مقاعد الدراسة وحلم تحقيق الذات...

تجارب عابرة للعمر في تونس

لم تنتهِ الحياة بالنسبة إلى نازك عند الطلاق، وإنما عملت في عدد من المهن، ووضع القدر أمامها مهنة الصحافة، ثم قررت لاحقا التخصص بها عبر دخول معهد الصحافة وعلوم الأخبار

2023-05-20

لا شيء يُثني الإنسان عن تحقيق أحلامه ومواصلة مسيرته الدراسية.لقد أثبتت عدة تجارب قدرة الحالمين والطامحين على النجاح وتحدي الصعوبات، بما في ذلك حاجز السن ونظرة المجتمع. قصص حقيقية، قرر أصحابها تحدي العمر، وإكمال تحصيلهم الدراسي، و”الانتقام” لأحلامهم التي ظل تحقيقها مؤجلاً، ولو بعد حين.

بدأت قصة نازك (52 عاماً) عندما صمّمت على الحصول على الإجازة في الصحافة، بعد أن امتهنتها من دون إكمال دراستها الأكاديمية فيها. تروي تفاصيل قصتها  بابتسامة وفخر، وتقول إن الأمر “كان تحدّياً للظروف الاجتماعية بحُكم السن والوضع الاجتماعي، وخصوصاً أنني مطلقة وأم لولد وفتاة، كانا يجتازان امتحان البكالوريا عند حصولي على شهادة الإجازة في الصحافة، وشعرت بأني قصّرت تجاههما مادياً في تلك الفترة”.

تقول نازك إن العادات والتقاليد أجبرتها على الزواج، وقضت على طموحها حينها، إذ كانت طالبة  في تخصص الفلسفة، لكن الحَمْل والأمومة وكثرة المشاكل العائلية حالت دون مواصلتها تعليمها الجامعي.

لم تنتهِ الحياة بالنسبة إلى نازك عند الطلاق، وإنما عملت في عدد من المهن، ووضع القدر أمامها مهنة الصحافة، ثم قررت لاحقا التخصص بها عبر دخول معهد الصحافة وعلوم الأخبار .

وتصف شعورها آنذاك، فتقول أنه كان شعوراً غير عادي، يغلب عليه الفرح، وخصوصاً أنها لم تصدق عودتها إلى مقاعد الدراسة، ثم التخرج لاحقاً. و تشرح فرحتها بذلك قائلة: “أحسست بقيمتي كإنسان وكيان في المجتمع. وتزامنا مع اجتيازي الإجازة في الصحافة،  كانت ابنتي وابني أيضاً يجتازان امتحان البكالوريا”.

لم تشعر نازك بفارق السن بينها وبين زملائها، بل كانت، على العكس تماماً، تحسّ بأنها تصغرهم، على رغم عدم قبول زملائها وجودها أول الأمر في قاعة الدراسة نفسها، وتعرّضت، في البداية، لمضايقات كثيرة منهم، حتى إن كلامها كان أحياناً مدعاة لضحكهم وسخريتهم.، قبل أن يصبح  لديها أصدقاء كثر في الحرم الجامعي.

ليس من السهل إقناع المجتمع بفكرة العودة إلى الدراسة بعد تجاوز العقد الثالث من العمر. وهنا، تذكّر حادثة نازك كيف وجه إليها أحد الأساتذة اللوم على جلوسها في مقاعد الدراسة مع من هم أصغر سناً منها، وهو ما عدّه تصرفاً لا يليق بها.

وأكدت نازك  أنه توجد أشياء في الحياة لا يمكن تعويضها، أو الحصول عليها عن طريق المال أو غيره، منها تحقيق الذات والنجاح الأكاديمي، “لذلك، أكملتُ دراسة الماجستير، وسافرت إلى أميركا، علماً بأنني لم أكن في السابق أطمح إلى السفر أبداً”.

لم تكتفِ نازك بالحصول على الإجازة والماجستير في اختصاص الصحافة، إذ تم قبولها في كلية الحقوق والعلوم القانونية في تونس بعد رفض ملفها طوال ثلاثة أعوام متتالية، لكنّ ذلك لم يُثنِها أيضاً عن المضي قدماً ومحاولة تحقيق حلم الصِّغَر لديها بأن تصبح قاضية.

في تونس، يسمح القانون لأي مواطن تونسي بأن يسجل في أي مرحلة من مراحل التعليم مجاناً، وأن يواصل الدراسة إلى حين نيل الشهادة. وتطوّرت القوانين الخاصة بالتعليم خلال القرنين الماضيين، إلى درجة أصبح فيها الراغب في التعلم الجامعي لا يعوّقه عمر أو مال أو عمل.

لذلك، فإن نازك ليست حالة نادرة،  فلقد عاد  رشاد  (52 عاماً) إلى مقاعد الدراسة بعد أن هجرها خوفاً من البطالة. ويقول إن من حسن الحظ أن التعليم في المدارس والجامعات الحكومية لا يضع قيوداً على أساس السن أو العرق أو الجنس أو اللون، و”إنما على العكس تماماً، فلا يوجد تمييز أو فوارق بين الطلبة”.

يروي رشاد قصته، فيقول: “في عام 2014، عدت إلى مقاعد الدراسة، وأنا في الثالثة والأربعين من العمر، بعد 19 عاماً من مغادرتها. ثم التحقت بسلك التعليم، وعندما سنحت الفرصة، عدت إلى الجامعة من أجل إكمال مرحلة الماجستير”.

أتم رشاد  دراسة ماجستير في الحضارة. وعلى الرغم مما كابده من صعوبات في التنقل من محافظته في الشمال الغربي التونسي  إلى الجامعة، التي تقع في العاصمة، فإنه أصر على التوفيق بين التزاماته الدراسية  والمهنبة والعائلية.

ويقول رشاد: “لقد وجدت التشجيع من الزملاء والأساتذة في الجامعة، وحتى من زملائي في العمل، ومن عائلتي”، وذا أمر يدل، بحسب رأيه، على تقدير التونسيين قيمة الشهادات العلمية.

من جانب آخر، يلفت إلى أن من الطرائف أن ابنتيه كانتا رافضتين عودته إلى الدراسة بسبب سنه، لكنه حاول أن يشرح لهما أن التعليم لا يخضع للعمر، وأن في إمكان الإنسان تحقيق أحلامه وإكمال تعليمه متى كانت ظروفه مواتية لذلك.

أمّا منية (55 عاماً) فقالت إن حصولها، في عمر متأخر، على درجة الماجستير، ساعدها على الترقية المهنية، وشعرت بكثير من التقدير من زوجها وابنتها، وأن تلك الشهادة العلمية جعلتها مصدر فخر لعائلتها.

أمّا في عملها، فإن كل السخرية منها بسبب إكمالها دراستها الجامعية تغيرت بصورة جذرية بعد حصولها على درجة الماجستير وترقيتها المهنية، وبدأت تتلقّى التقدير والإعجاب نتيجة ما أقدمت عليه، على رغم تقدمها في العمر.

 

المصدر: وكالات