في إطار مناقشة هذا الموضوع، أجرت صحيفة الوفاق مقابلة مع الدكتورة سهام محمد الباحثة المتخصصة في الشؤون السياسية والدولية في مركز يوفيد للأبحاث والتطوير، وكان الحوار التالي:
بدايةً كيف تصدى الشعب الفلسطيني عبر التاريخ لتهويد مدينة القدس في ظل سطوة صهيونية وتأمر عربي؟
بالتأكيد صمود الشعب الفلسطيني واصراره على البقاء أولاً في القدس وفلسطين وعدم الهجرة على الرغم من بطش ألة الحرب الصهيونية وعلى الرغم من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الشعب الفلسطيني هو جزء من معركة مواجهة كل مشاريع التهويد والاستيطان وصولاً إلى هدم المسجد الأقصى. لقد ثبت هذا الصمود منذ تاريخ إعلان دولة الكيان الصهيوني على أرض فلسطين حيث بدأت مشاريع التهويد والاستيطان بعد أن ارتكبت المجازر في حق الشعب الفلسطيني وأجبرت عدداً كبيراً على الهجرة واللجوء خارج فلسطين، لكن الذين صمدوا في الداخل لم يستسلموا ولم يفرطوا في أرضهم وهم يتحملون كل الممارسات العنصرية الصهيونية ضدهم لكنهم يعتكفون داخل المسجد الأقصى لحمايته من بطش المتطرفين الصهاينة.
لماذا أعلن الإمام الخميني(قدس) يوماً عالمياً للقدس؟ وما هي دلالات وأبعاد هذا اليوم؟
رمزية اليوم مع التوقيت (الجمعة الأخيرة من شهر رمضان)، حيث هذه الأيام الأخيرة وخصوصاً الجمعات منها لها خصوصيات عبادية هامة، فهي الأيام التي تختصر خيرات الشهر، وفي إحدى لياليها تستتر ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، والتي يعبّر فجرها عن ظهور الحق عبر الصيحة التي ستحصل وتبشر العالم بخروج الإمام المهدي(عج) الذي سيطرد اليهود وللأبد من فلسطين، حيث ستكون القدس هي مكان الإعلان عن قيام دولة العدالة الإلهية، وعن سطوع شمس الحق على هذه المعمورة من خلال تلك الصلاة العالمية التي سيشارك فيها كل رموز الحق بإمامة بقية الله(عج). وأما نص دعوة الإمام الخميني( قدس) فهو: “أدعو جميع مسلمي العالم إلى اعتبار آخر جمعة من شهر رمضان المبارك التي هي من أيام القدر ويمكن أن تكون حاسمة في تعيين مصير الشعب الفلسطيني يوماً للقدس، وأن يعلنوا من خلال مراسم الاتحاد العالمي للمسلمين دفاعهم عن الحقوق القانونية للشعب الفلسطيني المسلم. إنه يوم عالمي، له علاقة بالصراع بين الخير والشر، وعملياً بين محور الشر المتمثل بالمستكبرين ومحور الخير الذي يجسده المستضعفون”. ومما جاء في كلام الإمام (قدس) حول هذا الموضوع: “يوم القدس يوم عالمي، ليس فقط يوماً خاصاً بالقدس، انه يوم مواجهة المستضعفين مع المستكبرين”. ويقول قدس سره: “انه يوم مواجهة الشعوب التي عانت من ظلم أمريكا وغيرها للقوى الكبرى”. ويقول أيضاً في السياق ذاته: “أنه اليوم الذي يجب أن يتجهّز فيه المستضعفون في مقابل المستكبرين ليمرغوا أنوف المستكبرين في التراب”.
ما هي أهداف اعلان الإمام الخميني(قدس) ليوم القدس العالمي بعد فترة قصيرة جداً من انتصار الثورة الاسلامية، وهل تحققت هذه الأهداف؟
إنّ الإعلان جاء بعد ستة أشهر من عودة الإمام الخميني(قدس) التاريخية إلى إيران وبعد أربعة أشهر من قيام الجمهورية الإسلامية أي في تموز من العام 1979م مما يؤكد على مدى حضور هذه القضية وعلى حيّز الأولوية الذي شغلته في فكر الإمام. إنّ اليوم، لم يكن خاصاً بالمسلمين، بل يوماً عالمياً، ولعل في ذلك إشارة إلى إعطاء الإمام للقضية بعدها العالمي، كنموذج للصراع بين الحق والباطل، وهذا ما عبر عنه الإمام والذي سيتضح من دلالات يوم القدس.
في يوم القدس، وبعد ثلاث سنوات من اغتيال الشهيد سليماني، ما هي انجازات محور المقاومة في فلسطين؟
حقق محور المقاومة العديد من الإنجازات الاستراتيجية: شكلّت معركة “سيف القدس” محطة تحوّل كبرى ومفصلية في تاريخ محور المقاومة وتاريخ الثورة الفلسطينية في صراعها مع الكيان المؤقت، وفي تاريخ الصراع بين الأمة الإسلامية وهذا الكيان. يمكن اعتبار هذا المشهد مناورة لحرب تتوحّد فيها الجبهات، ولِما سيعيشه العدو في “حرب التحرير الكبرى”، وكلّ ما جرى في هذه المعركة من تنسيق بين فصائل محور المقاومة كان جزءاً من المناورة لمعركة إزالة الكيان المؤقت. سجّل الفلسطينيون عبر معركة سيف القدس سلّة من الإنجازات على صعيد القضية الفلسطينية: دخول سلاح المقاومة في غزة على خط التأثير على الاحتلال في القدس، وقد يتطور ذلك في مشاهد أخرى ليشمل الاعتداءات الإسرائيلية في الضفة الغربية، وربما بحق فلسطينيي الداخل المحتل. هذه المعادلة تمثل تحولًا إستراتيجيًا تبنته المقاومة، وقد يعد بمثابة مسار نضالي جديد يعيد القضية الفلسطينية -التي حاولت صفقة القرن واتفاقيات أبراهام تصفيتها – إلى مربعها الأول، وتثبيت رواية الشعب الفلسطيني التاريخية المتمثلة بأحقيته في هذه الأرض، وأن دولة الاحتلال هي مشروع إحلال لمجاميع سكانية مكان شعب له هويته وأرضه.
اليوم وبعد أربع عقود، ما كان دور يوم القدس العالمي في إبقاء القضية الفلسطينية حية في الوجدان العربي والاسلامي؟
الالتزام بإحياء هذا اليوم سنوياً تأكيد على الالتزام بالقضية الفلسطينية وبحقوق الشعب الفلسطيني وتأكيد أيضاً على الدفاع على المقدسات الإسلامية والمسيحية التي يعمل الصهاينة على طمسها بادعاءات وسياسة تضليل تخدم مشروعهم الاستيطاني ومشروع تهويد الدولة.
لماذا يتوجس الصهاينة خيفة من إحياء يوم القدس، وكيف تصدى الاسرائيليون لهذا اليوم عبر اضعافه والتقليل من أهميته وإلباسه لباس الطائفية؟ وكيف وحد هذا اليوم أبناء الأمة الاسلامية بأطيافها ومذاهبها المختلفة حول القضية الفلسطينية؟
طبعاً بالتأكيد إن إحياء يوم القدس يشكل هاجساً كبيراً وقلقاً بالنسبة للإسرائيلي، لأن هذا اليوم هو يوم عالمي، يضع القدس والقضية الفلسطينية في الواجهة بالنسبة لكل العالم وليس فقط داخل فلسطين وبالتالي هو اليوم الذي يكشف فيه العالم جرائم الاحتلال، وانتهاكاته المستمرة في حق القدس والمقدسات. عمل ولا يزال الإعلام الصهيوني والغربي على التضليل والدعاية المضادة لتشويه مسيرات ومظاهرات يوم القدس التي تنظم في الكثير من البلاد الإسلامية بهدف التقليل من قيمة هذه التحركات وتحجيم دورها وتأثيرها على الداخل الفلسطيني.
ما هو يوم القدس اليهودي الذي استحدثه الصهاينة مواجهةً ليوم القدس العالمي؟
تحت حراسة أمنية مشددة، يتجمع آلاف الإسرائيليين في هذه الفترة من كل سنة من أجل ما يطلقون عليه اسم “البركة الكهنوتية”، وهي طقوس خاصة بعيد الفصح، عند الحائط الغربي في القدس، فيما يؤدي الفلسطينيون صلاة التراويح والفجر في المسجد الأقصى. ودائماً بسبب هذه المناسبة ما تعمل الحكومة الإسرائيلية على حظر دخول غير المسلمين للحرم القدسي في العشر الأواخر من رمضان. كما تعمل الشرطة الإسرائيلية على قمع المصلين المعتكفين في المسجد الأقصى بهدف منع الصهاينة من الدخول إلى باحة المسجد وتدنيسه.
كيف واجه إحياء يوم القدس طروحات العدو الاسرائيلي وربيبته أمريكا مثل صفقة القرن وغيرها؟
يوم القدس يجب أن يكون يوماً حقيقياً للتصدي لانتهاكات الصهاينة للمسجد الأقصى ولاعتداءاتهم المستمرة على أهله …هذا اليوم يجب أن يكون يوم تصدي لقرارات ظالمة تعطي للصهاينة كل يوم حقوق غير مشروعة على هذه الأرض المسروقة المغتصبة من أهلها.
اليوم للأسف أصبح لإسرائيل …هذا الكيان الغاصب المحتل أصدقاء وحلفاء في أمتنا …. اليوم أصبح لإسرائيل هذه… مؤيدين ومساعدين وحلفاء معلنين وغير معلنين …اليوم أصبحت اسرائيل وبفضل خذلان البعض الصديق وليس العدوّ …. اليوم هناك في أمتنا من يسعى جاهداً لخلق عدوّ وهمي لتصبح اسرائيل بذلك الحليف الذي نحارب معه في خندق واحد ضد الإرهاب وننسى أن اسرائيل هذه هي الإرهاب بعينه دون منازع ….
في ظل المرحلة الجديدة من نضال الشعب الفلسطيني، ما هي أهمية يوم القدس العالمي هذه السنة وما هو شعار يوم القدس لهذا العام؟
يُرفع اليوم شعار الضفة درع القدس، من أجل أن تتوحد وتتضافر كل الجهود من أجل دعم الشعب الفلسطيني ومقاومته في مواجهة العدوان المتصاعد. كل قادة محور المقاومة مجتمعون في هذه الذكرى المتجددة أكدوا على أنّ “سيف القدس” سيبقى حاضناً وجاهزاً، وأنّه لن يُغمد أبداً دفاعاً ونصرة، كما شدّدوا على تحذير العدو من ارتكاب الحماقات التي سيدفع ثمناً باهظاً لها. وأنّ أيّ مساسٍ بالمسجد الأقصى سيفجّر حرباً دينية وإقليمية، وهذه الحرب لن تُبقي ولن تذر، والخاسر الأكبر فيها سيكون العدو، لأنه سيواجه وحدة الساحات ضد جرائمه.
كيف أخرج إعلان الإمام الخميني(قدس) يوم القدس العالمي من كونها مسألة فلسطينية عربية وحتى إسلامية وإعطائها بعدا ًعالميا ًكنموذج للصراع بين الحق والباطل؟
قال الإمام الخميني(قدس): “يوم القدس يوم يجب أن نخلّص فيه كل المستضعفين من مخالب المستكبرين، يوم يجب أن تعلن كل المجتمعات الإسلامية عن وجودها وتطلق التحذيرات إلى القوى الكبرى.” هذا يعني أن يوم القدس هو محطة ومناسبة لتجميع المستضعفين وتوحيد كلمتهم بما يمكن أن يؤسس لحزب المستضعفين. وفي هذا البعد يقول الإمام الخميني(قدس): “لقد كان يوم القدس يوماً إسلامياً، ويوماً للتعبئة الإسلامية العامة، وآمل أن يكون هذا الأمر مقدمة لتأسيس حزب للمستضعفين في كل أنحاء العالم، وأتمنى أن يظهر حزب باسم المستضعفين في العالم.” يتمتع يوم القدس برمزية عالمية وإنسانية، أضاف اليها الامام (قدس) رمزية دينية، فالاحتفال بهذا اليوم هو تعبير عن مكانة الإسلام كدين إلهى يريد أن يصلح العالم وأن يرفع الظلم ويقيم العدل، وأحد الرموز الفعلية لذلك هو القدس وما تدلل عليه في عملية إحيائها وتحريرها كعملية لإحياء الدين وإقامته ونشره. وفي هذا المعنى يقول الإمام الخميني(قدس): “يوم القدس، يوم الإسلام، يوم القدس، يوم يجب فيه إحياء الإسلام وتطبيق قوانينه في الدول الإسلامية، يوم القدس، يجب أن تحذر فيه كل القوى من أن الإسلام لن يقع بعد الآن تحت سيطرتهم وبواسطة عملائهم الخبثاء.”
في ظل الصراع على هوية الكيان والانقسام بين الليبراليين والمتدينين وكلام رئيس الكيان عن خطر تدميره من الداخل، ٫ما هو مصير الكيان المؤقت؟
التفكك والتآكل من الداخل هو أهم ما سيواجهه الكيان الصهيوني المؤقت في الأيام المقبلة، وهذا الأمر له أسباب ومظاهر عديدة: أولاً يبدو أن الكيان بدأ يستشعر تصدعاً في بنيته السياسية والاجتماعية والاقتصادية. إضافةً إلى ذلك بدأت تطفو على السطح بعض المشاكل التي لها علاقة بالتفكك الاجتماعي فاليهود يشكلون كتلة غير منسجمة، إضافة الى التبدل في التوازنات الداخلية، والصراع بين العلمانيين والمتدينين، إرباك في مواجهة الأعداء بالنسبة للكيان الذين أصبحوا اليوم يشكلون ساحة متلاحمة ومتناسقة. كل هذا إضافة الى العديد من المشاكل الأخرى والأزمات التي لها علاقة بالطبقية العرقية أي الصراع بين اشكيناز وسفرديم، وأزمة يهود الفلاشا، والعرب الذين يعيشون في أراضي 48، كل هؤلاء ذاهبون إلى مزيد من الانقسام والانهيار والتفكك الذي سيؤدي حتماً لنهاية قريبة للكيان.
بعد معركة سيف القدس التي أكدت أن القدس هي محور الصراع وبداية معركة التحرير، برأيكم متى سنحتفل بيوم القدس في مدينة القدس؟
في اعتقادي أن اليهود أنفسهم يعرفون أن نهاية كيانهم قريبة، بدليل ما يسمونه ” لعنة العقد الثامن نبوءة زوال إسرائيل” والتي يؤكد فيها المؤرخون اليهود أن دولتهم لن تعمر لأكثر من 80 عاماً وباعتبار أن الدولة العبرية الحالية هي الدولة الثالثة في حساباتهم فهي على وشك دخولها العقد الثامن مع ما يتخللها من أزمات ومشاكل، تنذر بنشوب حرب أهلية كبرى بين الإسرائيليين أنفسهم مما يدفع بانهيار دولتهم تماماً. وفي هذا الإطار تعددت الآراء والأفكار، لكن بالتأكيد وبعيداً عن عقدتهم وتحليلاتهم نحن نؤمن بالتأكيد بنهاية هذا الكيان وزواله من الوجود قريباً جداً بفضل صمود شعبنا الفلسطيني وشعوب المنطقة، وبسبب قدرتهم على إانشاء ردع استراتيجي في مواجهة خطط الاحتلال الإسرائيلي وسياسته الاستيطانية.