الأكثر من بين كل الفرق الإسلامية

خفايا أسماء الشيعة في بلاد الشام عبر التاريخ

من بين كل الفرق الإسلامية فإنّ الشيعة حصلوا على أكبر عدد من الأسماء، منها، ما اختاروه هم لأنفسهم، أو نُسب إليهم

2022-11-14

الوفاق/ خاص

عبير شمص

الإسم امتياز بشري خالص، خصّ به الخالق الحكيم تبارك وتعالى هذا الإنسان، والامتياز، فيّما يدل عليه العمل والسيرة، يرمي أولاً إلى استحضار المسمّى في الذهن دون أن يكون حاضراً بالفعل، وثانياً تمييز المسمى عن غيره.

بيد أنّ الناس، وهم يضعون الأسماء لمن لهم حق الاختيار لهم أو لمن سواهم، فإنهم لا يختارون الأسماء عبثاً، بل إنهم يأخذونها من عقيدتهم الدينية أو مذهبهم السياسي أو من ذاكرتهم التاريخية أو الشخصية. ومن هنا يمكننا أن نعرف أشياء كثيرة عن الأشخاص من مجرد معرفة أسمائهم، أو قد نعرف موقف المُسمي من المسمى من الإسم الذي يضعه له أو يذكره به. وهكذا فإننا نرى بعض الفرق الدينية، تحمل إسمين اثنين أو أكثر، منها ما اختارته  بنفسها، والآخر ما حملّها إياه خصومها.

من بين كل الفرق الإسلامية فإن الشيعة حصلوا على أكبر عدد من الأسماء، منها، ما اختاروه هم لأنفسهم، أو نُسب إليهم حسب مواطنهم ومنازلهم، أو مما سموا به من قبل خصومهم وهكذا نشأت أسماء كثيرة لهم منها : الإمامية، الجعفرية، المتاولة، الميّاذنة، الظنيون، النصيرية، القزلباش…أمّا الأسماء التي اختص بها شيعة منطقة الشام وفقاً لمّا ورد فی کتاب “أسامی الشیعة وما فیها من خفایا تاریخهم” للمحقق التاریخی الشیخ جعفر المهاجر:

المتوالي

من الأسماء التي اختص بها شيعة منطقة الشام هي متوالي، كان هذا الإسم حتى أمدٍ قريب أكثر رواجاً على الألسنة وفي الأدبيات الشعبية في غرب الشام  وجنوبه، قبل أن يضمحّل وينسى، وخُصّ به الجماعات الشيعية الموجودة في الدولة العثمانية، والتي واجهت السلطة واستطاعت أن تنتزع منها نمطاً من أنماط الاستقلال والحرية السياسية، وذلك في عشرات الجولات القتالية، التي وقعت بينها منفردة أو مجتمعة، وبين الولاة العثمانيين أو عملائهم المحليين. هذا اللقب وهذه اللفظة هي جمع متوالي مشتق على غير قياس من تولى أي اتخذ ولياً ومتبوعاً من ولائهم لأهل البيت(ع) أو مشتق على القياس من توالى أي تتابع من تتابعهم واسترسالهم خلفاً عن سلف في موالاة آل البيت، ويرى البعض أنّ أصل هذه الكلمة (المتاولة) مأخوذة من الكلمة الفصيحة (المتأولة)، وهذا اللقب كان يُطلق على الشيعة في عصر المماليك على ما يبدو. ويقول الشيخ جعفر المهاجر  إنّ الشعارات التي كان يطلقها المقاتلون الشيعة في تلك المعارك حسب قول الشيخ “محمد عبده” شيخ الجامع الأزهر الشهير والذي أقام مدة غير قصيرة في لبنان واتصل بشيعته، ترجع إلى:” إنهم كانوا يقولون في حروبهم مُت ولياً لعلي، فسُمي الواحد منهم متوالياً لذلك”، يُشكل هذا التفسير أحد التفسيرات للإسم ولكن من المؤكد أن منشأ هذا الإسم في المجتمعات الشيعية التي كانت تننشر في غرب وجنوب الشام، أي المنطقة الساحلية الممتدة من اللاذقية شمالاً إلى صفد جنوباً، صعوداً في التلال المشرفة على الساحل، وصولاً إلى نابلس في فلسطين وعمان في البلقاء وطبرية في الأردن. هذه المنطقة الشاسعة كانت كلها ذات أكثرية شيعية إمامية، وكانت تُشكل كيانات سياسية صغيرة، قبل أن يأتي الغزو فالاحتلال الصليبي فيضربها ضربة قاسية، أدت إلى أنّ الناجين منها تبعثروا في البلدان، وبذلك انقطعوا عن تاريخهم فضاع واندثر.

القزلباش

الكلمة تركية الأصل، وقد أطلقها العثمانيون على أتباع السلطان حيدر بن جنيد الصفوي، والد أول الملوك الصفويين في إيران الشاه إسماعيل الأول، وذلك بسبب زيّهم المكون من قلنسوةِ حمراء تلف حولها عمامة سوداء من إثني عشرة شقة أو طية، رمزاً للأئمة الإثني عشر، وما زال حتى اليوم شعار شيوخ البكتاشيين في ألبانيا وغيرها.

ولكن العقل العثماني أوصلها إلى لبنان، الذي نشب صراع قاسي مستديم فيه بين السلطنة العثمانية المركزية ووكلائها المحليين وبين الإمارات الشيعية الثلاث الموجودة فيه حينها وهي إمارة جبل لبنان بزعامة الأسرة الحمادية، وإمارة بعلبك بزعامة الأسرة الحرفوشية، وإمارة جبل عامل بزعامة كل من أُسر آل الصغير ومنكر وصعب.

هكذا بدأ العثمانيون هذا الصراع الدموي الذي لم يكن له أي ضرورة ، بل إنّه كلفهم وكلف البلاد طوال فترة حكمهم لها ما لا يُعد ولا يُحصى من الخسائر المادية والبشرية. في هذا السياق من العداء لشيعة المنطقة أطلق العثمانيون على زعماء الشيعة إسم القزلباش وذلك في المراسلات الرسمية والأوامر السلطانية، فدخل هذا الإسم القاموس السياسي بوصفه أداةً من أدوات الصراع بين الطرفين.

الميّاذنة

إسم أطلق على بعض شيعة لبنان، وهو نسبةً إلى سهل واسع خصيب غزير المياه إسمه ” سهل الميذنة”، يتوسط أقضية النبطية ومرجعيون وجزين في جنوب لبنان / جبل عامل، وهو أعطى إسمه في الماضي البعيد لسكان بلدة جزين الشيعية، فعرفوا بالمياذنة في تلك الفترة، التي كان فيها أكثر جبل عامل تحت الاحتلال الصليبي.

الظنيون

ورد هذا الإسم في عدة مصادر منسوبة إلى منطقة هضابية فيّما هو اليوم شمال لبنان، تُسميها المصادر جبال الظنيين، وما زال الإسم موجوداً للمنطقة التي أصبحت تُعرف الآن بالضنية.

يُستدل على الإسم من نصٍ ورد في كتاب مسالك الأبصار في ممالك الأمصار وهو: “وبالجبل المعروف بالظنيين من الشام فرقة من همدان”، هذا الإسم كشف عن انتشار التشيع في المنطقة الشامية مع وجود فرقة شيعية سكنت في الماضي ذلك الجبل المسمى الضنية حالياً، ولكن هل هناك فرقة شيعية تدعى الظنيين أو إنّ جماعة شيعية سكنت تلك المنطقة التي كانت تسمى بهذا الإسم ومن ثم أطلق عليها بما أنها كانت حصراً عمار تلك المنطقة، على الأرجح الرأي الثاني هو الأقرب.

العلويون

العلويون نسبة ً إلى الإمام علي (ع) والمقصود هنا همال الجماعات الإثنا عشرية التاريخية التي تنزل الساحل السوري والهضاب المشرفة عليه وبعض مناطق وسط وشمال سوريا. فضلاً عن انتشار واسع لهم في تركيا وألبانيا والبوسنة، ويرجع سبب انتشارهم الواسع هذا في المنطقة إلى الهجرات الواسعة التي تدفقت عليها من مختلف أنحاء العالم الإسلامي خصوصاً من العراق وشبه الجزيرة العربية حاملة معها تأثيرات شيعية قوية، لأنّ الشيعة ولأسباب جليّة كانوا يميلون إلى الابتعاد عن المراكز المدنية حيث تتمركز قوة السلطة وأجهزتها.

ينتمي العلويون مثل كل الشيعة الإثني عشرية في الشام إلى التشيّع الشامي، نجحت بعض المناطق الشيعية المنتمية إلى هذا التشيع بالتواصل مع المراكز العلمية في العراق، فنشأت في كلٍ من حلب وطرابلس ومن ثم جبل عامل حواضر علمية متقدمة، لكن في الحين نفسه بقيت في الشام مناطق أخرى لم يتح لها أن تتواصل وتشارك في هذا التقدم العلمي. وذلك بسبب الضغط والقهر السياسي الذي عانت منه، وهكذا بدأ أصحاب الاتجاه العرفاني في هذا التشيع يكتمون ايمانهم وأصبحت المعارف الدينية محصورةً لديهم ولا يتم نقلها إلى العوام مما أدى الى تراجع العلاقة بين الناس وتُراثها الديني والأخلاقي بحيث لم يبق منها إلا بعض الشعائر السطحية.

أمّا إسم العلويين فهو من وضع الفرنسيين في فترة انتدابهم على لبنان وسوريا والذي هدفت فيه إلى سياسة التقسيم بين مكونات البلد الواحد لكي تضمن انتداب وحكم طويل لمستعمراتها.

كذلك اشترك شيعة الشام مع إخوانهم شيعة العالم بعدة أسماء نذكر منها الإمامية الإثناعشرية، وغيرها….