تتربع مدينة القدس المحتلة على عرش المدن التاريخية وأعرقها وأجملها، فهي تضم بين جنباتها الكثير من المعالم التاريخية والتراثية والعمرانية والدينية، وهذه كلها وغيرها، جعلها تتنافر تماما مع أي سلوك تقوم به سلطات الاحتلال الإسرائيلي غير طبيعي وطارئ على طبيعة تلك المدينة المقدسة، وهو ما يتجلى في “مسيرة الأعلام” المعاكسة لأي قيم إنسانية وتاريخية وحتى جمالية.
وبشكل فوضوي وعبثي مثير، جرى تنظيم “مسيرة الأعلام” أو “رقصة الأعلام” في قلب مدينة القدس المحتلة الخميس، بمشاركة العديد من المسؤولين الإسرائيليين بينهم وزراء ونواب، تحت حماية أجهزة الأمن الاحتلال الإسرائيلي وقواته العسكرية، والقناصة التي اعتلت أسوار القدس التاريخية.
القدس ذات طابع حضاري راسخ
وتم خلال المسيرة الاستفزازية التي سبقها حالة تأهب أمني قصوى واقتحام 1262 متطرفا للمسجد الأقصى، بينهم وزير ونواب في الكنيست الإسرائيلي، اعتداءات كبيرة على المواطنين المقدسيين والتهجم عليهم وإغلاق محالهم التجارية، وإطلاق شعارات عنصرية من مثل “الموت للعرب”، وسط حالة من الصخب والرقص والغناء والفوضى والغوغائية الكبيرة، التي تتنافي مع العراقة والحضارة التي تمثلها القدس المحتلة.
وأوضح الباحث والمحلل السياسي المختص في الشأن الإسرائيلي وشؤون القدس، صالح لطفي، أن “مسيرة الأعلام”، التي تقوم بها مجموعة من المدرسة “الصهيونية الدينية” منذ عام 1968، وهي لا علاقة لها بالشعائر الدينية اليهودية في جوهرها، وهي تهدف إلى تحقيق قضيتين أساسيتين تتعلقان بجوهر الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، ومن بعد الصراع العربي- الإسرائيلي”.
ولفت في حديثه لـ”عريي21″، إلى أن “القضية الأولى؛ تأكيد يهودية المدينة المقدسة، تلك التي خارج الأسوار وداخلها، وهذا كما يعلم الجميع، مناهض ومضاد للتاريخ والواقع، والثانية؛ تأكيد يهودية الدولة من حيث هويتها”.
وقال لطفي: “معلوم أن مدينة القدس وبالتحديد المدينة المقدسة داخل الأسوار، ذات طابع حضاري راسخ في التاريخ، يمتد إلى آلاف السنين، والهوية الإسلامية على مدار هذه القرون واضحة بامتياز في سلسلة من الأنبياء جاء ذكرهم في القرآن الكريم”.
ونوه إلى أن “المشهد في “مسيرة الأعلام” والحالة الغوغائية التي يتمتعون بها، التي لا علاقة لها بالقيم الحضارية والثقافية في جميع أصقاع الأرض، تشي بأن هذه المجموعة الشعبوية من الناس، وصلت إلى حدّ من الهذيان السياسي والعقلي، فضلا عن الهذيان الأخلاقي، فلا علاقة بالمطلق بين هذه المسيرات والقيم الحضارية التي تتمتع بها المدينة المقدسة الراسخة في التاريخ”.
وذكر الباحث، أن “الأبعاد الحضارية لمدينة القدس تؤسس ولا تزال، على منظومة من القيم والأخلاق والمكارم المرتبطة بالعقيدة الإسلامية، لذا وجدنا المسلمين على سبيل المثال لا الحصر، حافظوا على مقدسات الآخرين، في داخل البلدة القديمة وخارجها، وفي عموم الأرض المقدسة، وما تقوم به سوائب المحتلين وفي مقدمتهم هذه المجموعة من الفاشيين الإسرائيليين الجدد، الذين يغلفون فاشيتهم في أبعاد دينية المسيانية، هم في حقيقتهم مضادون للبعد الإنساني والديني والثقافي والحضاري”.
اقرأ أيضا:
عراقة القدس وغوغائية الاحتلال
وأضاف: “نحن في الحقيقة أمام مجموعة بشرية تسعى لفرض وجودها وسيطرتها وعبثيتها على المدينة المقدسة وعلى المسجد الأقصى المبارك، ولعل رفع الأعلام الإسرائيلية داخل المسجد الأقصى، جاء ليظهر بشكل واضح مدى غوغائية وعنجهية وصلف هؤلاء، وهذا يؤكدا أننا أمام مجموعة من عصابات العالم السفلي، التي تتغذى على الوجود السلطوي، وشاهدنا كيف أغلق الاحتلال أمس عشرات الشوارع والمناطق داخل القدس، وكيف اعتلى أسوار مدينة القدس (قوات وقناصة الاحتلال) وكيف اقتحموا الأقصى بغوغائية”.
وتابع المختص في الشأن الإسرائيلي وشؤون القدس: “حينما تكون هناك قوة عسكرية رابضة على الأرض تحمي منجزها الاحتلال الفاشي، هذا يؤكد أنه لا علاقة لها بثقافة ولا بقيم ولا أخلاق ولا بحضارة، إنما هي حالة كولونيالية طارئة ستنتهي كما سابقتها على الأرض”.
وفي نهاية حديثه، قال: “في سياق هذه القضية، ستكون مدينة القدس دائما وأبدا، مرتبطة بالسماء، راسخة في الأرض بوجود شعبنا الفلسطيني الحامي لها دائما”.
من جانبه، نبه أستاذ دراسات بيت المقدس ومسؤول الإعلام والعلاقات العامة السابق في باب الرحمة بالمسجد الأقصى، عبدالله معروف إلى أن “مسيرة الأعلام”، تحاول تغيير وجه المدينة المقدسة وتصويرها بأنها مدينة صهيونية، وأنها تقع تحت سيادة الاحتلال”.
وأوضح في حديثه، أن “هذه المسيرة؛ بشكلها ومكوناتها وخط سيرها، تصادم الصورة العامة التاريخية والثقافية للقدس ولا تنسجم معها مطلقا؛ لأنها تحاول أن تجعل القسم الغربي من المدينة الذي احتل عام 48، وهو الأوروبي الطابع والشكل؛ المرجعيةَ التي تنطلق منها هوية مدينة القدس المحتلة”.
ولفت معروف، إلى أن “مشاهد الرقص والأعلام والاعتداءات العنصرية ومظاهر العربدة التي يقوم بها المستوطنون خلال مسيرتهم في شوارع البلدة القديمة بالقدس، تعطي صورة مشوهة للقدس وتؤثر على قداسة هويتها الدينية والتاريخية”.
بدوره، أوضح الباحث في شؤون القدس عرفات محمد عمرو، أن “مسيرة الأعلام”، هي تهويدية بامتياز، تعبر بشكل واضح عن العقلية الصهيونية؛ الوحشية والبربرية، التي تتعامل فيها مع فلسطين؛ دولة وشعبنا ومقدسات”.
ونوه في حديثه لـ”عربي21″ إلى أن “هذه المسيرة، تظهر الوجه القبيح لحقيقة تعامل هؤلاء مع المدينة المقدسة بمن فيها، وهي مؤشر على عجزهم تقديم أي حقائق وشرعنة كيانهم المغتصب للقدس والأقصى وفلسطين، إضافة لمحاولة تضليل العالم حول هيكلهم المزعوم”.
ورأى عمرو، أن “هذه المسيرة الوحشية، هي مؤشر مهم على أن الكيان لن يعمر طويلا وهو في مراحله الأخيرة، فلا مسيراتهم ولا أعلامهم تعطيهم أي حق في هذه المدينة”
وذكر الباحث، أن “مسيرة الأعلام” تكشف ما عجزت عنه الرواية الفلسطينية فيما يتعلق باستراتيجية وخطط الحكومات الإسرائيلية المتطرفة العدوانية، حيال القدس والأقصى والشواهد الحضارية والتاريخية وضد المقدسات، وتؤكد أن هؤلاء ليس لهم أي حق تاريخي ولا تراثي ولا حضاري في القدس والأقصى، بل تثبت فاشية هذا المحتل المجرم، الذي يمارس القتل والإجرام والتهجير على أرضنا منذ النكبة والنكسة وحتى اليوم”.