بعد أقلّ من 24 ساعة ستفتح صناديق الاقتراع في انتخابات الجولة الثانية للانتخابات التركية، بعدما لم يتمكّن أي من مرشحي الرئاسة من الحصول على نسبة 50%+1 في الجولة الأولى، إلا أنّ الرئيس التركي رجب طيب إردوغان حصد نحو 49.5% وكان الأقرب للفوز، بينما حصل زعيم المعارضة كمال كليجدار أوغلو على نسبة تقدّر بـ 45%، أما سنان أوغان، فحصل على نسبة بحدود 5% من الأصوات، وأعلن قبل أيام دعم إردوغان في الجولة الثانية.
على الرغم من أن أغلب المؤشرات ترجّح فوز إردوغان بسهولة، إلا أن الحديث عن حسم النتيجة سلفاً لصالحه، ليس دقيقاً، كما أن التوقّعات بتحقيق إردوغان فوزاً بهامش كبير من الأصوات على منافسه كليجدار أمر مبالغ فيه.
تشير نتائج الجولة الأولى أن إردوغان لديه الأفضلية في الفوز في الجولة النهائية، بسبب تمتّعه بمزايا عديدة أبرزها، حصوله على المركز الأول في انتخابات الجولة الأولى، بفارق مريح، وفوز تحالفه بالأغلبية في البرلمان، ودعم سنان أوغان. وعلى الرغم من ذلك، فإن أمام إردوغان تحديات عليه تخطيها حتى يعزّز حظوظه بالفوز، كما أن كليجدار أوغلو يدرك أن فرصه أقل بالفوز، إلا أنها لا تزال موجودة.
تسعى المعارضة لإبراز إنجازاتها “المحدودة” التي كشفتها نتائج انتخابات الجولة الأولى، والعمل على تعظيمها أمام الناخب التركي لفتح نافذة فرص لتحقيق الفوز، مثل إظهار فشل إردوغان في حسم نتائج الانتخابات الرئاسية في المرحلة الأولى، على غرار ما حدث منذ توليه الرئاسة في عام 2014، وتراجعه بنحو 3% في المئة عن نسبة التصويت التي نالها في انتخابات 2018 (52.6 في المئة)، والتراجع في عدد المدن الداعمة لإردوغان (51 مدينة في انتخابات 2023، مقارنة بـ 63 عام 2018)، كما حصل تحالف العدالة والتنمية على 322 مقعداً مقارنة بحصوله عام 2018 على 344 مقعداً.
ومن ثم تتحدث المعارضة عن التراجع النسبي لشعبية حزب العدالة والتنمية، وهو ما كشفت عنه سابقاً الانتخابات المحلية لعام 2019. كذلك تراهن المعارضة على تعزيز رغبة الناخبين من الشباب في التغيير، في ضوء الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها تركيا، بينما يستدعي إردوغان إنجازاته على مدار نحو عقدين من حكمه، نقل فيها الدولة التركية نقلات نوعية في مجال الأمن والاقتصاد والسياسات الداخلية والخارجية، لم تعد فيها تركيا دولة تابعة للغرب.
إلا أن جيل الشباب لم يعش إلا في عهد إردوغان ويعاني من سوء الأحوال الاقتصادية، وتراهن المعارضة على جلب أكبر عدد ممكن من الشباب في جولة الإعادة، ورفع نسبة التصويت، في ضوء عزوف نحو ثمانية ملايين ونصف المليون عن المشاركة في الجولة الأولى.
كما تسعى المعارضة إلى رفع نسبة دعمها في المدن التركية المركزية التي تقدّمت فيها في الجولة الأولى، مثل أنقرة التي حصل فيها كليجدار على 47.31%، بينما حصل إردوغان على 46%. وفي إسطنبول تفوّق كليجدار أوغلو بحصوله على 48.55 %، وإردوغان تحصّل على 46.69 %. وفي أضنة حاز كليجدار أوغلو على 50.89% في مقابل 43.92% لإردوغان. كما حقّق كليجدار أوغلو في أنطاليا 53.13% وإردوغان 39.85%.
وبينما يراهن تحالف الأمة بزعامة كليجدار على ارتفاع نسبة انتخابه على مقعد الرئاسة في المدن الكبرى، تظهر توجّهات الناخبين في المدن نفسها ميلاً أكبر لتحالف الجمهور بزعامة إردوغان في الانتخابات البرلمانية.
حصول تحالف إردوغان على أغلبية برلمانية يشكّل تهديداً وفرصة لكلا الطرفين، فقد يحرص قطاع من الناخبين على الانسجام بين مؤسستي البرلمان والرئاسة ويتجه سلوكهم التصويتي إلى تعزيز استقرار مؤسسات الحكم بانتخاب إردوغان، بينما قد يجد آخرون أن التوازن بين السلطات يساعد في الحد من الصلاحيات المطلقة للرئاسة، وهو ما تستغله المعارضة في دعايتها ضد إردوغان، بالاعتماد على ما تعتبره سياسة فردية أدّت إلى أزمات اقتصادية وسياسية مختلفة، أبرزها قضية اللاجئين، وانعكاساتها الاجتماعية والاقتصادية.
يبرز تحدٍّ آخر أمام إردوغان، وهو حالة الثقة بالفوز لجمهور ناخبيه، على نحو قد يدفع إلى نوع من التراخي وضعف الدافعية للتوجّه إلى صندوق الانتخابات، بينما على الطرف الآخر يسعى كليجدار لتحويل الشعور بـ “الإحباط” من نتائج الجولة الأولى، إلى نوع من التحدي، واستخدام كل الأوراق على صعيد الخطاب، والهجوم الحاد على إردوغان، على نحو بدا فيه كليجدار وقد خلع القفازات.
على الرغم من أن مؤشرات فوز إردوغان أعلى من مؤشرات خسارته، إلا أنه لن يتأكد فوزه إلا بعد فرز آخر صندوق اقتراع، ونقدّر بأنه على غير توقّعات أغلب المتابعين للشأن التركي، التي ترجح فوز إردوغان بنسبة مرتفعة نوعاً ما، فإنني أرجّح أن الفارق بين المرشحين سيكون ضئيلاً، وفي حال فاز إردوغان لن يحصل على نسبة تزيد عن 51%، وفي حال فاز كليجدار فسيكون الفارق ربما آلاف أو عشرات آلاف الأصوات، وسيكون التنافس على أشده وعلى كل صوت.
فحسابات الجولة الأولى من الانتخابات تختلف عن حسابات الجولة الأخيرة، ومستوى التحشيد في انتخابات الإعادة يكون على الأغلب أعلى من الجولة الأولى، ونرجّح أن ترتفع نسبة التصويت وتتخطّى نسبة الجولة الأولى، الأمر الذي يعني مساهمة الناخبين الجدد في تحديد مصير موقع الرئاسة التركية، إضافة إلى دور الشباب في العملية الانتخابية (نحو 5 ملايين ناخب).
ترجح معطيات السباق الانتخابي، فوز الرئيس إردوغان، نظراً لفوز تحالف الجمهور بالأغلبية البرلمانية، وتفوّق إردوغان على كليجدار في الجولة الأولى، ودعم سنان أوغان لأردوغان، إلا أنه في حال نجح كليجدار في جلب مزيد من الشباب لصناديق الاقتراع، وارتفعت نسبة التصويت، وتراخت أعداد من ناخبي إردوغان وفضّلت البقاء في البيت، فإن سيناريو فوز كليجدار بفارق طفيف عن إردوغان يبقى قائماً.