الدکتور حسن هاني زادة
تعرضت مدينة دزفول الولائية طيلة الحرب الصدامية ضد الجمهورية الاسلامية”1980-1988″ الى هجمات صاروخية، حيث بلغ عدد الصواريخ التي اطلقها الجيش الصدامي ضد هذه المدينة الباسلة الى 180 صاروخا. لم يمض يوما خلال الحرب الصدامية على مدينة دزفول الصامدة الا والصواريخ تنهال على رؤوس المدنيين دون ارتكابهم اي جريمة.
وتقع هذه المدينة الصامدة والولائية في شمال محافظة خوزستان وعلى بعد 160 كيلومترا من مدينة اهواز وهي البوابة الجغرافية لمحافظة خوزستان في جنوب غرب ايران. سكان هذه المدينة تصدوا في بداية الحرب الصدامية ضد ايران للقوات الصدامية التي حاولت اجتياح نهر الكرخة واحتلال مدينة دزفول وابادة اهاليها عن بكرة ابيهم.
كانت مهمة قوات ما تسمى بــأبي عبيدة الجراح، التابعه للفيلق العراقي الاول بقيادة اللواء هشام صباح فخري تنحسر في احتلال مدينة دزفول لان هذه المدينة الاستراتيجية تعتبر القلعة الشامخة في مواجهة الغزو الصدامي. وفي الايام الاولى من الغزو الصدامي كان الديكتاتور المعدوم صدام قد اشرف على عملية احتلال دزفول من غرفة العمليات العسكرية التابعه للفيلق الاول والمتواجدة في سهول عين خوش ودشت عباس في غرب دزفول. ولكن كل المحاولات باءت بالفشل بسبب صمود الاهالي وتحشيد شباب المدينة لصد هجمات القوات الصدامية التي تكبدت خسائر جسيمة بالمعدات والارواح.
القوات الصدامية كانت تنوي من خلال احتلال دزفول ان تقطع التواصل بين شمال محافظة خوزستان الى جنوبها وانهاك القوات الايرانية المترابطة في جنوب غرب ايران وقطع الامدادات عليها. وبعد فشل القوات الصدامية في احتلال المدينة أصدر الديكتاتور الصدامي تعليمات الى القوات المسلحة باطلاق صواريخ من نوع “اسكاد بي” التي كانت تعتبر من أحدث الصواريخ التي يتم تصنيعها في الاتحاد السوفياتي آنذاك.
وكان لرجال الدين في مدينة دزفول أمثال المرحوم آية الله قاضي الدزفولي، الفضل الكبير في تحشيد الشباب وحثهم على مواجهة الجيش الصدامي.
اضافة الى جهود اهالي المدينة في التصدي للقوات الصدامية، كانت صلاة الجمعة لم تتوقف في المدينة طيلة الحرب الصدامية ضد ايران رغم القصف العراقي المتواصل على دزفول. وخلال القصف الصدامي الوحشي ضد اهالي المدينة استشهدت عوائل كثيرة تحت الانقاض بسبب القصف، حيث النساء والاطفال كانوا اكثر عرضة الى القصف الصاروخي.
وحسب التقارير الموجودة فان اكثر من 60 بالمائة من المباني السكنية تعرضت الى القصف الصاروخي ودمرت كليا، واستشهد الالاف من الاطفال والنساء والشيوخ تحت القصف. وحتى اخر لحظة من وقف اطلاق النار بين ايران والعراق في عام 1988 كان النظام الصدامي البائد يطلق شتى صنوف الصواريخ على مدينة دزفول وهذا يدل على مدى حقد النظام الصدامي تجاه اهالي المدينة.
واليوم وبعد مضي 35 عاما من وقف اطلاق النار وانهيار الحكم الصدامي مازال صمود اهالي المدينة راسخا في عقول الايرانيين لان هذه المدينة اصبحت ايقونة الى الشعب الايراني لمواجهة اي تهديدات خارجية.
فالصمود في وجه الاعداء يعتبر قيمة معنوية واخلاقية وواجبا وطنيا، لان ثمة مقولة تاريخية دارجة تقول” ان اي شعب لا يستطيع الدفاع عن نفسه فسوف يندثر في صفحات التاريخ.
الشعب الايراني عموما واهالي مدينة دزفول الصامدة خاصة،كانوا مثالا لكل الشعوب في العالم اذ سطروا ملاحم تاريخية في صد العدوان الصدامي ضد ايران. ففي تلك الحقبة كانت ايران قد تعرضت الى عقوبات قاسية وحصار جائر، الهدف منه اركاع ايران وفرض هزيمة عسكرية على الشعب الايراني. ولكن هذا الشعب حقق انتصارات ميدانية متتالية وخرج منتصرا حيث كانت نهاية الديكتاتور الصدامي نهاية مأساوية اوصلته الى حبل المشنقة. وفي المقابل مدينة دزفول اصبحت ايقونة لكل الاحرار وقدوة للشعوب المناضلة، يحتذى بها رغم الخسائر المادية والانسانية التي تعرضت لها المدينة طيلة العدوان الصدامي ضد الجمهورية الاسلامية.