مؤخراً، اعترف القائد العام لجيش الاحتلال الإسرائيليّ بأن الصراع “خطير” على عدة جبهات، وزعم قائد الأركان العامة للجيش في الكيان الإسرائيلي أن كيانه جاهز للصراع على عدة جبهات، لكن التصريحات أظهرت بوضوح أن نظام تل أبيب يأخذ على محمل الجد خطر نشوب صراع متزامن على عدة جبهات، حيث حذرت وسائل الإعلام ومراكز الدراسات العبرية الكيان الصهيوني قبل فترة، من أنه إذا بدأت أي حرب بين محور المقاومة والعدو الغاصب للأراضي العربية، فسيتم قصف آلاف الصواريخ إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة كل يوم، وجاءت تلك التحذيرات الجدية لتل أبيب، في ظل هجماتها وحملتها المسعورة على الفلسطينيين، وإثباتها بأنّها ليست أهلاً سوى للقتل والإجرام، وقد كشفت التجربة مع الاحتلال أنّ العدو الصهيونيّ القاتل لا يملك سوى بضعة تبريرات مخجلة ومكشوفة للتغطية على فشله وارتباكه في إدارة الأزمات، بيد أنّ المقاومة سجلت انتصارات عظيمة تبرهن على قوتها وثباتها في مواجهة هذا العدو العنصريّ.
خطرٌ كبير على “إسرائيل”
اعترف هرتسي هاليفي قائد هيئة الأركان العامة للكيان الصهيوني ضمناً بأن قلق العدو يتركّز على الصراع على عدة جبهات، وزعم أن تل أبيب جاهزة لحرب متزامنة على عدة جبهات، حيث أدلى رئيس الأركان العامة في جيش الكيان الإسرائيلي بهذه التصريحات في يوم الدراسة الذي أجرته قيادة الجبهة الشمالية للجيش الصهيونيّ على حزب الله واستعدادات الحزب لمواجهات مستقبلية محتملة مع الصهاينة، مع تأكيد مركز أبحاث الأمن الداخلي التابع للكيان الصهيوني قبل أسابيع، أن تل أبيب خوفا من المواجهة مع حزب الله، ألقت باللوم على الفصائل الفلسطينية في الهجوم الصاروخي من جنوب لبنان، مؤكداً أن الردع الإسرائيلي ضد حزب الله قد فشل، في الوقت الذي تحول فيه حزب الله اللبنانيّ إلى قوّة تملك من الجهوزية والحنكة السياسية، والقدرات العسكرية ما لم تمتلكه بعض الدول، وتأكيد العديد من الخبراء والمُختصين والمُحللين للشؤون العسكريّة في “إسرائيل” عن خشيتهم العارمة من أيّ حرب جديدة خشية الثمن الباهِظ، والدليل اعتراف خبراء وباحثين إسرائيليين في دراسة بحثية نشرها مركز دراسات الأمن الداخلي للعدو الصهيوني التابع لجامعة تل أبيب، بأن “إسرائيل” فقدت قوتها الرادعة ضد حزب الله وأن على صناع القرار في تل أبيب تبني استراتيجية مناسبة لاستعادة الردع الإسرائيلي قبل فوات الأوان.
“بالمقارنة مع الأساليب التي استخدمها الجيش الإسرائيلي خلال هجماته الأخيرة على غزة، لا يمكن بالضرورة تطبيق كل طريقة في الحرب ضد حزب الله في لبنان”، هذا ما قاله هاليفي الذي أشار إلى أنّ البرنامج المتعدد السنوات للجيش الإسرائيلي، كان زيادة الاستعداد والتدريب للحرب المتزامنة على عدة جبهات، وأضاف: “الأمور التي نشاهدها من تل أبيب حول التهديدات القادمة من جنوب لبنان لا تظهر بالضرورة من المناطق الحدودية”، بالتزامن مع إبلاغ كبار ضباط الجيش الصهيوني قادة الوحدات العسكرية بـ “التهديدات المتصورة” باحتمال اندلاع حرب متزامنة على جبهة غزة والجبهة الشمالية، وكتب موقع “والا”، نقلاً عن مصادر في قيادة الجبهة الشمالية للجيش الصهيوني، أن الهدف من هذا اليوم، المعروف باليوم الدراسي الذي شارك فيه هاليفي، هو التركيز والتأمل أكثر على القوات الخاصة لحزب الله ، بما في ذلك النخبة أي وحدة القوات (المعروفة باسم وحدة الرضوان) ودار النقاش حول استعدادات حزب الله لخوض حرب كبرى مع “إسرائيل”.
مع ارتفاع احتماليّة اندلاع مواجهة عسكريّة كبرى مع العدو الإسرائيليّ القاتل، يتنامى الرعب الإسرائيليّ من تنامي القوة الصاروخيّة لمحور المقاومة بشكل عام، في ظل التخوف الصهيونيّ الذي ينبع من استمرار تطوير مشروع الصواريخ الدقيقة للمقاومة، والذي يهدّد الجبهة الداخلية للكيان بصورة عامة، إضافة إلى منشآت استراتيجية صهيونيّة، وقد تحدثت مواقع عبريّة مراراً وتكراراً أنّ ترسانة المقاومة تحتوي على صواريخ وصفت بأنّها “التهديد الاستراتيجيّ” للكيان، وأن تل أبيب قبلت عملياً بهذا أمراً واقعاً.
ومع تصاعد قوة “محور المقاومة” بشكل لا يوصف في السنوات الأخيرة مع تحقيق انتصارات مهمة في مختلف النواحي، بدءاً من إيران ومروراً بالعراق وسوريا ولبنان وليس انتهاءً عند فلسطين واليمن، تعيش “إسرائيل” قلقاً عارماً على وجودها أكثر من أيّ زمن مضى بسبب ما يجري في المنطقة والداخل الفلسطينيّ، وخاصة عقب الأحداث الأخيرة على الساحة الفلسطينيّة والتي تركت الكيان المعتدي وآلته الاحتلاليّة العسكريّة في صدمة من نتائجها على مختلف المستويات بعد الرد الحازم للمقاومة الشبابيّة الفلسطينيّة.
كذلك، تزداد تلك التنبؤات بـ “حرب كبرى” في ظل الحكومة الجديدة للكيان الصهيوني برئاسة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وهذا مادفع كثيرين لتحذير تل أبيب من “أمطار الصواريخ”، مع استمرار إجرام وعنصريّة العدو الصهيونيّ الوحشيّ بحق الفلسطينيين وخطة “الإبادة الجماعيّة” التي تنتهجها تل أبيب بحقه، والتعدي السافر على مقدسات وممتلكات المدنيين الشخصيّة ومحاولة تهجيرهم قسريّاً لمصلحة المستوطنين، ناهيك عن التاريخ الإسرائيليّ الحافل بالقتل والدماء، لذلك فإن المواقف الجادة للمقاومة تدفعها لتكون جاهزة لمواجهة التحديات السياسية والأمنية.
وفي تقرير حول هذه التحذيرات، كتب معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي: يجب أن يستعد جيش المحتل للحرب على جبهتين (في إشارة إلى حزب الله اللبناني والجماعات الفلسطينية في غزة)؛ حرب يرجح وقوعها مع محور المقاومة ويمكن أن تؤدي إلى إطلاق آلاف الصواريخ بشكل يومي باتجاه الأراضي المحتلة، بالتزامن مع إشعال المنطقة بالحرائق، في لبنان أو سوريا أو العراق، فالمهم حماية “إسرائيل” بالنسبة لأمريكا والغرب، والتي تغيب القرارات الدوليّة بفرضها سياسة الأمر الواقع على الفلسطينيين واستباحتها للدم الفلسطينيّ والعربيّ وخرقها الفاضح لكل القوانيّن والمواثيق الدوليّة المتعلقة بحقوق الإنسان، إضافة إلى مخطط الضم امتداداً لعملية التوسع على حساب الأرض والحقوق الوطنيّة للشعب الفلسطينيّ الأعزل، في إصرار واضح من حكومة العدو على قتل آخر رمق للسلام الذي يتحدث عنه البعض.
إضافة إلى ذلك، قال المعهد البحثي: خلال الحرب، ستكون “إسرائيل” مستهدفة بقوة نيران غير مسبوقة من اتجاهات مختلفة وتقديرنا أن حزب الله سيطلق أكثر من 1000 صاروخ في اليوم، إضافة إلى العشرات أو المئات من الصواريخ الدقيقة والبعيدة المدى التي يمكن إرسالها إلينا من سوريا وربما من العراق، وإنّ الشعب الفلسطينيّ ومقاومو المنطقة جاهزون دوماً لصد أي مساعٍ إسرائيليّة لسلب حقوق أصحاب الأرض والمقدسات، باعتبار أنّ قوات العدو القاتل ماضية في حملتها الإجراميّة المنظمة لتهجير ما تبقى من أبناء الشعب الفلسطينيّ والعربي، ونهب أرضهم وممتلكاتهم ومنازلهم، إضافة إلى استماتة تل أبيب لتغيير معالم المدينة المقدسة وتهويدها، بهدف بسط السيطرة الصهيونيةّ الكاملة على المسجد الأقصى المبارك، والمقدسات التاريخيّة للشعب الفلسطينيّ.
لهذا، فإنّ التصعيد الإسرائيليّ ربما يفرز اشتعال “مقاومة شاملة” في فلسطين والمنطقة، لردع الكيان ولاستعادة الحقوق وتحرير الأرض والمقدسات، وإنّ انتفاضة الشعب الفلسطينيّ في الضفة الغربية التي أطلقتها مجموعات من الشبان الثائرة تصدياً للعدوان الصهيونيّ الهمجيّ على الأبرياء، أكّدت أنّ عمر هذا السرطان بات في الخواتيم، وإنّ المقاومة في منطقتنا حققت انتصارات كبيرة على “إسرائيل” وفرضت معادلاتها وغيّرت المحاور القتالية، بالاستناد إلى القوة العسكريّة بأبعادها المختلفة، وأحدثت وقعها وصخبها على المستوى المحليّ وعلى امتداد المنطقة، كما أن “إسرائيل” ليست قادرةً على حسم المعركة لا ضدّ حزب الله على الجبهة الشماليّة للأراضي الفلسطينة المحتلة، ولا ضدّ حركة المقاومة الإسلامية “حماس” في قطاع غزّة المحاصر، حتى تستطيع فرض قوتها على كامل محور المقاومة، وخاصة في ظل الخلافات الحادة بين الصهاينة.
حزب الله يؤرق الصهاينة
درست قيادة الجبهة الشمالية في الجيش الصهيوني خلال الفترة الماضية أنشطة حزب الله المختلفة في حالات الطوارئ والأوضاع العادية، وتعزيز قواتها على طول الحدود الجنوبية للبنان، وإقامة التحصينات والمواقع العسكرية في القرى، ونقل الذخيرة إلى المناطق الحدودية، وتحدثت عن الرد اللازم من الألوية النظامية والاحتياطية في الجيش الإسرائيلي، فيما يعتقد الخبراء أن قوة الردع الإسرائيلية ضد حزب الله تضررت وفشلت بشكل كبير، وخاصة في ظل الأزمة الداخلية التي وقع فيها الإسرائيليون.
كما تحدثت المعلومات عن الحاجة الملحة لتجنيد قوات الاحتياط والحفاظ على الكفاءة التشغيلية الكاملة للقوات، والاستعداد للمناورات البرية في عمق أراضي العدو، في ظل هجمات بالصواريخ المضادة للدبابات وقذائف الهاون في نفس وقت إطلاق الصواريخ على الجبهة الداخلية، وخاصة أن أحد أهم مخاوف الكيان الإسرائيلي هو التنشيط المتزامن لعدة جبهات ضده، أي الجبهة الشمالية والجبهة السورية وجبهة قطاع غزة وغيرها من الجبهات، والتي إذا تم تفعيلها في نفس الوقت والتوتر الداخلي في مناطق مثل الضفة الغربية، بمعنى آخر إن دخول المقاومة في حرب من الخارج يمكن أن يوجه ضربة قاتلة لهذا العدو.
وبما أنّ المقاومة اللبنانيّة المتمثلة في “حزب الله” حققت انتصارات كبيرة على “إسرائيل” وفرضت معادلاتها وغيّرت المحاور القتالية، بالاستناد إلى القوة العسكريّة بأبعادها العقائدية والماديّة، وأحدثت وقعها وصخبها على المستوى المحليّ وعلى امتداد المنطقة، فإن “إسرائيل” ليست قادرةً على حسم المعركة ضدّ حزب الله، وذلك بالاستناد إلى أن قدرات حزب الله شهدت نقلة نوعية كبيرة على الصعيد العسكري، إذ زادت ترسانته من الأسلحة من نحو 33 ألف صاروخ وقذيفة قبل حرب 2006 إلى ما يقدر بـ150 ألف صاروخ حسب بعض التقديرات، ومنها تقدير مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية، وكذلك الإعلام الاسرائيلي ومسؤوليه، وقد زاد عدد مقاوميه من بضعة آلاف عام 2006 إلى أكثر من عشرين الفاً إبان الحرب حسب التقديرات نفسها، بات العدو يضع سيناريو يُرجّحه للحرب المقبلة في لبنان، وهو ثلاثمئة قتيل إسرائيليّ خلال تسعة أيام، وليس هذا فحسب بل تتوّقع تل أبيب أنْ يُطلق ما معدّله 1500 صاروخ يوميًا من لبنان، كما عسكريون صهاينة في وقت سابق.
ويشار إلى أن قوة المقاومة اللبنانية العسكرية تستند على كمية ونوعية الصواريخ التي يمتلكها حزب الله، وتستخدم استراتيجية الحزب عادةً القذائف والصواريخ كأسلحة هجومية، بالإضافة إلى وحدات المشاة الخفيفة والدروع المضادة للدروع، فضلاً عن الطائرات المسيّرة، وتظهر الدراسة الجديدة مدى تأثير حزب الله على الكيان، الذي ما يزال هاجسه كما كان في السابق، أيْ نفس الهاجس، الذي يقُضّ مضاجع الإسرائيليين، قيادةً ومستوطنين.
ومن الجدير بالذكر أن حزب الله يمتلك كميات كبيرة من الصواريخ المضادة للطائرات والقذائف المضادة للسفن، فضلًا عن آلاف من القذائف المضادة للدبابات التي يتمتع عناصره بمهارات في استخدامها، وتشمل نقاط القوة التكتيكية لحزب الله التغطية والإخفاء، والنيران المباشرة، وإعداد المواقع القتالية، فيما ترجح تقديرات العدو أن لدى المقاومة اللبنانية 45000 صاروخ قصيرة المدى تصل إلى 40 كم، من دون قذائف الهاون التي يمتلكها التنظيم إلى جانب 80000 صاروخ متوسط وطويل المدى يتميز بدقته، وفقاً لتقارير إعلاميّة.
يتساءل الإسرائيليلون حاليّاً عن كيفية دفع معادلة الردع لدى حزب الله الاحتلال الإسرائيلي إلى الوراء، مع تأكيد مسؤولين صهاينة أن قوة الردع الإسرائيلية تضررت، وحسب التقرير الصادر عن مركز أبحاث الأمن الداخلي الصهيوني، يعتبر حزب الله اليوم رأس الحربة الرئيسي للمقاومة التي تشكل تهديداً استراتيجياً ضد إسرائيل، وقد سجل حزب الله خلال العامين الماضيين عدة إنجازات، منها منع تحليق الطائرات الإسرائيلية في الأجواء اللبنانية، وتوسيع نطاق المقاومة في الشريط الحدودي مع فلسطين المحتلة، والصراع مع جيش العدو الإسرائيلي على الجبهة الشمالية.