لوحة "الانتفاضة رقم 1"

الفن التشكيلي.. لغة تعبير مقاومة أمام شلالات الدم

الفن التشكيلي غص بالمواضيع المتعلقة بالتعبير السياسي في ثمانينيات القرن الماضي مع الانتفاضات الشعبية.

2023-05-09

بعد العام 1948، انخرط الفنانون الفلسطينيون بدورهم في العمل النضالي في التعبير عن القضية في معالجات بصرية شديدة التنوع، في حين لجأ البعض إلى الطرح المباشر والعميق، واختار آخرون الذهاب إلى الملصق السياسي والخطاب التشكيلي الواقعي الذي من شأنه مخاطبة الشعب الفلسطيني والذي أحاطت به معطيات جمَة.

حول هذا الإمتداد الفني والثقافي من خلال لقاء بحثي أوضحت المتخصصة في علوم الفن الدكتورة “رشا ملحم” أن “الحقيقة تجعل لغة التعبير تقف عاجزة عن ولوج المبتغى أمام شلالات الدم على الرغم من تعددها واعتبارها أداة للمقاومة”، مشيرة الى أن “الفن التشكيلي غص بالمواضيع المتعلقة بالتعبير السياسي في ثمانينيات القرن الماضي مع الانتفاضات الشعبية التي تزامنت مع الإجتياح الصهيوني لمدينة بيروت، مجازر صبرا وشاتيلا في العام 1982”.

“لكن ذروة التعبير بلغت مع انتفاضة فلسطين الأولى في العام 1987″، وفقاً  لها، “الأقوى عنفاً، والتي مثلت الشكل الفعلي للنضال الشعبي انطلاقاً من استخدامها لوسائل بسيطة تبدو بدائية لكنها الأصدق في تجسيد هذا الصراع غير المتكافئ، أطفالاً يمسكون الحجارة أمام آليات الدهس الصهيونية، ووحشية وعنصرية الصهاينة”.

عن تفاعل الفنانين مع الانتفاضة، ذكرت أن الفنان “عبد الهادي شلا” من مواليد 1948 في غزة رسم مجموعة فنية باسم “إنسان الأرض” في العام  1982 قبل الإنتفاضة وهي تمثل ثورة الحجر الفلسطيني، وتفاعل مع مجزرة صبرا وشاتيلا في العام  82 فرسم جدارية حملت العنوان نفسه، يجسد فيها ساعة وقوع الحدث عند اقتحام العدو للمخيم. ورسم لوحة “انتفاضة-1″ طفل يلقي حجراً بالإضافة إلى وجود رموز مختلفة كالحصان، والشهيد الحاضر في العديد من أعماله”.

لوحة “الانتفاضة رقم 1”.. قصة المقاومة بريشة الفن

يروي الفنان “عبد الهادي شلا” قصة رسم  لوحة “الانتفاضة رقم 1” ويقول: كان ذلك في العام 1983،حيث تشَرُفتُ بأنني أول من رسم لوحة تتنبأ بميلاد الإنتفاضة الأولى التي انطلقت في العام 1987، أي قبل مولدها بأربع سنوات وكنت، للتو قد انتهيت من رسم جدارية “صبرا وشاتيلا”، ولوحة أخرى إسمها “الذبحة”، والذين عاشوا تلك الأيام يدركون صعوبة تلك الفترة، فالشعب والوطن أسيرا الإحتلال، بينما المقاومة قد خرجت من لبنان إلى شتات كبير.

في تلك الليلة.. أثارني ما شاهدته على شاشة التلفزيون من ملاحقة جنود الاحتلال لبعض أطفال مدينة القدس، ولم تكن الإنتفاضة قد لاحت تباشيرها إلا أنني وقعت تحت تأثير تلك الحالة التي تتسلل إلى نفسي كلما كان هناك مولد عملاً فنياً.. فلم يكن سهلا أن تغادرني صورة الجنود وهم يلاحقون الأطفال.. وبقيت ساعات وساعات أنتظر لحظة الميلاد، ولكن ميلاد اللوحة قد يستغرق أياماً وشهوراً، بينما الصورة تلاحقني، بل هي في داخلي مخاض ولادة، بل كجنين حان موعد ميلاده.

ليس من عادتي أن أجلس وحيداً إلا أنني في اليوم التالي وحين وصلت إلى المدرسة حيث كنت مدرساً للتربية الفنية أغلقت باب الحجرة وخلوت مع نفسي، الأمر الذي استغربه زملائي من المدرسين، ولم يدم اعتزالي لهم طويلاً فقد اقتحم أحدهم على خلوتي وكان مدرساً للموسيقى وقريباً منّي، وسألني ما الأمر؟ كنت شارداً إلى حد أن سألته عما يريد.. فعاد يسألني ما الذي يشغلني؟

قصصت عليه ما شاهدته على شاشة التفزيون، وأنني بصدد رسم لوحة لطفل يحمل في يده حجراً، ولكني أحتار في مكان الحجر في اللوحة وإلى أين يتجه؟؟!!

ارتسمت الدهشة على محيا صديقي الفنان.. الموسيقار، وتبادل معي النظرات في حيرة.. وبدى لي أنه فهم ما أريد!!

وهو يتجه إلى باب الحجرة ليتركني وحيداً لهواجسي ومقاومة هذا الإحساس الذي يكاد يمزقني كما لوكنت في شرنقة تحجب الضوء والهواء عني.

استدار نحوي قائلاً: أرسم الطفل يلقي الحجر في وجوهنا نحن؟؟!!

وانصرف.. انتشيت وفرحت فقد كنت أريد هذا التأكيد والتأييد، و.. تمزقت تلك الشرنقة التي كنت حبيسها.

بعد انتهاء دوام العمل عدت مسرعا إلى مرسمي الخاص..كانت اللوحة تنتظر أن ألقي عليها كل هذا الحمل فكانت لوحة “إنتفاضة رقم1”.

اللوحة مربعة طولها متر وعرضها متر، يتوسطها طفل يصرخ وقد امتدت قدماه من أقصى اللوحة إلى أقصاها وجسده قد احتلته مساحات لونية تحيط بها خطوط سوداء قوية حادة تتوافق مع الغرض من موضوع اللوحة.

أما يداه فقد أَلغَيتُ إحداها لتحقيق قيمة فنية، بينما الأخرى فقد أفلت من كفها حجر ضخم تملؤه خطوط تشبه دوامة البحر..كان الحجر وبقي حتى الآن مصوباً نحونا.. ليحطم حالة العجز فينا.

ووجدت نفسي أرسم مجموعة من اللوحات على نفس الحس وقد أطلقت عليها “مجموعة إنسان الأرض”، وكل إنسان رسمته في هذه اللوحات قبضت يده على حجر.

المصدر: الوفاق/ وكالات