تشتهر بماء الورد "المحمدي"  

كاشان.. مدینة الآثار والزهور

مدینة کاشان تشکیلة تاریخیة منقطعة النظير تتمتع بمناخات متنوعة باختلاف مناطقها الجبلیة والصحراویة وتعد الجسر الذي یربط بین شمال ایران وجنوبها ومن اهم معالمها، تلال سیلك الأثریة أقدم منطقة قرویة في العالم

2023-05-05

الوفاق/ وكالات

مدینة کاشان هي مدینة تاريخية عریقة تحتضن آثار ومعالم قدیمة وبتراث عریق یضرب بجذوره في أعماق التاریخ وهي آیة من آیات الجمال الطبیعي حیث تستقبل زوارها کل ربیع بنسیمها المنعش وازهارها الزکیة.

وتعد کاشان معلماً سیاحیاً وتاریخیاً ضخماً یخفي في طیاته العدید من المفاجآت لزائریه، من ضمنها قصور ومتاحف ومناطق طبیعیة خلابة وأسواق شعبیة وابنیة تاریخیة ما إن یزورها السائح حتی یتعلق قلبه بها، وما أن یغادرها حتی تراوده الرغبة في العودة الیها.

وتقع مدینة کاشان في شمال محافظة إصفهان وتحتل مکانة مهمة في قاموس ایران السیاحي لکنوزها التاریخیة القیمة المتمثلة بـ “بامنار” و”بانخل” و”تلال سیلك الأثریة”.

کما تعرف کاشان بـ”تیمجه” وهي شهیرة ببیوتها التاریخیة وزهورها العبقة وماء الورد.

أقدم زقورة في العالم

مدینة کاشان تشکیلة تاریخیة قليل من نوعها وتتمتع بمناخات متنوعة تتنوع باختلاف مناطقها الجبلیة والصحراویة وتعد الجسر الذي یربط بین شمال ایران وجنوبها ومن اهم معالمها، تلال سیلك الأثریة أقدم منطقة قرویة في العالم وتعتبر هذه المنطقة الواقعة في الهضبة الوسطی الإیرانیة من أقدم المناطق التي عاش فیها البشر حیث تعود الی عصور ما قبل التاریخ حیث یربو عمرها علی اکثر من 8 آلاف عام. ویعتقد بعض علماء الآثار بأن منطقة سیلك الأثریة تعد أقدم زقورة في العالم.

یرجع تاریخ انشاء المبنی الأصلي لحدیقة فین إلی العهد الصفوي. تبلغ مساحتها حالیاً هکتارین، وتعتبر من الأماکن السیاحیة التي یرتادها السواح من داخل وخارج إیران. وتضفي أشجار السرو الضخمة وعمارة “جشمه سلیمانیة” – أي “نبع سلیمانیة” – علی الحدیقة بعداً جمالیاً متمیزاً.

في شهر «أرديبهشت» تفوح رائحة الجنة في كاشان

حينما يحلّ شهر «أرديبهشت» (نيسان) تبدو ايران بجميع أنحائها كأنّها باقة ورد وتفوح منها رائحة الربيع ولكن هناك على خارطة ايران السياحية أرض تتميز في ربيعها؛ هي مدينة كاشان؛ حيث تصبح جنة مع قدوم الربيع لا سيما من أوائل أرديبهشت وتغطيها بساتين مليئة بالورود وأزهار محمدية (ورد الجوري) وهي تخلق مناظر خلابة لا مثيل لها في العالم. الايرانيون يسمّون موسم ارديبهشت في كاشان بإسم خاص أي «شهر اخذ ماء الورد» أي موسم الورود ومياه الورد وهي أيام تعطي للانسان ذروة النشاط وغاية الجمال ومنتهى الهدوء تبدو وكأنّك تخرج من عالم الدنيا و تلجأ الى عالم الهدوء.

الورد «المحمدي» شجرة مبهجة، لها إطلالتها الساحرة الخاصة، فهي تنمو حامـلة أكاليل الورد الفواحة التي تنطق جمالاً ونعومة ويفوح عطرها في الفضاء. وتتنوع أشجار الورد وتختلف في تفاصيلها وألوانها لكنها دائماً تبهج من حولها. ومن أشجار الورد التي نجدها قد طرقت حديقة كل منزل، شجرة الورد المحمدي.

الورد نبات شجيري قائم أو متسلق تنتج الأزهار في نورات أو عناقيد زهرية محدودة منتهية على سيقان قائمة شائكة. لها أصناف عديدة، بعضها ينشأ بالتهجين بين الأنواع البرية.

تعود زراعة الورد المحمدي في کاشان الى ما يقارب سبعة آلاف سنة، ومراسم انتاج ماء الورد الى ما يقارب ألف سنة، ولم تتخللها تغييرات تذكر سوى الشيء الطفيف.

الملفت أنّ كاشان مدينة صحراوية واقعة في صحراء ايران المركزية بين أحضان جبال كركس ولها طقس حار وجاف ولكنّها ومنذ أوائل شهر ارديبهشت تتحول الى محطة خلابة لأفواج السياح القادمين من أرجاء العالم الذين يتوافدون الى هذه المدينة لزيارة تقليد قديم قد تبدّل الى حفلة جميلة تحظى بسمعة عالمية؛ مراسم إنتاج ماء الورد؛ التي تشتهر في العالم بوصفها الأفضل والأكثر جودة والأحلى رائحة.

وترى اجمل واعطر انواع الورد المحمدي هذا ينمو في قلب منطقة کاشان التي تعد من المدن الصحراوية، رغم ان ايران تتمتع بالفصول الاربعة في الموسم الواحد.

ويعد ماء ورد منطقة  کاشان وتوابعها منها: مدینة  “قمصر” من اجود انواع ماء الورد في العالم، كما انها المفضلة في الاوساط الدينية، وبعطرها الفواح الذي يبعث في النفس السكينة والراحة تعطر الاماكن المقدسة والدينية.

وفي كل عام تَرسل قمصر ماء وردها الى الكعبة المشرفة لتغسل به في التاسع من ذي الحجة.

وتبدأ مراسم غسل الکعبة بأداء 7 أشواط حول الکعبة وصلاة رکعتین، ثم یتم غسل جدار الکعبة بأفخر أنواع عطر الورد والعود والمسك بالقماش الأبیض، ثم یسکب ماء زمزم مخلوطا بماء الورد في أرضیة الکعبة ویتم کنسها ومسحها بالید، وتحضر المقشات المصنوعة من سعف النخیل، ولفائف کثیرة من القماش والمنادیل البیضاء لتبدأ مراسم غسل جوف الکعبة.

ماء الورد هو مستخلص زهرة تسمى زهرة المحمدي ويتم  انتاجها غالباً باستخدام تقنيات محلية وتقليدية خاصة. في إيران، تُزرع أزهار المحمدي منذ حوالي 7000 عام وكانت دائماً مصدر إنتاج ماء الورد.

ورغم ان قمصر تعد في طليعة مناطق “کاشان” المرغوب ماء وردها، الا انك تجد في قرى اخرى امثال (ون)، (سار)، (سده) و(وادقان) من هذا الورد ما لا يقل جودة عن ماء ورد قمصر، وبما ان هذه القرى تقع في مناطق اكثر ارتفاعا وجبلية قياسا بقمصر ونياسر فيتأخر فيها نمو زهورها ولكن ماء وردها يكون اكثر تركيزا وغلظة.

وتستضيف منطقة قمصر ونياسر من توابع مدينة كاشان في محافظة اصفهان اواسط هذا الشهر الحالي وهو شهر ارديبهشت الشهر الثاني من السنة الهجرية الشمسية الايرانية (نيسان) ولمدة اسبوعين الى ثلاثة، تستقبل كل سنة الزائرين الوافدين اليها لحضور مراسم تصنيع واستخراج ماء الورد.

هاتان المنطقتان تكتظان ببساتين الورد المحمدي (ورد الجوري)، كما تستقبل جداول المياه الرقراقة قدوم الزائرين الاعزاء بعد قطعهم مسافات بين مناطق صحراوية وجبلية.

 جني الورد المحمدي

بدأ العمل في جني الورود منذ الصباح الباكر، ويفضل أهالي القرى الانطلاق إلى حقولهم والبدء في القطاف قبل شروق الشمس، حيث تعد صناعة ماء الورد من أهم مصادر دخل سكان منطقة كاشان.

وإن ضوء الشمس وحرارتها تجعل من لون الورود باهتا كما أنها تبخر قطرات الندى ولذلك .

مع بداية شهر نيسان/ ابريل يبدأ تفتح الازهار ويقوم المزارع بجمعها ثم وضعها في وعاء مصنوع من البلاستيك او السعف وتوضع في آنية التقطير، ومن ثم تغطى ازهار الورد بوعاء نحاسي لاستقبال الماء المتبخر من الوعاء .

وتعمل مصانع وورشات منطقة كاشان بطريقة التقطير التي ابتكرها ابن سينا وانتقلت للعالم، ويملك المصنع قدرين أو ثلاثة، ويتسع القدر الواحد لـ25 كيلوغراما من الورد.

ويتم جمع طبقة رقيقة من على سطح أواني النحاس الضخمة، وتمثل هذه الطبقة عطر الورد والذي تعد كميته قليلة جدا مقارنة بالماء لكن سعره أغلى بكثير.

ويجمع الناتج من ماء الورد ليترك مدة اربعين يوماً حتى تترسب الشوائب، بعدها يتم تخزينه في وعاء من الفخار ثلاثة اشهر ليعبأ المنتج في عبوات زجاجة لتباع في الاسواق المحلية والعالمية.

الايرانيون كانوا من الأقوام والحضارات الأولى التي تعرّفوا على الفوائد والآثار المثيرة للإهتمام التي يتركها ورد الجوري على صحة الجسم و نشاط الروح وقاموا بزراعته وإستحصال مياهه؛ خير دليل على ذلك يوجد في مدينة كاشان نقوش ومنحوتات اثرية منقوشة على الفخاريات المتبقية في تلال سيلك وهي تدلّ على أن أهالي تلك المنطقة كانوا يعرفون اسماء الورود والزهور. كما توجد قصائد شعرية وقصص الرحلات التي قام بها كبار السياح وكبار العلماء منهم العالم الكبير «الشيخ محمد حسين الفيض الكاشاني» أو السائح الفرنسي الكبير شاردن وهم أشاروا بوجود الورود و مياه الورود في ايران.

عملية تقطير ماء الورد

يخصص العديد من العاملين في مجال تقطیر ماء الورد وبائعيه أجزاءً من منازلهم لتخزين أو بيع ماء الورد وإجراء تغييرات في منازلهم بما يتناسب مع حجم العمل وكذلك الوصول إلى المياه الجارية أو مياه الشبكة.

مع بداية موسم قطف الورد، يبدأ جامعو الزهور بعمليات القطف في الصباح الباكر وقبل شروق الشمس. فهم يعتقدون أن رائحة الزهرة تكون أكثر قبل شروق الشمس، كما أن مستخلص الزهرة يتكثف في قاع الزهرة المتصل بفرعها، فيحاولون فصل الزهرة اسفل تلك المنطقة.

تتم عملية التقطير وصنع ماء الورد على النحو التالي: أولاً، تملأ الأواني الكبيرة بأزهار المحمدي، ثم يتم ملؤها بالماء، وأخيراً توضع الأواني على كومة من الحطب والنار من ثم يتم الحصول على ماء الورد المقطر باستخدام الأجهزة التقليدية وطرق التقطير.

في الماضي، كانت الأواني المليئة بزهور المحمدي تُنقل إلى الأنهار وبعد الانتهاء من قراءة الادعیة، كانوا يؤدون الطقوس الخاصة بمراسم التقطیر.

وجود حدائق زهرة المحمدي وجمال اللون ورائحة هذه الزهرة قبل الانفصال عن ساقها ومراقبة عملية قطف الأزهار وكيفية الحصول على ماء الورد المقطر خلال مواسم التقطیر هو سبب في تواجد عدد لا يحصى من السياح في هذه المناطق من جميع أنحاء إيران والعالم.

وبالإضافة إلى تطوير صناعة السياحة، فقد خلق هذا الامر فرص عمل كثيره وبالتالي رفع مستوى اقتصاد المنطقة.

اما عدد الزائرين الى المدينة لحضور مراسم صناعة الورد كل عام فيصل الى مليوني زائر تقريبا، اذ ان منطقة قمصر تتمتع جغرافيا بطبيعة جميلة وذات تنوع، فهي تقع بين جبال ومناطق صحراوية، كما ان مناخها اكثر اعتدالا من كاشان.