للشاعر بديع الصقور

زهورٌ على نوافذِ الروح

داهمنا الرصاص.. داهمنا الموت، وتقطّعتْ بنا السبل على ضفاف نهر الموت.

2023-05-09

قال راعٍ صغير من زهرة الريح:

– أنا عود القصب، لا أريد أن أكبر أبداً..

لأني أريدٌ أن أواصلَ العزف على شبابةِ القصب..

لا اريد أن أموت أبداً..

لأنني أريد أن أغني إلى الأبد.

وكان طفلٌ من “مونتفيديو”* قد قال:

لا أريد أن اكبر مطلقاً..

لا أريدٌ أنْ أموتَ، لأني أريد أن ألعب إلى الأبد.

-٢-

أفِلَ الربيع..

خبا صوتُ العندليب

وتلاشتْ همساتُهم على حدود الظمأ كغيمةِ صيف.

-3-

حصانيَ القصب..

فراشات طفولتي، وأنا

جرفتنا سيول الحرب،

غرقنا في مائها الآسن

ولم ينتشلنا أحدْ.

-4-

في بساتين العطش،

حطتْ طيورُ الخريف..

ياه !. كم كانت حزينة ليالي

بساتين العطش؟

-5-

تحت شمس التلال

نستجدي الغيوم المسافرة

لتمنحنا حصّتنا من المطر،

كي نسقي بها عروقَ أشجارنا الذابلة .

ياه !. وكأننا نسينا أننا أكثرُ عطشاً، وذبولاً

من عروقِ أشجارنا،

التي على وشك اليباس .

-6-

أرواحهم

زهورٌ على نوافذ الشمس..

اقتربَ المساء،

وتفتّحتْ أزهار النجوم،

كأنَّ النجوم كانت تتأهبُ للبكاء.

-7-

قبلَ أنْ تُديرَ وجهك وتبتعد،

تزوّدْ بالقليل من خضرة

الوجوه، والجبال، والشمس والأغاني..

قبلَ أنْ يمرَّ عليهم خريفٌ جديد.

-8-

تحتَ ظلالِ الليل أسبلتْ

جفْنيها ونامت..

تحت ظلالِ الحرب داهمنا الجوع..

داهمنا الرصاص..

داهمنا الموت، وتقطّعتْ بنا السبل على ضفاف

نهر الموت.

فوق حصى الحياة جرتْ ينابيعُ الطفولة.

-٩-

على مطلَّات الغياب انتظرتهُ أنْ يعود..

على مطلَّات الحلم رفَّتْ فراشة الروح،

وهلَّ عصفور الربيع.

-10-

من فوق شرفاتِ الليل

نتطايرُ كنارِ ” الحباحب”*،

ثم ننطفيء.

-١١-

بين روحك والمساء

تتأهبُ أفراخُ الحمام للطيران..

بين البهاء والذبول

تسقط نجومُ النهار..

حزيناً يصحو الفجر

على لغط الهاربين..

من الغامض البعيد،

يجيء الصوت:

– يا ليل..

نحن وأنت موعِدُنا الأفول.

-12-

فوق تلال الظهيرة

حطّتْ عصافيرُ أحلامنا..

طارتِ العصافير

ونأتِ النجوم..

فوق منحدرات العمر السحيقة

سقطتْ عصافيرُ أحلامنا وهوتْ

في لجّةِ الليل الدامس العميق.

-13-

قبلَ أنْ يُوصِد النهار نوافذ بيته العتيق

خطَّ الشاعرُ على جدرانهِ المتصدِّعة:

من حقنا أنْ نُحلِّق كالطيور..

من حقنا أنْ نحلم

بأن نكون قمماً عالية..

أنْ نكونَ زهوراً تمنحُ

الرحيقَ للنحل،

والعطر للعشاق،

والزرقة للسماء..

من حقِّنا أنْ نصنع من الثلج آلهةً صغيرة،

نتوسّلُ إليها كلّما جعنا،

أنْ تتصدق علينا بالخبز والنبيذ،

والمطر،

من حقِّنا كلّما عرينا أن تمنحنا الدفء،

والحبَّ، والشمس،

كمَا من حقِّنا أيضاً..

أيضاً من حقّ القمم

أنْ تكون صديقة للثلج..

والغيم..

مأوىً للبلابل والشحارير،

ومن حقّ البلابل والشحارير،

أنْ تحلّقَ.. وتحلِّق..

أنْ تغنّي .. وتغنّي..

ومن حق الشمس،

أنْ تذيب آلهتنا الصغيرة،

وقت لا تمنحنا هذه الآلهة سوى

العتمةِ والرصاص،وشواهد القبور.

 

بديع صقور

زهرة الريح /خريف/٢٠٢٢/

 

* نار الحباحب: مايتطاير من شرر النار والهواء من تصادم الحجارة أو نحو ذلك.

*مونتيفيديو : عاصمة الأرغواي في أمريكا اللاتينية.

 

 

المصدر: الوفاق