في طريقها للتسجيل الوطني

ملحمة نساء “لَرِده” في دشتستان.. نموذج لهوية المرأة الإيرانية

وصف رئيس منظمة تعبئة النسوة في البلاد ملحمة نساء لَرِده  بأنها ملحمة وطنية لنساء إيران الإسلامية

2022-11-12

الوفاق/  يذكرنا تاريخ إيران بملحمة النساء الابطال “لَردِه” في دشتستان، عندما مسحن الارض بوجه الاستعمار البريطاني بشجاعتهن وصنعن التاريخ واصبحن نموذجا للمرأة الايرانية.

اشتهرت مدينة بوشهر باسم الشهيد رئيسعلي دلواري، بطل الكفاح ضد الاستعمار في الجنوب. لكن الدراسات التاريخية تظهر أنه إلى جانب قادة هذه الانتفاضة، فإن اسم النسوة الابطال لَرِده عندما استشهد رئيسعلي دلواري والعديد من القادة والشجعان في هذه الأرض، وجُرح الكثير منهم، قاتلن ضد البريطانيين بروح بطولية واستطعن سحق وحداتهم العسكرية وتلقينهم درسا لا ينسى.

في جميع الملاحم الدائمة، كانت المرأة حاضرة بشكل مباشر وغير مباشر بطريقة شجعت الرجال وساعدتهم فكريا ومعنويا، وفي غيابهم ملأت مكانه الفارغ في العائلة. وفي معركة رئيسعلي لعبت النسوة بشكل غير مباشر دوراً مهماً في إيصال إمدادات الحرب، وتمريض الجرحى، ورعاية المسنين والأطفال، وإيصال الطعام والماء للمجاهدين.

لكن في ملحمة لَردِه، بدلاً من دعم الحرب ورعاية الجرحى، حملت النساء هذه المرة السلاح لمحاربة الاستعمار والدفاع عن الأرض. وضحين بأرواحهن  باخلاص ومنعن زحف القوات الاستعمارية.

ذكرت أسماء نسوة لَردِه في المصادر المسجلة من الزوجة والأم والأخت مما يدل على مدى بطولتهن. وكما ورد في المصادر التاريخية أسماء البعض منهن: زوجة رئيس حسن، والدة مشهدي علي لَردِه اي، زوجة رئيس ملك، والدة حاجي وفرهاد (اللذان استشهدا أثناء الكفاح)، أخت حاجي وفرهاد، زوجة كربلائي علي، والدة حسين لرده اي، واخت كربلائي نظام لَردِه اي وزوجة رئيس غلام علي اللذان استشهدا.

قبل ملحمة لَردِه، أشاد “إدوارد غري”، أحد المسؤولين البريطانيين في ذلك الوقت، بالقوات البريطانية وقال: “يمكن للحكومة البريطانية أن تحتل مناطق من بوشهر إلى أصفهان بـ 500 جندي”، لكن بوجود عدد من النساء المتحمسات من منطقة لَردِه في دشتستان أظهر أن أهالي بوشهر لم يستسلموا بسهولة.

رواية ملحمة لَرِده

لَرِده هي قرية جبلية في منطقة يصعب الوصول إليها في قلب جبال جيسكان، على بعد 13كيلومترا شمال شرق مدينة برازجان، وسط مدينة دشتستان بمحافظة بوشهر، والتي كان فيها 12 رجلاً وامرأة فقط، وقد خلدت نسائها اسم هذه المنطقة .

بعد استشهاد رئيسعلي دلواري، ضعفت قوات المجاهدين الجنوبية وضعفت وحدتهم، وكانت المرحلة الأخيرة من وحدة المجاهدين المشاركة في حرب “سربست شغادك” التي سحقها تفوق القوات البريطانية.

كان أحد قادة المجاهدين ميرزا ​​محمد خان برازجاني غضنفر السلطانة، الذي ذهب إلى برازجان بعد الانسحاب والهزيمة في معركة شغادك. وفي البداية وعد بالتعاون مع الضابط الكبير في القوات البريطانية، ولكن عندما دخلت القوات البريطانية برازجان في 23 سبتمبر، لم يتحمل هو ورفاقه هذا، وبعد التفاوض مع عشائر برازجان، قرروا القتال.

وقف غضنفر السلطانة وحلفاؤه ضد الإنجليز ودارت معركة حامية، وبسبب تفوق الإنجليز على المجاهدين عدة وعددا وتكبدهم خسائر ونقص الإمدادات وانتشار الأنفلونزا الشديدة، اجبر المجاهدون على الانسحاب إلى مرتفعات لَرِده، التي كانت منطقة جبلية.

منطقة لَرِده التي يبلغ ارتفاعها حوالي 3000 قدم تمكن المجاهدين إيقاف تقدم القوات البريطانية بعدد قليل من حملة البنادق. في بداية شهر تشرين الثاني، ذهب غضنفر السلطنة لرؤية الشيخ محمد حسين مجاهد برازجاني، وعندما وصل هذا الخبر إلى البريطانيين، فكروا في استغلال هذه الفرصة لسحق المجاهدين.

في 30 اكتوبر 1918م، تقدم طابوران من القوات البريطانية بقيادة الجنرالات “إسمي” و”ميجر فرنكز” نحو لَردِه مع المرشدين المحليين ووصلوا إلى قمة لَرِده في الصباح. وكان هناك عدد من المجاهدين  وعائلة غضنفر السلطنة الذين على الرغم من مساعدة أهل لَرِده ورجالهم، أدت هذه العملية المفاجئة وغياب غضنفر السلطنة لتنظيم الامور إلى نجاح القوات البريطانية في مسعاها.

القرار النسائي لاهالي لَردِه

أضرم الإنجليز النار في الخيام وقتلوا عدداً من المجاهدين وأسروا البعض، وعندما وصل خبر أسر الرجال وأسرهم إلى نساء لَرِده قررت هؤلاء النسوة القتال، وعندما وصل الطابور الثاني، أي العمود الأيسر للقوات البريطانية بقيادة الرائد فرنكز، تمت مهاجمتهم.

أرهبت هؤلاء النسوة البريطانيين الذين كانوا عائدين في منتصف الطريق بإطلاق النار والهتاف من أعلى الجبل في الوقت الذي حققت فيه القوات البريطانية انتصاراً حاسما.

هذا العمل الذي قامت به نسوة لَرِده، والذي تسبب بمقتل وجرح 300 جندي بريطاني، أوقع الخلل في تنظيم القوات البريطانية، واستغل المجاهدون ورجال لَرِده الفرصة لتحرير أنفسهم، وبهذه الطريقة واجهت القوات البريطانية الهزيمة وقررت التراجع.

في هذه الحادثة ارتعبت القوات البريطانية وظنوا أن قوة جديدة هاجمتهم، ولم يعلموا أن ذلك تم ببطولة 6 أو 10 من نسوة  لَرِده.

الرائد فرنكز، الذي ذاق طعم الهزيمة على يد الرجال الشجعان والنسوة الابطال من لَرِده تأثر بشدة بهذا الحادث، طلب لاحقاً من آغا خان زيارتي، حاكم برازجان، أن يرتب له لقاء مع زعماء لَرِده. وخلال اللقاء اثنى عليهم  وألتقط صور بعضهم وقال: سآخذ صورتكم إلى لندن حتى ترى الحكومة البريطانية وجوهكم، وسأخبرهم كيف قاتلتم.

فإن ملحمة نسوة لَرِده حدثت قبل 110 سنوات، ومن أجل إحياء ذكرى هذه الحادثة، يجب تسمية السادس من نوفمبر من كل عام يوم الكفاح ضد الاستعمار.

كما وصف رئيس منظمة تعبئة النسوة في البلاد ملحمة نساء لَرِده  بأنها ملحمة وطنية لنساء إيران الإسلامية، التي تكللت بالمجد والمكانة لتثار على المستوى الوطني.

ملحمة نسوة لَرِده في طريقها للتسجيل الوطني

تعتبر محافظة بوشهر ملحمية في التاريخ. الملاحم التي يمكن أن يؤدي تسجيلها في قائمة الأعمال الوطنية غير الملموسة إلى جعل أهميتها أكثر وضوحاً وإثارة في البلاد. وفي هذا الصدد، كما قال إسماعيل سجادي منش، المدير العام للتراث الثقافي والسياحة والحرف اليدوية في محافظة بوشهر: تبذل الجهود لتوثيق ملحمة نسوة لَرِده وإدراجها في قائمة الآثار الوطنية غير الملموسة.

على الرغم من إهمال ملحمة نساء لَرِده لأكثر من 110 سنوات، إلا أن ذكر هذه الملحمة يدل على أن هذه الأرض لديها عدد كبير من النساء والرجال قاتلوا الاستعمار ولم يسمحوا لأنفسهم بالوقوع تحت نير الاستعمار والغطرسة في أي برهة من التاريخ.