عبير شمص
مع انتخاب أمين الجميل رئيساً للجمهورية اللبنانية بعد وصول قوات الاحتلال الصهيوني إلى العاصمة بيروت، سرعان ما شرع في مفاوضات مع الإسرائيليين عام 1983 م ونتج عنها اتفاق 17 أيار / مايو 1983م الذي كان إعادة رسم للميثاق الوطني والدستور اللبناني. كان الاتفاق خروجاً شبه رسمي للبنان من الجامعة العربيّة، وهو ذهبَ أبعد من اتفاق السلام المصري-الإسرائيلي بكثير. من دون مبالغة، لقد اعتنق لبنان الرسمي الصهيونية عبر الاتفاقيّة وقبول توقيعها.
لقد شكل هذا الإتفاق وصمة عار على جبين القوى المتعاملة مع العدو سيّما تلك التي استخدمت الاجتياح الصهيوني لبلادنا كذريعة لتحاول إحكام سيطرتها على كل الوطن، تمهيداً للقيام بتطهير عرقي وتحويل لبنان إلى قاعدة متقدمة للاستعمار الاجنبي .وقد اعترض الوطنيون والمؤمنون اللبنانيون على الإتفاقية في الشارع ، ولم يكن رفضهم قائم فقط بالاستناد إلى موادَّ قانونيّة، بل لرفضهم أساس وجود “إسرائيل” ورفض إعطائها الشّرعيَّة، وكذلك كان الإعتراض للإتفاقية من داخل المجلس النيابي من نائبين فقط هما النائب نجاح واكيم والنائب السابق زاهر الخطيب الأمين العام لرابطة الشغيلة الذي تحدث لصحيفة الوفاق في لقاء خاص عن اتفاق 17 أيار، والذهاب إلى الطائف، وكيف تعرض للتهديد، وهذا نص الحوار :
كيف كانت الأوضاع السياسية والاجتماعية في لبنان والمنطقة ما قبل وفي فترة توقيع الإتفاق ؟
بدايةً السلام وتحية إجلال لإيران وشعبها، عندما اشتدت الحرب الأهلية في لبنان وصار الأخ يقتل أخاه، أصبح كل لبنان خطوط تماس منتشرة، ولم يكن الانشطار والتمزق والإنقسام بين المنطقة الشرقية والمنطقة الغربية لمدينة بيروت، بل كان كل لبنان خطوط تماس بين البيت الواحد كان الجوع العطش التفجير التهجير كل هذه الأمور كنا نعيشها، والملفت هنا هذا الشعب الذي يعيش في ظل هذه الظروف المأساوية والحرب العبثية، تجدون نساءه يحاربن العدو الصهيوني المجرم بالزيت المغلي، ويرشقه أطفاله بالحجارة، ويواجه شبابه بصدورهم، وتزغرد أمهات الشهداء فيه عند استشهاد إبنها، بلد تجد الشهيد فيه إلى جانب الشهيدة، هنا تحققت المساواة بالدم بين الرجل والمرأة، تلك المرأة التي يعتقدون عن جهل أنها دون الرجل، كانت تبتسم وهي أسيرة مكبلة بسلاسل العدو الصهيوني واحتلاله، لذلك نحن نفخر بقدرة هذا الشعب وقوته في مثل هذه الظروف على القيام بإنتفاضة عرفت بانتفاضة شباط ، والتي اجتمعت قواه المختلفة من هيئات نسائية إلى هيئات دينية وقوى وطنية في ملجأ المبنى الذي كنت أسكنه مع الرئيس نبيه بري قبل أن يصبح رئيساً لمجلس النواب اللبناني، لتتخذ هذه القوى مجتمعةً قرارها بمجابهة والتصدي للعدو الصهيوني و، شاركت كل القوى في التصدي ولا نستثني أحداً منها، وسقط منا شهداء على خط المتحف (خط تماس فاصل بين بيروت الشرقية وبيروت الغربية)، وواجهنا العدو الصهيوني في مختلف الساحات، وكانت البداية مع عملية الويمبي الشهيرة في شارع الحمرا مع الشهيد خالد علوان في أيلول / سبتمبر 1982 م والتي قُتل فيها ضابطين إسرائيليين كانوا يحتسون القهوة في المقهى، وتحتفل الحركة الوطنية سنوياً بذكرى هذه العملية، فتقطع الطرقات في شارع الحمرا وتُلقى الخطابات وتُجدد هذه القوى العهد بالوفاء لدماء هؤلاء الشهداء الذين دشنوا القتال والمقاومة ضد العدو الصهيوني.
ما هو اتفاق السابع عشر من أيار/ مايو بين لبنان والعدو الصهيوني وما وجه وسبب إعتراضكم عليه؟
بالنسبة لرفضي لمّا عُرف باتفاق الذل والعار في حينه أي بتاريخ 13/6/ 1983م، حضرت جلسة مجلس النواب وفي حينها كنت محصناً بالمرجعيات الثقافية التي عملت على تربية نفسي بها وهي مرجعياتٍ ثلاث. المرجعية الأولى مرجعية فلسفية ومعرفية، المرجعية الثانية هي مرجعية أخلاقية وقيمية ودينية، أمّا المرجعية الثالثة فهي مرجعية فنية جمالية رياضية أدبية. بهذه الأبعاد الثلاثة تناولت ما كان مطروحاً على اللبنانيين، هذا فيما يختص بهذا الجانب أمّا فيما يختص بنقاش الإتفاقية داخل مجلس النواب اللبناني فقد عُرض في جلسات سرية في مجلس النواب اللبناني برئاسة كامل الأسعد، الذي كان على تواصل مع السفير الأميركي لدى لبنان، انقسم النواب في المجلس إلى ثلاثة أقسام، وفي 14 حزيران/يونيو 1983، ثم صدّق مجلس النواب اللبناني على مشروع القانون الذي يجيز للحكومة إبرام اتّفاق 17 أيار مع “إسرائيل” بأكثرية 65 صوتاً، وامتناع 4، ومعارضة نائبَين، أبرز من صدق على الإتفاقية كانوا كميل شمعون رئيس الجمهورية الأسبق المتعامل مع العدو الصهيوني، رفيق شاهين محمود عمار حميد دكروب والرئيس السابق رينيه معوّض كان من النواب الذين وافقوا على إبرام اتّفاق 17 أيّار، واليوم إبنه ميشال معوّض مرشّح لرئاسة الجمهورية اللبنانية”. وصائب سلام والياس الهراوي الذي أصبح رئيساً للجمهورية اللبنانية بعد اتفاق الطائف، وقد عارضت الاتفاق أنا والنائب نجاح واكيم وامتنع عدد من النواب، الاتفاقية تحدد مصير لبنان وهناك من امتنع وبقى على الحياد، ما بين الحقّ والباطل، وهم عبد الجيد الرافعي رشيد الصلح ألبير منصور وحسين الحسيني الذي كان رئيساً لمجلس النواب في الطائف، أمّا من تغيب عن حضور الجلسة فهؤلاء على الأقل رفضوا المساهمة في تشكيل النصاب القانوني الضروري لإنعقاد الجلسة، ولم يقبلوا بحمل هذا العار طيلة حياتهم ومنهم رشيد كرامي وريمون اده الذي قال”احضروا لي حذاء جندي صهيوني قتلتموه أنتم حتى أعرف بكم كدولة”، يقصد الحكم اللبناني في حينه، هذا بعض من العناوين الكبرى لمّا جرى في اتفاق الذل والعار الذي عُرف بالاتفاق الأميركي الصهيوني، ولم يكن اتفاقاً بين لبنان و”إسرائيل”، لأنّه كان اتّفاقاً أمنياً”.
أمّا عشيّة جلسة التصويت على مشروع القانون لإبرام اتّفاق 17 أيّار، فلقد وصلني تهديد من المدير العام للأمن العام، زاهي البستاني، وهو شقيق النائب ناجي البستاني. لقد أرسل إلي أحد أقربائي من بلدة مزبود، ليقول لي لا داعي لمعارضة اتّفاق 17 أيّار، لأنّه سيمرّ رغماً عني”.إنّ عدم الوقوف ضد اتّفاق 17 أيار وعدم رفضه هما بمثابة الانتحار السياسي، لقد وافقت كل الدول العربية، باستثناء سوريا، على الإتفاق. قال الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد لرئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري إنّه كان مقصِّراً معي، لأنّه لم يوفّر لي الحماية اللازمة في أثناء محاولة تمرير اتفاق 17 أيار”.
هل يمكننا قانوناً اعتبار الإتفاق في الأساس قابلاً للإبطال، خاصًة لانه أُبرَم في ظلّ الاحتلال؟
قبل عقد الإتفاق كانت العلاقة بين الكتائب والعدو الإسرائيلي كانت علاقة تحالف بُغية أن يأتي بشير الجميل رئيساً للجمهورية ويعقد الصلح مع العدو الإسرائيلي، لقد استندت إلى دراسات قانونية للدكتور “محمد المجذوب” و”غيث” والذين هم من كبار القانونيين لإظهار عدم قانونية هذا الإتفاق، وكذلك موريس الجميل الذي ينتمي لعائلة الجميل وكان ضد الصلح مع العدو الصهيوني أشار في كراس له مكتوب بعنوان” سياسة النعامة التي يلجأ إليها لبنان” يقول فيه :” عُقد المؤتمر الصهيوني الأول برئاسة ” هرتزل” وطرح في حينه ضرورة عقد صلح مع إسرائيل كي لا تتوحد الأمة، ومن حينها بدأت المؤامرة عندما دعا رئيس مجلس الوزراء البريطاني الدول الأوروبية السبع وقال لهم أن هذه الأمة تمتلك أرضاً إسمها فلسطين وعندها طموحات مشتركة ولغة مشتركة ودين مشترك وبالتالي إذا توحدت واستقرت ستنهض، وإذا نهضت الأمة ترمون جميعكم، والجدير ذكره أنّ الرئيس أمين الجميل وكل رؤساء حزب الكتائب اللبنانية وحتى النائب الحالي سامي الجميل أعلن بأننا اضطررنا التسلح من إسرائيل لنجابه الفلسطينيين الذين يحتلون لبنان، هو اعتبر الفلسطينيين محتلين واعتبر سوريا محتلة، إلى هذه الدرجة وصل به الأمر. والآن يقول عنا تابعين لإيران وأنّ حزب الله يتلقى أوامر من إيران علماً أن إيران لا تتدخل لا من قريب ولا من بعيد بالسياسة اللبنانية.
ما كانت أهداف مشاركتكم في مؤتمر الطائف في المملكة العربية السعودية؟
ذهبنا إلى الطائف بعد أن تحوّل لبنان إلى خطوط تماس وتواجَه الإخوة فيما بينهم، أكدت في خطابي في الطائف وقتها على ضرورة الإلغاء الفوري للطائفية، لكن اعترض بعضهم على ذلك، .كما أعلنت أننا أتينا إلى الطائف لتحرير لبنان من العدو الصهيوني وللمطالبة بإنهاء الحرب العبثية ولتجنب الحروب في الداخل، لقد جاهدت وصابرت في حواري هناك، لأنه لم يكن يجوز الخروج من الطائف وانتهاء المؤتمر من دون الوصول إلى حل، وهددنا هناك أنه من يريد الحرب فنحن لها نحن مع المقاومة ومستعدون لبذل دماءنا من أجلها، ولكن نحن أتينا إلى الطائف لنمد أيدينا للجميع وننهي هذه الحرب .
وأختم بالقول بأن ّ كانت الجلسات سرية ولكني رفضت ذلك، و(وزبر الخارجية السعودي الراحل) سعود الفيصل قال لي إنّ الملك السعودي يريد أن تكون الجلسات سرية، ولكن بعد تهديدي بإفصاح جلسات الطائف في مؤتمر صحافي، وعدني الملك السعودي بتسليمي كلّ محاضر الجلسات. وهذا ما حصل بعد أشهر على اتّفاق الطائف، أرسل الملك السعودي محاضر اتّفاق الطائف إلى منزلي وهي الآن في حوزتي.
هذا ويهمنا أن نشير إلى ردود الفعل على الإتفاقية سياسياً وشعبياً ، فلقد ثارت ردود فعل غاضبة ضد محاولة الصلح مع العدو الإسرائيلي، فوصف رئيس حركة “أمل” – رئيس مجلس النواب حالياً – الأستاذ نبيه بري المعاهدة بـ”اتفاقية الذّل والعار”، مؤكداً أن هذا الاتفاق ولد ميتاً، كما رفضت جبهة الانقاذ الوطني الاتفاق، وكانت تضم سليمان فرنجية ورشيد كرامي ونبيه بري ووليد جنبلاط، في وقت أكد الرئيس السوري – آنذاك – حافظ الأسد أنّ هذا الاتفاق لن يمر. وكذلك أعلن سماحة السيد محمد حسين فضل الله (رحمه الله) رفضه للإتفاقية قائلاً:” إنَّ المؤمنين لم يرفضوا اتّفاق 17 أيّار استناداً إلى موادَّ قانونيّة، بل لرفضهم أساس وجود إسرائيل ورفض إعطائها الشّرعيَّة، لافتاً إلى أنّ تحرّكهم ضدّ هذا الاتّفاق، جعل الآخرين يدركون أنَّ هناك وعياً جديداً وقوّةً جديدة قد انطلق في السَّاحة…
كذلك أعلنت المقاومة الاسلامية التي هدرت بصراخات مجاهديها في أودية الجنوب والبقاع الغربي أعلنت رفضها لهذا الاتفاق، وجرت اعتصامات شعبية عارمة في الحسينيات والمساجد في القرى الجنوبية وفي بيروت، ومنها الاعتصام الذي دعا اليه تجمع العلماء المسلمين في لبنان في مسجد الإمام الرضا (ع) في بئر العبد، حيث أقيم مهرجان خطابي سياسي انطلقت على أثره مسيرة شعبية عارمة بقيادة العلماء رافعة شعار “فليسقط اتفاق الذل اتفاق 17 أيار” فتصدى لها الجيش الفئوي يومها، واطلقت العناصر الأمنية المسلحة النار مباشرة على المتظاهرين العزّل، ما أدى إلى استشهاد الشاب محمد نجدي وجرح عدد آخر، واندلعت على إثر هذه المواجهة تظاهرات شعبية المناطق اللبنانية كافة، مترافقة مع تحركات عسكرية على بعض المحاور وانطلقت انتفاضة 6 شباط 1984 في بيروت حيث سيطرت القوى الرافضة للإتفاق على القسم الغربي من العاصمة. مّا أدى إلى تشكيل حالة ضاغطة تم على إثرها إسقاط الاتفاق في تصويت جرى في المجلس النيابي البناني بتاريخ الخامس من آذار في العام 1984م.