خاص الوفاق/ إدريس هاني:بعض الغربيين مايطّلعون على علل الشرائع عند الإسلام فبالتالي يُنكرونه

أقيمت ندوة إلكترونية برعاية المعاونية للشؤون الدولية لبعثة الحج والزيارة الإيرانية يوم الخميس الماضي وشارك فيها الجامعيون والخبراء من مختلف الجنسيات والبلدان وناقشوا فيها زوايا إجتماعيةوروحية وسياسية للحج.

2023-05-27

قال فيها الفيلسوف المغربي الدكتور إدريس هاني:  يجب علينا أن نناقش موضوع الحج من ناحية علل الشرائع بإعتبار أنّ هناك مقاصد وهي جوهر الأحكام. إنّ الحج فيه أمور تُوصل مابين الأرض والسماء حيث فيه الكثير من الأبعاد الروحية والإجتماعية وغيرهما وجعل الله فيه منافع للناس. معنى المنافع هنا أنّ الله أعطى الإسلام كل مايصلح للحياة الواقعية خلافاً لمن ذهبوا إلى قراءة الإسلام وفقهه قراءة جامدة لعلّنا نتذكّر ماكس فيبر حينما كان يبحث في أنّه لماذا ظهرت الرأسمالية في العالم المسيحي بعد مايُسمّيه بالإصلاح الديني والبيروتستانتية وقدّم أبحاثاً ميدانيةً في هذا المجال وقال بأنّ الإسلام يُشجّع على السحر لأنّه بخلاف الحداثة التي عرّفها وهي أنّ الحداثة نزع السحرية عن العالم. لكن نحن نرى في الحج وهي من أعظم الشعائر الإسلامية ومن أركانه أنّ هذه الفرضية تُعطي المجتمع مساحة كبيرة للحصول على المنافع وإنشاء العلاقات الإجتماعية والعلاقات الأممية وبالتالي ما ينعكس على المنافع وعلى الإقتصاد. الإسلام هو الذي نزع الساحرية عن العالم وإنّما هو عبارة عن الإبتهاج للعالم وبالفعل إذا أخذنا الإبتهاج بمعناه الإيجابي فالإسلام ينشر الإبتهاج حتى المعاملات الإقتصادية.

وتابع: الحج شعيرة تشمل كلّ شيئ في الإسلام من العلاقة بين العبد والله سبحانه والعلاقات البشرية والإجتماعية. هذه الشعيرة جامعة لجميع التعاليم الإسلامية وتُلخّص فلسفة الإسلام وبقدرما نذهب بإتجاه السماء ونسعى لتقوية الروح فبشكل مباشر نزيد من علاقاتنا المجتمعية وغيرها.

هناك منافع أخرى كثيرة جدا تُوجد في الحج كما جاء في الآية القرآنية “وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُ”. البعض قد تحدّثوا في الغرب عن أنّه الإسلام جامد ولكن لو إطّلعوا على تأليفات الفقهاء المسلمين سيدركون أنّهم يجب أن يكونوا واقعيين في قراءتهم للإسلام فإنّ الإسلام دين يقود الحياة والمجتمع كما يعرّف الشيخ الأنصاري الكبير الدين الإسلامي والأحكام الإسلامية بأنه جاء ليقود الإسلام وحتى هو عرّفَ البيع والمعاملات تعريفاً عُرفياً وليس تعريفاً سحرياً وخارج عن مفهوم التعاقدات ومباني العقلاء. ضعف معرفة هؤلاء الأشخاص بالنسبة للإسلام يعود إلى عدم إطلاعهم على علل الشرائع ومايتعلق بفلسفة الأحكام الدينية ومقاصدها.

مقاصد الحج كثيرة ومركّبة فهناك مقاصدها قد تكون نفسية وبعضا روحية وحضارية وإجتماعية وتجارية.

وِأشار إلى البعد النفسي للحج قائلاً: من الناحية النفسية والروحية تعلمون أنّ أحكام الحج كلّها تجعل المكلّف بالحج أن يتجرّد من كلّ شيئ وهذه محطّة تؤكّد على خروج الإنسان من هذه الأعمال الروتينية التي تعوّد عليها بحيث يتحرّر من التعلقات الدنيوية فبالنتيجة أنّ الحج يجعل الإنسان أن يشعر بأنّه هو أكبر من الوسائل والأشياء التي يصنعها وهو الذي يؤسسها وعلم أنّ الإنسان مُعرَّض لما سُمّي بالإستلاب حتى من قبل الأشياء التي هو يُدريها في الحياة اليومية.

الحج جاء لتحرير الإنسان ولتذكيره بأنه يستطيع أن يتحرّر من كلّ العادات التي هو سببها وفي هذه الشعير نرى أنّ الإنسان من جميع الجهات منها اللباس وأسلوب المعاملة و.. يتجرّد من الحياة الروتينية.

هناك شروط  في صحّة الحج وُضعت من قبل الإسلام كي يشعر الإنسان ولو كان في أرقى مكانة مالية وإجتماعية  لأنّ يتجرّد من كلّ ما يتعلّق به  من الشؤون الروتينية والعلاقات السابقة وهذا من أهمّ الأبعاد النفسية للحج وهذا ما يساعد الإنسان أن ينتصر على نفسه ويُحرّر نفسه من أشياء أحاطت به.

وفي إشارة إلى المقاصد الإجتماعية للحج قال: وهناك مقاصد إجتماعية في الحج فالأحكام الشرعية تنهى عن الرفث والفسوق والجدال في الحج بمعنى الحج عمل تربويّ لحجيج ليتعارفوا على أساس شروط أخلاقية وعالية وهناك مقاصد تجارية للحج بأنّ الحجيج في عنفوان صعودهم الروحي يجب أن لاينسوا أيضاً مصالحهم المشروعة فالإسلام لايجعل المصالح المشروعة شيئاً محرّماً حيث يلاقول بأنّ المسلم حينما يشتغل بالروح يجب أن ينسى دنياه. لذلك حينما نقرأ المكاسب من الفقه نرى أنّ هناك مكاسب محلّلة ومكاسب مُحرّمة. فبالتالي أنّ مقاصد الحج ليست السفر والسياحة العادية فقط بل إنّ له مقاصد كثيرة أخرى منها أنّه عبارة عن إنقلاع من كلّ هذه الأوهاق التي تشدّ الإنسان إلى عوائده ليتعارف مع أمم أخرى ويتقاسم مع الكثير من منافع الثقافة أيضاً حيث تُصبح الأمة غنية من حيث الثقافة والحضارة. وهنا الكثير ممّن كتبوا تجاربهم عن الحج وعن هوامش الحج وأشراوا إلى هذه الأمور.

وختم الكلام بالقول :لونتحدّث تأريخياً أنّ الكثير من الثورات والحركات قامت في هامش الحج إستطاعت أن تتواصل من خلال هذه الشعيرة. فالحج ليس القيام من مكان إلى مكان أو أداء طقوس معيّنة فقط بل إنّما هو نوع من الإجتماع بين الجانبين الظاهري والمعنوي.فريضة الحج تعكس كلّ المضمون الرسالي للإسلام وجامع بين جميع الأحكام.