة القادمة بين الطلاب، الذين قدموا إلى قاعة المحاضرات مع تغيير ملموس باللباس والتصرف، وعندما سأل الطلبة ما كان شعوركم عندما قصصتم شعركم الطويل، فأجابوه بالقول:”إنّ النبي الذي وصفته بكل صفاته وحسناته لا نستحقه ولا نستحق حتى سلوكه ، يجب أن نصلح أنفسنا أولا” لكي نكون لائقين به”.

النضال إلی الحرية

كان للشهيد مطهري تأثيرٌ كبير على نشأة الثورة الإسلامية وانتصارها. تتحدث تقارير منظمة الأمن والمخابرات للشاه “سافاك” عن مشاركة الأستاذ مطهري عبر خطاباته في جلسات وتجمعات معارضي النظام احتجاجاً على الأوضاع السائدة في ذلک الوقت. يصف أحد التقارير المؤرخة في أغسطس/آب 1960 خطاب الشهيد مطهري في إحدى هذه اللقاءات على النحو التالي: “في منزل علي بابائي، ألقى السيد مطهري كلمة حول الانتخابات، وذكر أن جميع البشر يجب أن يعيشوا في رخاء ورفاهية وإذا كان البعض يمتص دماء الآخرين ويحكمهم مدى الحياة، فلا يمكن تسمية هؤلاء القلائل بالبشر، ويقول الشيوعيون: الاحتياجات البشرية مبنية على الاقتصاد، ويقول سقراط: الاحتياجات الإنسانية مبنية على العلم، لكن الإسلام يقول: البشر يحتاج إلى كل شيء، وعندما تلبى حاجات الإنسان حسب القانون يمكن أن يطلق على ذلك الشخص حرًا، وفي هذه الحالة لا يمكن القول إن الشيوعي قال خطأ أو صوابًا، ولا يمكن أن يكون كذلك إنّ جمل سقراط كانت خاطئة، لكن ما قاله الإسلام يمكن اعتباره صحيحًا؛ لأنّ الإسلام يقول: كل الناس خلقوا متساوون في الحقوق ویمکنهم التنعم بكل ملذات الحياة…. ”

كان الشهيد مطهري مسؤولاً عن إيصال مفاهيم النضال إلى الجماهير عبر الخطب والمقالات والكتب، ممّا أدى إلى تشكل نخبة من الشباب المعتنقين لأفكاره وأرائه. وكان من أبرز أنشطته مواجهة الأفكار المنحرفة والتي سعت المجموعات الشيوعية والماركسية لنشرها بين الناس وخاصةً بين  طلاب الجامعات، فواجههم من على منابرهم في الجامعات وكذلك عبر تأليف الكتب مثل”مبادئ الفلسفة ومنهج الواقعية” و”الإنسان والقدر” والعدالة الإلهية” .

أمّا في الثورة، اعتنق الشهيد مبادئ ونهج وأوامر الإمام الخميني(قدس)، ولقد شكل الشهيد أحد ركائز النضال في الثورة ، وكان من بين الشخصیات التي تتمتع بثقة الإمام(قدس) بنسبة عالية، يقول الإمام الخامنئي(حفظه الله) عن دور آية الله الشهيد مطهري في الثورة بأنه “كان بلا شك أحد ركائز النضال في ذروته في طهران وواحد من إثنين أو ثلاثة أشخاص كان الإمام(قدس) يثق بهم في إدارة شؤون إيران”.

يوم المعلم في إيران

أعلنت منظمة اليونسكو أنّ يوم الخامس من تشرين الأول/أكتوبر من كل عام هو يوم المعلم العالمي، لكن الشعب الإيراني يعتبر الثاني مايو/ نيسان  يوم المعلم. يرتبط هذا التاريخ بحادثة تجسد نضالات الشعب الإيراني ضد نظام الشاه.

ففي هذا اليوم من العام 1961  نظم المعلمون مظاهرة احتجاجية أمام البرلمان في ساحة بهارستان بطهران. استشهد فيها معلمً يدعى “أبو الحسن خانعلي” وأصيب عدد آخر في إطلاق النار من قبل القائد العسكري المكلف من قبل نظام الشاه بقمع المظاهرة. أدى هذا الحادث وانتشار الاحتجاجات إلى سقوط حكومة “الشريف إمامي” وتنصيب “علي أميني” رئيسًا للوزراء. لذلك، منذ ذلك الحين، اعتبر المعلمون الإيرانيون بشكلٍ غير رسمي هذا اليوم بدلاً من الخامس من اكتوبر يوماً للمعلم.

وبعد 18 عامًا، وفي الربيع الأول بعد الثورة الإسلامية، استذكر المعلمون الذين تحرروا من نظام الشاه، هذا اليوم مرةً أخرى، والذي تصادف فيه استشهاد الأستاذ مرتضى مطهري في البلاد، لذلك وتزامناً لتوافق الذكرى مع الاستشهاد، أعلنت  الحكومة رسميًا أسبوع المعلم اعتبارًا من 12 مايو في العام اللاحق.

التعليم حق لكل الشعب الإيراني

بعد الثورة الإسلامية ونظراً لضرورة إقامة العدالة الاجتماعية، شكل الانتشار والتوسع العادل للعلم والمعرفة بين أبناء الشعب الإيراني أحد أهم أهداف الثورة والمطلب الاجتماعي، فلقد ألزم المبدأ الثالث للدستور الحكومة بتوفير جميع مرافقها للتعليم المجاني للجميع وعلى جميع المستويات وتسهيل التعليم العالي. فتنص المادة 30 من القانون بوضوح على أن “الحكومة ملزمة بتوفير مرافق التعليم المجاني لجميع الأمة حتى نهاية التعليم الثانوي وتوسيع مرافق التعليم العالي مجانًا حتى حد الاكتفاء الذاتي للبلاد”. تكرر محتوى هذا المبدأ أيضاً في المادة 104 من ميثاق حقوق المواطن.

بعد الثورة الإسلامية الإيرانية، دخل جميع الأطفال المحرومون من التعليم إلى المدرسة، إذ وصل العدد إلى حوالي 19 مليون طالب، واليوم بعد 44 عامًا من انتصار الثورة الإسلامية الإيرانية، صار يذهب جميع الطلاب إلى المدرسة، ولكن بسبب انخفاض النمو السكاني في السنوات الأخيرة ، فقد وصل عدد الطلاب إلى حوالي 16 مليون شخص.

فقبل الثورة عام 1979، لم تكن هناك مدارس وأماكن تعليمية في أجزاء كثيرة من البلاد، كما كانت القرى والبلدات النائية ذات الكثافة السكانية الصغيرة محرومة من المدارس. أدت قلة عدد المدارس وقلة المعلمين ووجود بعض الضغوط والمواقف فيما يتعلق بتعليم القرويين حتى ما قبل الثورة الإسلامية إلى حرمان نسبة كبيرة من الأطفال من إمكانية الحصول على تعليم مجاني، ولكن الآن تغيرت الأوضاع، وفقاً للإحصائيات والمعلومات المتوفرة عام 1977، بلغ معدل الإلمام بالقراءة والكتابة في إيران 41.7٪ ، فيما ارتفع معدل الإلمام بالقراءة والكتابة إلى اکثر من 91 بالمائة قبل عامٍ من هذا.

أمّا اليوم، فهناك حوالي مليون معلم في أكثر من 100 ألف مدرسة مسؤولين عن تعليم الطلاب؛  وحتى في أبعد الأماكن والقرى النائية، فالجمهورية الإسلامية لن تترك أبنائها دون تعليم وتربية.

ومن الشواهد على ذلك  يوجد أكثر من 200 ألف طالب بدوي (العشائري) يعيشون حياة متنقلة، ولكنهم يتابعون تعليمهم عبر 18 ألف معلم يقومون بتدريس هؤلاء الطلاب في أماكن تنقلهم في المدارس أو الأكواخ أو الخيام في البرد والحرارة ومتخطين كل هذه الصعوبات. يقول داريوش أحمدي هو مدرس في مدارس منطقة البدو الرحل ف مضیق دز الجبلي في محافظة خوزستان جنوب البلاد عن هذا الموضوع:” إنّ بساطة وأمانة ولطف الشعب الرحل دفعته كمدرس في متابعة تعليم هؤلاء الأطفال  للتخلص من الجهل بالرغم من كل الصعوبات التي واجهته، فهو يقطع يومياً  للوصول إلى المدرسة عدة كيلومترات عبر طريق جبلي ويعبر نهرًا شديد البرودة، وهو لا يشعر بهذه الصعوبة عندما يرى سعادة هؤلاء الأطفال بالتعليم الضروري لصناعة مستقبلهم ومستقبل البلاد”. أمّا المعلم داريوش فيقول:” كنت بنفسي طفل من البدو الرُحل ودرست في ظل هذه الظروف لسنواتٍ طويلة، وهؤلاء الأطفال لديهم أحلام يمكنهم تحقيقها عبر الدراسة والتعليم”.