موناسادات خواسته
منذ انطلاقته الفعّالة عام 2004، عمل مركز آثار الشهداء على جمع سِيَر شهداء المقاومة الإسلامية العظماء وآثارهم المتنوّعة، وخاض تجربة تأسيسية على هذا الصعيد، مثّلت نواة لإنطلاقة المشروع.
ومع تطوّر أسلوب العمل ودخوله مرحلة جديدة، كان لزاماً على المركز أن يتجه نحو تفعيل دوره، ويتحوّل إلى مركزٍ متخصص في جمع التاريخ الشفوي لهؤلاء العظماء، وصولاً إلى تأسيس بنك معلومات قائم على أحدث تقنيات المعلومات المتوفرة.
إنّ ما يجمعه المركز حالياً من روايات شفوية، وآثار مكتوبة، ومتحفية، وسمعية – بصرية هدفه حفظ هذا التراث الكبير، وهو بذلك يتكامل مع الجهود الأخرى التي تجري حالياً لجمع بقية أجزاء ذاكرة المقاومة والجهاد.
ومن هنا، جاء تأسيس “جمعية إحياء التراث المقاوم” التي تحتضن عمل المركز، والانتقال إلى مكان جديد يتصف ببيئة مساعدة لإنجاز المطلوب، ليشكّل خطوات على طريق توفير كل ما يلزم للقيام بالعمل المنشود.
ومن أهم أهداف الجمعية تأسيسُ بنك معلومات متكامل بمعايير عالمية في الحفظ والاسترجاع، وجمع أكبر عدد من الروايات الشفوية حول سير الشهداء، وإصدار العديد من الموسوعات والمؤلفات والوثائق، الورقية والممكنة، وإنتاج أعمال فكرية وأدبية وفنية، منها الأفلام الدرامية- الوثائقية، والسينمائية.
وبما أن للجمعية إصدارات ونشاطات واسعة في مجال شهداء المقاومة، منها: “ظلال زينب”، “منتصر”، مخرّب 5017″، “سباق مع القطار”، “الكلمات القصار” وغيرها، ونظراً لزيارة الأخيرة مع وفد من الجمعية إلى إيران، بمن فيهم مديرة الجمعية السيدة “نجوى رعد” وعدد من المؤلفات في مجال توثيق تاريخ شهداء المقاومة، فاغتنمنا الفرصة وأجرينا حواراً مع السيدة “رعد”، حيث تحدثت لنا عن مواضيع مختلفة من نشاطات الجمعية، وفيما يلي نص الحوار:
البحث عن تاريخ الشهيد وإنتاج الكتب
بداية طلبنا من السيدة “نجوى رعد” أن تتحدث لنا عن النشاطات التي تركز عليها جمعية إحياء التراث في لبنان، فقالت: جمعية إحياء تراث المقاومة هي جمعية تُعنى بجمع الذاكرة الشفهية لشهداء المقاومة الإسلامية وعندما نقول الذاكرة الشفهية أيضاً يعني إلحاقها بموضوع القطع المتحفية والوثائق، وبالتالي هي تبحث عن تاريخ الشهيد بشكل كامل.
هناك عدة أنشطة للجمعية ومنها الإنتاجات الكتبية والفكرية والثقافية والأدبية، وهناك أيضاً أنشطة أخرى من إقامة معارض وندوات وأنشطة تفاعلية في الجامعات والمدارس والمعاهد.
كتابة سير الشهداء
وفيما يتعلق بكتابة سير الشهداء وحصول المؤلف على الوثائق، قالت “رعد”: في البداية يتم اختيار الشخصية المطلوبة للموضوع يعني شخصية شهيد معين وبعد ذلك هناك مهمّات تقوم بها المحققة منها إجراء المقابلات الميدانية حول هذا الشهيد وزيارة ومعاينة المواقع التي كان فيها الشهيد، سواء كان في بيته أو سكنه، أو المكان الذي استشهد به، والمدرسة التي كان يذهب إليها والجامعة، وتجري مقابلات مع كل مَن يعرف هذه الشخصية أو هذا الشهيد الذي نتحدث عنه وبعد ذلك يتم تفريغ هذه المادة واظهارها، مِن ثم استكمالها والتحقيق بها ومقابلة الروايات ببعضها حتى نتأكد من صحة المعلومات، وبعدها بالإضافة إلى جمع الوثائق، المستندات، الصوت والفيديو وكل ما يتعلق وكل ما هو موجود في حياة الشهيد.
الوثائق والمستندات
وحول الوثائق التي يتم إعطاؤها للمؤلف وهل هي الأصلية أو نسخ منها أو صور، قالت مديرة الجمعية: نحن في الجمعية مجرد أن نستلم الوثيقة، هذه الوثيقة يُؤخذ نسخة عنها وبالتالي تذهب إلى قسم الترميم والصيانة، حتى لا تتعرض للتلف، وتُوضع في مكان مخصص لها فيه المعايير التي تحفظ الوثائق، فيه آلات تسحب الرطوبة وفيه آلات أيضاً تُبرّد الجو بشكل دائم، ونُعطي الكاتب نسخة عن هذه المستندات والوثائق، النسخة التي ممسوحة ضوئياً (اسكن)، وبالتالي تشبه إلى حد كبير جداً النسخة الأصلية، حتى أحياناً لا يمكن تمييزها عن النسخة الأصلية.
شخصية والدي الشهيد
وعندما سألناها: هل تتطرقون إلى شخصية والدي الشهيد بصورة منفصلة كشخصية مميزة في تربية الشهيد، هكذا ردّت علينا بالجواب: نحن في حياة الشهيد نرجع إلى الجذور يعني نبحث في حياة أجداده أحياناً حتى نتعرّف على شخصية الشهيد، ومن أين أتت الصفات التي يتمتع بها، وطبعاً نحن في عملية البحث والتحقيق والجمع، نجمع كل شيء عن الشهيد، وحتى التحولات التي جرت في حياته، يعني لا نكتفي بموضوع محدد، لكن في نشر هذه المادة حسب الهدف والشريحة التي نستهدفها، نقوم باختيار ما يناسب الشريحة التي نستهدفها، مثلاً إذا كانت الشريحة ناشئة ، وإذا كانت الشريحة شباب ، وإذا كانت الشريحة هم النخبة ، لكل مقام مقال.
ونتطرق أيضاً إلى شخصية والدي الشهيد بشكل منفصل لان هذه الشخصية المميزة قامت بتربية الشهيد بخصوصيات مميزة.
توثيق نشاطات جهاد البناء والأعمال الإستراتيجية
وبعد ذلك سألنا السيدة “رعد” هل تتطرقون إلى مواضيع مثل جهاد البناء والأعمال الإستراتيجية في الجمعية؟ فقالت: كل موضوع إذا كان مرتبط بالشهيد نحن نعمل عليه ونقوم بالتحقيق عنه، أما أحياناً نقوم بأعمال مثلاً هي من ذاكرة المقاومة ولكنها لا تختص بالشهداء، فهذا يعتمد على سياسة الجمعية وعلى الأهداف المبينة خلال السنة.
وهناك ملف في حزب الله مختص بتوثيق ذاكرة المؤسسات وتجارب المؤسسات، وهو موجود في وحدة الأنشطة الإعلامية، جمعية احياء هي تتبع لوحدة الأنشطة الإعلامية وأيضاً ذاكرة المؤسسات وكتابة توثيق تجربة المؤسسات أيضاً تتبع لوحدة الأنشطة الإعلامية.
شهداء سورية
وفيما يتعلق بالتاريخ الشفهي، والتطرق إلى موضوع شهداء سورية، قالت السيدة “رعد”: طبعاً نتطرق إلى كل شهداء المقاومة الإسلامية وأحياناً أنا أقول مثلاً في مرحلة الحرب في سوريا نحن نسميها معركة الدفاع المقدس، هي معركة كانت فيها الكثير من الخيرات رغم أنها حرب، من خيراتها كان الجهاد المشترك تحت مظلة الولاية، وتجمع المجاهدين من مختلف محور المقاومة.
نعم نحن نحقق في حياتهم ونجمع عن هذا الجهاد المشترك وكيف كانوا متكاتفين وكيف كانوا متعاونين ومتوحدين في نصرة المظلوم وفي الدفاع عن الإسلام المحمدي الأصيل.
كتب شهداء سورية
وحول الكتب التي تم كتابتها حول شهداء سورية، قالت: نعم هناك كتاب مثلاً يتحدث عن الشهيد “منتصر”، وهو من شهداء سورية، وكتاب “ملامح داكنة” يتحدث عن موضوع أول هجوم لداعش على موقع شباب مجاهدي المقاومة الإسلامية، وهناك مجموعة من “ظلال زينب (س)” مجموعة قصص من مشاهدات معركة سورية وهي سبع أجزاء، وكذلك هناك كتابة تجربة الإسعاف الحربي في سوريا، كتابي “إبق معي” و “الورود القاسية”.
شهداء الحروب الداخلية
وفيما يتعلق بالتطرق إلى موضوع شهداء الحروب الداخلية، قالت: نعم، أنا أعود وأقول في عملية الجمع نحن نجمع ونخطط في كل شيء أما في النشر نحن حريصون على أن ننشر بما يتناسب مع أمن الوطن، أمن حزب الله، وأمن المقاومة.
رعاية أمن المقاومة
وعندما سألنا من السيدة “رعد” هناك في سير بعض الشهداء مثل الشهيد راني بزّي، توجد قضايا خاصة، فمن ناحية الأمن كيف تتطرقون إلى هذا الموضوع؟، قالت: طبعاً هذا يعتمد على طريقة إظهار هذه المواد وكيف يظهرها الكاتب، وهناك أمور أمنية ممكن التحدث عنها، وهناك أمور لا يمكن التحدث عنها، فما يمكن التحدث عنه يُنشر، أما ما لا يُمكن التحدث عنه فسيأتي يوم ويمكننا أن نكتب عنه إن شاء الله، ونراعي الأمور لأن في عملية كتابة وتدوين التاريخ الشفهي والمذكرات يجب أن يراعي الكاتب الأمن القومي لوطنه، لبلده، لمجتمعه، ولمقاومته.
مواجهة الحرب الناعمة
فيما يتعلق بتوثيق وكتابة تاريخ شهداء المقاومة كيف يساعد جيل الشباب وحفظ التراث، خاصة في مواجهة الحرب الناعمة التي يشنها العدو، قالت مديرة الجمعية: أولاً عالم الشهداء هو عالم الإتصال بالغيب والملكوت، وجاذبية الشهداء والقراءة والمطالعة والكتابة عنهم لا يوجد في أي مكان آخر أو في عمل آخر جاذبية أعلى، ونحن بالتجربة كنّا نرى كيف يؤثرون على الجيل وخاصة على جيل الشباب، وحتى على الكبار الذين يتأثرون بالشهداء وقيمهم، وهناك شهداء لهم 17 سنة من العمر فقط، لا يستطيع لإنسان إلا أن ينحني لهم، وأنا أحياناً أنظر إلى نفسي، وأقول كم تجاوزت من العمر وهم مازالوا في 17 عاما، وأنا أتعلّم منهم الكثير.
منهجية كتابة سير الشهداء
وحول منهجية كتابة سير الشهداء، وإقامة دورات وورشات تدريبية قالت “رعد”: نحن عندنا دورات تدريب بشكل مستدام ونسعى لأن نطور إمكانيات الفريق الموجود لدينا، وطبعاً نحن نقدّم المادة بعدة قوالب، بقوالب توثيقية وبقوالب أدبية، والقالبان مهمان وجميلان وجيدان ولكل ذوقه الخاص.
نشر ثقافة المقاومة
وفيما يتعلق بنشر ثقافة المقاومة وتوثيق التاريخ عن طريق الكتابة والتأليف، قالت: أنا باعتقادي أن المجتمع متعطّش لأن يعرف تجارب المقاومة الإسلامية، وهناك جيل لا يعرف أي شيء عن المراحل الأولى للمقاومة الإسلامية فيجب أن يتعرّف، بما أنه متعطّش هذا الجيل، فلابد أن يجد في هذه الكتب التي نقوم بنشرها ما يريد معرفته، وهنا يقع الموضوع في كيفية الكتابة بطريقة شيقة تجعل القارئ يحب أن يقرأ ويتابع ويقرأ المزيد.
ترجمة الكتب إلى الفارسية
وحول ترجمة بعض الكتب ومنها كتاب “منتصر” إلى الفارسية قالت مديرة الجمعية: نعم هناك بعض الكتب تم ترجمتها إلى الفارسية منها: كتاب “العصا الرابعة”، و “مخرّب 5017” وهناك المزيد من الكتب الآن هي قيد الترجمة، وهناك تنسيق للعمل المشترك بين “حوزه هنري” والجمعية.
يد واحدة
وأخيراً قالت السيدة “رعد” ندعو الله سبحانه وتعالى أن يعيننا ويوفقنا ويسددنا لأن نتعلّم ونُظهر قيم الشهداء للمجتمع، وأن نكون نحن والجمهورية الإسلامية الإيرانية يداً واحدة وقلب واحد كما كنّا وروحاً واحدة في سبيل نصرة المظلومين وفي استكمال عمل السيدة زينب (س) والإمام زين العابدين (ع) بنقل سيرة كربلاء المقدسة ونحن ننقل هذا التاريخ إلى الأجيال القادمة إن شاء الله تعالى، اليوم تمكنا من الجهاد بقلمنا وإن شاء الله سنواصل الجهاد بمساعدة هذا القلم لتسجيل هذا التاريخ المجيد وهذا الإنجاز العظيم.