عندما سافرت فاطمة من فرنسا إلى المغرب لزيارة عائلتها بعد غياب أكثر من سنتين بسبب كوفيد-19، استوقفتها صعوبة محاولات طفلتها التواصل مع الأقارب باللغة العربية، وعدم قدرتها على التحدث بها.
“كنت غارقة في الالتزامات اليومية، نحن نتحدث الفرنسية في البيت، ولم أنتبه لأهمية التحدث وتعلم العربية إلا مؤخرا، ابنتي لم تتجاوز السادسة، وما تزال قادرة على اكتساب اللغة، بالطبع لا أرغب في أن تنقطع علاقتها بالعائلة الكبيرة في المغرب بسبب حاجز اللغة”، وفق قول السيدة فاطمة التي تعتقد أن المهمة ليست سهلة بالنسبة للجيل الثاني أو الثالث من المولودين في فرنسا، لكنها ليست مستحيلة كذلك.
تعلم العربية في الغربة
ورغم اختلاف ظروف العائلات المهاجرة التي وصلت إلى فرنسا فرارا من الأزمات والاضطرابات في البلدان العربية خلال السنوات الأخيرة، فإن تعلم اللغة العربية للأطفال يبقى هاجسا يؤرق الكثيرين منهم.
وخلافا لأسرة فاطمة، كان الحفاظ على اللغة العربية في البيت تحديا صعبا بالنسبة لنوّار التي أصرت على أن يتحدث أفراد أسرتها بلغتهم الأم حصرا لأنها وسيلة التواصل الوحيدة مع أقاربها الذين تشتتوا في عدة دول حول العالم بعد تهجيرهم من سوريا.
وتقول نوّار “عندما دخل أطفالي إلى المدرسة لاحظت تراجعا كبيرا في استخدامهم للعربية وكان هذا مثار قلق كبير لي، يبدو أن التحدث بها فقط لم يكن كافيا، فكان لا بد من تعلم القراءة والكتابة لترسيخها أكثر في أذهانهم”.
من ناحيتها كانت بيسان تعتقد أن ابنتها ستتعلم اللغة العربية بطريقة تلقائية وقالت “وصلنا إلى فرنسا قبل 7 سنوات، وكان تركيزنا أنا وزوجي منصبا على أن نتعلم اللغة الفرنسية لنؤسس لحياتنا ونبدأ العمل، لكن مع دخول ابنتي المدرسية وتعلمها الفرنسية تفاجأت بأنها أصبحت تترجم الكلام من الفرنسية إلى العربية في ذهنها بشكل حرفي ولم تعد تتحدث العربية بطريقة سلسة”.
حاولت بيسان البدء بتعليم ابنتها القراءة والكتابة بالعربية لكنها لم تحرز تقدما مرضيا، إلى أن تمكنت من تسجيلها في مدرسة عبر الإنترنت، وتقول “أشعر بالرضا حاليا لأنها تتقدم بشكل ملحوظ، صحيح أنها ليست في مستوى الأطفال من سنها في سوريا، لكني آمل أن تتمكن مع الوقت وعبر القراءة من إثراء مفرداتها، فالأمر يحتاج إلى دراسة ومتابعة في البيت بالعربية بالتوازي مع مدرستها”.
وتعتبر بيسان أن العربية هي وسيلة ابنتها للبقاء على صلة مع سوريا وثقافتها، كما أن إتقان أكثر من لغة يزيدها ثراء ويحسن من فرصها في العمل مستقبلا وأن يفتح لها آفاقا أوسع.
مدرسة “كلمات”
ومن هنا جاء مشروع مدرسة “كلمات” الذي أسسه السوري محمد المكسور، فهو مدرس لغة عربية يمتلك سنوات طويلة من الخبرة، إلا أن العمل في هذا المجال لم يكن متاحا أمامه في المدارس الفرنسية فقرر تأسيس عمله الخاص، حيث توجه نحو دراسة تصميم المواقع، واستغل المهارات الجديدة التي اكتسبها في تصميم موقع على الإنترنت لمدرسته وألعاب تفاعلية لتعليم العربية للأطفال عن بعد.
وفي حديث للجزيرة نت أوضح المكسور أن الكثير من العائلات في فرنسا وأوروبا عموما ترغب في نقل الثقافة العربية والإسلامية وتعليم القرآن الكريم لأطفالهم؛ وكل ذلك غير ممكن بدون إتقان اللغة العربية، ونظرا لانتشارهم على مناطق جغرافية متباعدة جدا كانت فكرة المدرسة عبر الإنترنت هي الحل الأنسب.
وعن أبرز الصعوبات التي يواجهها يقول المكسور “التدريس عن بعد يتطلب جهدا مضاعفا من أجل جذب انتباه التلميذ ومنعه من التشتت، لذلك الألعاب التفاعلية تركز على الألوان والحركة والأصوات، والأمر الآخر هو تصميم منهاج يناسب الأطفال غير الناطقين بالعربية وهو مختلف تماما عما يحتاجه الأطفال الناطقون بها”.
يعمل المكسور مع بضعة مدرسين حاليا ويأمل أن يتمكن قريبا من توسيع فريق التعليم في المدرسة والتعاون مع عدد أكبر من مدرسي اللغة العربية الموجودين في أوروبا، فإلى جانب الدروس الاعتيادية ينظم دروسا مجانية أسبوعية وكذلك دورات مجانية متقطعة لتعليم اللغة العربية لأكبر عدد من الأطفال.
تعليم العربية للأطفال
وتنظم المساجد والجمعيات الإسلامية بفرنسا كذلك دروسا لتعليم اللغة العربية وتفيد أطفالا من جنسيات متنوعة من بلاد المغرب العربي مرورا بالصومال ومالي ووصولا إلى باكستان وبنغلاديش، وفق السيدة غيثاء خوجة التي تُعلّم العربية في جمعية الإحسان شمال باريس.
تقول خوجة “اللفظ هو أكبر التحديات التي تواجه الأطفال، حيث نتقدم معهم ببطء في البداية إلى أن يتعلموا الحروف ويبدؤوا بلفظها بطريقة مقبولة، والكثير منهم يظهر سعادة غامرة عندما يتمكنون من كتابة أسمائهم بالعربية لأول مرة”.
وتختم أن الكثير من العائلات تبدي اهتماما ومتابعة لأطفالها، ما يساعد في تقدمهم ووصولهم إلى مراحل أفضل في القراءة والكتابة.
ويقدر عدد المهاجرين الذين يعيشون في فرنسا في العام 2021، بأكثر من 7 ملايين شخصا يمثّلون نسبة تبلغ 10.3%. ومن حيث أصول هؤلاء المهاجرين، فيقدر عدد القادمين من شمال أفريقيا بنحو مليوني شخص.