بعد أن ظن القادة الصهاينة أنهم حققوا انجازا كبيرا في الاعتداءات على غزة وأنهم تمكنوا من إعادة السلام إلى الأراضي المحتلة مرة أخرى بعد مقتل بعض قادة المقاومة، قبلوا دون أي شروط بإعلان وقف إطلاق النار.. مشهد لم يَسر كما خطط نتنياهو ورفاقه، بعد أن وصلت وساطة وقف إطلاق النار إلى عقدة صعبة كان يمكن أن تسبب مشاكل كثيرة لنتنياهو وفريقه في الأيام المقبلة.
أظهرت الأخبار والتقارير أن المقاومة ابتعدت عن وقف إطلاق النار الذي اقترحته مصر كوسيط إقليمي رئيسي وطالبت بشروط صعبة يمكن أن تعقد الوضع وربما تطيل أيام الحرب بطريقة تُفشل معادلة الردع التي يبحث عنها اليمينيون.
وبينما كانت قناة الغد المصرية قد أعلنت نقلاً عن مصادر أن طائرة تقل الوفد الصهيوني المفاوض قد غادرت إلى القاهرة، أعلنت إذاعة الجيش مساء أمس عبر حسابها الرسمي على تويتر: “جهود مصر باءت بالفشل بالفعل، لا توافق على وقف إطلاق النار الليلة “. يذكر أن المفاوضات انهارت بعد اغتيال القيادي في حركة الجهاد الإسلامي أحمد أبو دقة عضو المجلس العسكري في لواء القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي.
لكن المسؤولين الصهاينة أكدوا أن مصر قدمت اقتراح وقف إطلاق نار جديد لإسرائيل مساء الجمعة.
وفي هذا السياق، نقلت إذاعة جيش الاحتلال عن مسؤول مطلع قوله: “اقتراح مصر للسلام يدعو إلى وقف متبادل لإطلاق النار اعتبارًا من منتصف الليل ولا يشمل التزام إسرائيل بوقف الهجمات الإرهابية”.
كما أعلن موقع “ويل”، نقلاً عن مسؤولين صهاينة، أن اقتراح مصر “يتضمن وقفًا متبادلاً للهجمات والتزامًا بتجنب إلحاق الأذى بالمدنيين وقوات الأمن”.
ونقلت وسائل إعلام صهيونية عن مسؤولين في الكيان قولهم إن اقتراح مصر الجديد “أقرب إلى موقف إسرائيل من المقترحات السابقة ويتم مراجعته حاليا من قبل مكتب رئيس الوزراء”.
خلافا لتصريحات وسائل الإعلام ومسؤولي الكيان، فإن قادة المقاومة الفلسطينية أصروا على عدم قبول وقف إطلاق النار حتى يتم تحقيق الأهداف المرجوة من المفاوضات واستمرار الهجمات. ونقلت صحيفة يديعوت أحرونوت عن “مصدر رفيع” وكتب: إسرائيل تريد معادلة السلام مقابل السلام، وحركة الجهاد الإسلامي تطالب بوقف الاغتيالات الإسرائيلية.
وفي هذا الصدد، قال داود شهاب القيادي في حركة الجهاد الإسلامي: “ما زال الوقت مبكرا لإعلان موقف من المقترحات التي قدمتها مصر، وأكد أن هذه الحركة متمسكة بمواقفها من إجبار الاحتلال على وقف الاغتيالات ضد حركة الجهاد الإسلامي”.
كما أكد “أنور أبو طه” رئيس الدائرة الإعلامية في حركة “الجهاد الإسلامي” لـ “العربي جديد” أن المقاومة لن تتنازل عن شرطها لوقف إرهاب “المجاهدين وشعبنا”.
وقال أبو طه: “أمام هذا الهجوم الجبان الغادر الذي استهدف قادة المقاومة وعائلاتهم نقول لقادة العدو إن سياسة السلام مقابل السلام الذي كانوا يبحثون عنه قد انتهت”.
وقال أبو طه في رسالة موجهة للإسرائيليين: على العدو الصهيوني أن يعلم أن كتائب القدس ما زالت قادرة على توجيه العديد من الضربات المؤلمة للعدو.
في هذا السياق، يبدو أن حركة “الجهاد الإسلامي”، بدعم من المقاومة الفلسطينية حركة حماس، حاولت ان تجبر قادة حكومة نتنياهو المتطرفة على قبول الالتزام خوفاً من حرب ممتدة لأيام عديدة، والتي ستزيد خسائر الصهاينة. حیث طالبت الفصائل بتسليم جثة الأسير الفلسطيني الشهيد خضر عدنان، ومنع “مسيرة العلم” التي يخطط المستوطنون للقيام بها، وكذلك التعهد بعدم اغتيال قادة المقاومة. شروط لم یکن نتنياهو على استعداد لقبولها، وخاصة من خلال تعهد مكتوب.
وساطة مصر باسم السلام ولكن لصالح المعتدي
أحد الأسباب الرئيسية لعدم قبول المقاومة الفلسطينية بوقف إطلاق النار كان نوع الوساطة الإقليمية، وخاصة من جانب مصر، التي يتجه ميزانها نحو تأمين مصالح الصهاينة. وهو وقف إطلاق النار حتى لا ينتقم الفلسطينيون من هجمات العدو، ومن ناحية أخرى تحتفظ حكومة نتنياهو بإنجازاتها ضد المعارضة ومواصلة هجمات المقاومة. كذلك، لطالما اشتكى الفلسطينيون من أن الوسطاء العرب والدوليين في السنوات الأخيرة، متمثلة بالدور المصري، لم يتمكنوا أبدًا من إلزام الصهاينة بتنفيذ اتفاقياتهم والتزاماتهم في مفاوضات وقف إطلاق النار. نتيجة لذلك، استخدم الصهاينة دائمًا مفاوضات وقف إطلاق النار كخروج سريع من الأزمة الأمنية وتقليل الخسائر على الأرض.
جاء ذلك في المواقف الأخيرة لقادة المقاومة الفلسطينية، حيث قال إحسان عطايا، عضو المكتب السياسي لحركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية، صباح الجمعة: “لا يمكن للوسطاء تقديم ضمانات بسبب عدم تقديم العدو لضمانات، الامتثال ووقف سياسة الارهاب شرط اساسي لمفاوضات وقف إطلاق النار “.
من ناحية أخرى، فإن هذا المبدأ في جميع النزاعات الدولية هو جزء من أي اتفاقية سلام، بأن المعتدي يجب أن يدفع ثمن عدوانه إذا طلب وقف إطلاق النار. في ظل وضع يرزح فيه قطاع غزة تحت حصار كامل وظروف اقتصادية صعبة للغاية ويعاني سكان غزة دائمًا من هذا الحصار، تتسبب الهجمات العرضية من قبل الصهاينة في مزيد من الأضرار وتكاليف اقتصادية إضافية لسكان المنطقة.
في أعقاب الهجمات الأخيرة، وبينما حذرت وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) من تأثير تصعيد التوترات في غزة على تدهور الوضع الإنساني للاجئين الفلسطينيين في قطاع غزة بمن فيهم النساء والأطفال، أعلنت جمعية التجار الفلسطينيين أنها قالت إنه منذ بداية جولة الصراع الحالية، يحتاج قطاع غزة 14 مليون دولار كتعويضات يومية.
كما قالت سلطات غزة إن ما لا يقل عن 9 منازل مدنية و28 وحدة سكنية دمرت وتضررت 532 وحدة سكنية أخرى، و37 وحدة غير صالحة للسكن، وفقدت 90 أسرة منازلها إجمالاً.
وحذر المسؤولون من أن محطات الوقود ستوفر الوقود لمدة 72 ساعة فقط إذا استمرت الظروف الحالية، وتم بالفعل إغلاق أحد التوربينات الثلاثة بالمحطة.
بالإضافة إلى ذلك، تعثرت الحياة الطبيعية للناس أيضًا، وبينما توقفت أنشطة جميع المؤسسات التعليمية، توقف الصيد لمدة 4 أيام وفقد أكثر من 3500 صياد وظائفهم. كما قالت سلطات غزة إن أكثر من 600 طن من المنتجات الزراعية عالقة في غزة ولا يمكن تصديرها.
تحييد خطط نتنياهو
يؤكد جميع المحللين تقريبًا أن السبب الرئيسي لجولة التوتر الجديدة في غزة يعود إلى جهود نتنياهو لتجاوز الأزمة الداخلية. لكن في حين أن مسؤولي الحكومة المتطرفة في الكيان الصهيوني اعتقدوا أنهم بإخراج قادة حركة الجهاد الإسلامي من الساحة، وخاصة في الضفة الغربية، يمكنهم الضغط على حركة حماس وتقديم تنازلات تافهة مثل تخفيف الحصار وقبول نسبة أكبر من عمال غزة في الأراضي المحتلة، مقابل السكوت عن إقامة مسيرة تحدي يوم العلم وتشكيل غرفة عمليات مشتركة وقبول اتفاق وقف إطلاق النار بناء على طلب الصهاينة، كانت كل خيوط فريق نتنياهو عمليا متوترة، وقد شعر نتنياهو بقوة بخطر استمرار الصراع حتى مسيرة يوم العلم.
من المهم جدا لنتنياهو والمتشددين الحفاظ على نزاهة الحكومة وسط موجة المعارضة الداخلية والخارجية، والقيام بمسيرة يوم العلم دون أي مشاكل وبنفس الطريقة التقليدية في الحي الإسلامي ومنطقة باب العامود.
لكن هذه الخطة فشلت ضد وحدة حماس والجهاد الإسلامي. في ساحة المعركة، أثبتت المقاومة أنها تطورت في استراتيجيتها وقدراتها وخبراتها العسكرية والتصنيعية والتقنية. وقد أثبتت المقاومة الفلسطينية لحكومة نتنياهو أنها لن تخرج من أزمتها الداخلية على حساب الدم الفلسطيني. وحسب بنود الاتفاق الذي أبرم الليلة الماضية بين حركة المقاومة والصهاينة، تعهد الصهاينة بوقف قتل الفلسطينيين، وتبين أن الكيان الصهيوني قد أدرك الثمن الباهظ لاغتيال قادة المقاومة، ولن يتمكن في المستقبل من استخدام هذه الأداة اللإنسانية بسهولة، والتي يستخدمها ضد الفلسطينيين منذ سنوات. وهذا من أهم إنجازات المقاومة في هذه الجولة من الصراع، وقد أثر بشكل كبير على العلاقات العسكرية بين المقاومة والكيان الصهيوني.