للكاتب اللبناني عباس بيضون

رواية.. حائط خامس

تصدر قريباً عن "دار هاشيت أنطوان – نوفل"، رواية الكاتب اللبنانيّ عبّاس بيضون "حائط خامس".

تجتمع في الرواية ثلاثة أصوات، الأوّل، صوت الشيخ عبد الرحمن العائد من النجف إلى جنوب لبنان، والثاني لصديقه أنطوان، الشاعر والباحث عن هويّته بين القرية والمدينة، وبين أصله البروتستانتيّ من جهة وميله إلى الوجوديّة من جهة أخرى. وبينهما صوت ثالث، غريس، الّتي تحبّهما، وتحتار في الاختيار بينهما. تدور الأحداث في لبنان أواخر السبعينات، تحديداً في قرية تسمّى “واصل”، عاش فيها المسلمون والمسيحيّون جنباً إلى جنب لوقت طويل، قبل أن ترتفع بينهم جدران الحرب فجأة. تحضر ويلات الحرب الأهليّة اللبنانيّة بكثافة، ولكن من زاوية شخصيّة، وعبر قصص شخصيّة، لأبطال فضّلوا أن يخوضوا معاركهم الخاصّة، على هامش الحرب الكبيرة، ونذكر قسم من الرواية فيما يلي.

غريس

في طفولتي كنت أبتئس لفكرة الفراق الأبديّ عن أيّ شيء، ولو عن سيجارة، لكنّ الفراقات الحقيقيّة الّتي حدثت في ما بعد، تقبّلتها على أنّها أمور طبيعيّة، ولم ألبث أن تناسيتها. لم تعد جروحاً. الأفكار تخيفني أكثر من الأحداث. الأفكار تعذّبني أكثر من الوقائع. تلك تنتهي بوقوعها، أمّا الأفكار فتملك حياةً أطول وتبقى إلى الأبد. أظنّ أنّ رجال الدين، مثل أبي، يصارعون الأبديّة، ليس الموت العاديّ الّذي يشبه العيش، لكنْ موتاً آخر جارفاً ونهائيّاً. موتاً يسبق الحياة ويصادرها قبل أن تطلع وتنمو. الأفكار وحدها الّتي تقتل، وحدها الّتي تملك مفاتيح الأبديّة، حين تطبق الأبديّة على العالم والحياة وتجعل منهما فكرة ميّتة.