ناصر قنديل
كل شيء كان مختلفاً في هذه الحرب التي تشهدها فلسطين، ويمكن بعد كلام الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله وإعلانه الصريح عن أن المقاومة في لبنان، “في أي وقت تفرض المسؤولية عليها القيام بأي خطوة أو خطوات لن تتردّد»، القول إن هذه الحرب هي أول حروب محور المقاومة كمحور، فما جرى في المواجهة التي اندلعت بين المقاومة في غزة وجيش الإحتلال إثر مواجهات المسجد الأقصى من إطلاق صواريخ من لبنان وسورية، لم يتمّ تبنيه من المقاومة في لبنان او من سورية أو من المقاومة في سورية، وبقي الغموض رسالة سياسية عسكرية لما يمكن أن يحدث إذا تصاعدت الأمور، وكانت الرسالة كافية لتظهير معادلة الردع الجديد وذهاب حكومة الاحتلال إلى منع المستوطنين من دخول المسجد الأقصى، لكن هذه المرة وقبل أن تتدخل المقاومة، فهي تعلن ما يشبه إعلان السيد نصرالله خلال الحرب على سورية سوف نكون حيث يجب أن نكون.
الأكيد أن رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو الذي بنى على معركة آب الماضية التي انفرد بها في مواجهة مع حركة الجهاد الإسلامي، شكلت الأرضية التي بنيت عليها خطته للحرب الراهنة مع استفادته من دروسها، لجهة إعداد ضربات استباقية تصيب الجسم العسكري لسرايا القدس بالشلل، كما توقعت أجهزة استخبارات الكيان، وأنه سيكون سهلاً بعد جولة ساعات أو يوم أو يومين التفاوض مع حركة حماس على وقف للنار تحت عنوان التهدئة مقابل التهدئة، فيخرج منتصراً، ويُعيد ترميم قوة الردع وترميم حكومته المتشققة ويربح جولة سياسية على المعارضة، ويقدّم أوراق اعتماده مجدداً للأميركي بأنه قادر على إنتاج معادلة توقف الهرولة وراء محور المقاومة من حلفاء واشنطن، كما يصف التموضع الجديد بصورة مستقلة لكل من السعودية وتركيا، وعدم التقيد بالتوجيهات الأميركية خصوصاً في ما يتعلق بالانفتاح على سورية وإيران.
الواضح أن نتنياهو ووزير دفاعه وقادة استخبارات الكيان لم ينتبهوا إلى المتغير الرئيسي الذي مثله تبلور محور المقاومة منذ معركة آب التي سمتها الجهاد بمعركة وحدة الساحات، كتعبير عن وحدة غزة والقدس والضفة.
وهذا المتغير تجسّد بتقدم المصالحة السورية مع حركة حماس، وما رتبه من مناخات أكثر دفئاً بين أطراف المحور وقدرتها على مناقشة كل القضايا وتقييم كل التجارب والمشاكل وبلورة خطط للتعامل معها، وفي قلبها العلاقة بين الجهاد وحماس من وحي ما جرى في آب، والعلاقة بين مقاومة غزة والمحور.
وما نشهده يكشف أن خطة نتنياهو لتحييد حماس والاستفراد بالجهاد كانت متوقعة وتقرّر تحويلها من تحدّ الى فرصة، وفق معادلة ارتضاء قواعد اللعبة، بوضع دخول حماس الحرب علناً مشروطاً بتوسيع العدوان ليشمل منشآت غزة المدنية والخدمية والسكنية. وفي هذه الحالة وضع بنك أهداف ثقيل العيار يستهدف منشآت الاحتلال الاقتصادية والخدمية الحيوية مثل منصات الغاز ومحطات الكهرباء والقطارات، وفي الميدان تقف الجهاد ومن خلفها دعم حماس عند الحاجة كل ما تحتاجه المعركة، وتغطية سياسية باسم الغرفة المشتركة، وبالتوازي محور المقاومة وفي طليعته قوته الضاربة التي تمثلها المقاومة في لبنان، تدعم وتغطي بما يلزم، وعند الحاجة سوف تكون حاضرة للدخول على خط المواجهة مباشرة.
ما يقوله مسار الحرب أن الكيان يبدو أضعف من أن تحتاج حماس للدخول علناً في الحرب، وبالأحرى أن السيد نصرالله لن يكون أمام الحاجة لترجمة تهديده، لكن الأكيد أنه كما تشكل معادلة دخول حماس عامل ردع لعدم تجرؤ جيش الاحتلال على توسيع نطاق العدوان، فإن كلام السيد نصرالله سوف يترك تداعيات كبيرة على مسار الحرب، وعبره سوف تنطلق النقاشات الفلسطينية بالشعور بالانتعاش والراحة والقوة ووجود السند، وسوف تنطلق نقاشات موازية في الكيان، عنوانها مساءلة نتنياهو عن الورطة التي جرّ الكيان إليها، وضرورة الإسراع بالخروج منها.