نسرين نجم
يواجه الفرد في الأيام الراهنة جملة متنوعة من التحديات والصعوبات والاختبارات التي تمتحن قدرته وصبره وقوته، وهذه العوائق لم تكن موجودة بهذه الحدة في السابق لماذا؟ لان العامل الاعلامي وسيما مواقع التواصل الاجتماعي جعلته يعيش حربا من نوع آخر أقسى وأشد من العسكرية، فالجسد يموت مرة واحدة برصاصة، بينما الروح الآن تموت يومياً بسبب الاشاعات والضغوطات النفسية، وتضخيمها عبر مواقع التواصل ونقلها لحظة بلحظة فيزداد توترا وتعقيداً، هذا من ناحية ومن ناحية اخرى لا يمكن ان نغفل عن كمية ضخ الأفكار المسمومة والبعيدة كل البعد عن الاخلاق والإنسانية، وذلك بتوجيهات من قوى الأستكبار العالمي للتحكم بالعقل وهندسته كما تريد هي، لتسلب منه آليات الدفاع، وليصبح خاضعاً خانعاً لمنظومتها السياسية والقيمية المادية الشيئية التي لا تمت الى الفضائل بصلة، بل تحوله الى كائن اشبه بـ«روبوت» ما عليه سوى تنفيذ اوامرها، لا بل والاخطر من ذلك وفي بعض المجتمعات الفقيرة قامت هذه الرأسمالية المتوحشة بتحويل اغلب افرادها الى حقول للتجارب وعلى كافة الصعد الغذائية الدوائية البيئية العسكرية، وقد اختبرت ولا تزال كل منتوجاتها الضارة على هذه الشعوب لتدرس وبدقة اكثر واكثر تداعيات هذه الوسائل على الاقتصاد الانتاج الصحة وصولا للهواء الذي يتنفسوه لتحكم سيطرتها وهيمنتها، وقدمت كل افكارها وطروحاتها وسلعها بقوالب مزيفة تغش الناظر اليها، للوهلة الاولى يعتبرها الفردوس الذي يحلم به، وكل هذا نتيجة ما تبثه وتنشره بأن مجتمعها هو الفاضل والافضل وبأن قيمها هي القيم الانسانية الريادية، وبالطبع كل هذا كذب وتضليل…
اذن في خضم كل هذا يأتي مفهوم جهاد النفس والذي مما لا شك فيه بأنه الاصعب، بقدر ما تكون الروح والنفس محصنتان بالايمان والسلوك والسيرة الحسنة وبالقدرة على التمييز بين الصح والخطأ، وتمتلكان الارادة والوعي والنضج بقدر ما تكونا اقوى واشرس وبنفس الوقت ارقى، فيصبحا سلاحا فعالا مدمراً لكل مخططات هذه القوى الشيطانية.
اما كيف يمكن ان يكون هذا الجهاد؟ يبدأ تكوينه من خلال التربية والتنشئة اي منذ الطفولة، فعندما نحاور ونتحاور مع الطفل، عندما نعلمه كيفية التمييز بين الامور والسلوكيات الخاطئة والسليمة، عندما نعزز لديه مهارة التفكير. والتفكر، وعندما نمتن الثقة بنفسه، والاهم نعلمه كيفية احترام كينونته، وايضا لا يمكن ان ننسى تقوية العامل الايماني والاخلاقي، مع تأمين الاشباع العاطفي، كل هذا من شأنه تحصين النفس والشخصية من اي اختراق للوقوع في مصيدة محور الشر، لان اغلب من تنجح في السيطرة عليه بمكان ما لديه نقص عاطفي نفسي ايماني ثقافي تفكيري…
اذن جهاد النفس يتطلب تدريبات منذ الصغر، ولكن لو اراد المرء ان يحصل عليها على كبر فيمكنه ذلك لانه لا يوجد ما هو مستحيل خاصة اذا كانت الارادة موجودة.
ويتمثل جهاد النفس عندما نقول «لا» للظالم الذي يريد ان يستعبد ارواحنا وطاقاتنا وقدراتنا…
جهاد النفس عندما نقاوم من يحتل ارضنا ويعيث فسادا وتدميرا وتخريبا فيها تماما كما فعلت المقاومة في لبنان ودحرت العدو الصهيوني عن اغلب الاراضي الجنوبية، وكما فعل ويفعل ابناء المقاومة الفلسطينية الان بمعارك متنوعة بطولية ضد العدو الصهيوني، وكما فعل ايضا الشعب الايراني في وجه الفتن وأعمال الشغب الاخيرة التي اطلقتها الإدارة الأمريكية الخبيثة والكيان اللقيط اي «اسرائيل» والانكليز وغيرهم في محاولة لزرع الفتنة داخل الجمهورية، لكن مخططاتهم سقطت تحت اقدام الشعب الوفي لبلده والقيادة الحكيمة .
جهاد النفس هو النواة الاساس للانطلاق الى الجهاد العسكري، فعندما نزيل عن هذه النفس حجب الاهمال والاحباط واليأس والقلق والاحساس بالفشل والانهزام والاستسلام، ونؤمن بقدراتنا وطاقاتنا عندها ننجح في معركة كي الوعي وهذا الانتصار يدفعنا بقوة وثبات وايمان نحو الميدان العسكري مؤمنين مقتنعين بأن النصر حليفنا، وهذا ما اكدته ونجحت فيه دول محور المقاومة، وهنا نذكر العبارة الشهيرة والعميقة للشهيد الحاج عماد مغنية: «اللي بتقاتل فينا هي الروح»، وبالفعل عندما تقاتل الروح المحصنة بالعوامل التي ذكرناها سابقا لا يمكن لأي قوة ان تكسرها او ان تهزمها… وايضا جهاد النفس مرتبط بتهذيبها لتنتصر وبأن تنتهل من العلوم والمعارف وعن هذا يقول الامام الخميني(رض): “إن ما هو ضروري بالنسبة إلينا جميعاً هو أن نبدأ بإصلاح أنفسنا وعدم الاقتناع بإصلاح الظاهر وحده، بل السعي للبدء بإصلاح قلوبنا وعقولنا والإصرار على أن يكون غدنا خيراً من يومنا، على المرء أن يبدأ بإصلاح نفسه والسعي لجعل عقائده وأخلاقه وأعماله مطابقة للإسلام لذلك من الطبيعي جداً أن نشاهد ما نشاهده من المفاسد العامة وبصمات الفشل والخسران طالماً أن الإنسان قد خسر في معركة الذات وصراعها مع العدو الذي بين جنبيه .”
وعندما نصلح انفسنا نكون قد وصلنا الى رتبة ضابط في الحروب المتنوعة ان كانت عسكرية نفسية اعلامية اقتصادية…
وعلينا دائما ان نكرر ونعيد بأن الحرب الناعمة التي تخاض ضد الشعوب والدول الرافضة لمحور الشر سلاحها الاعلام، وجيوشها العملاء وبعض البلوغرات والناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي وايضا منظمات المجتمع المدني… هذا المحور الاستكباري يستخدم في حربه كل المكبوتات النفسية التي تحاكي احلام الشباب الخيالية فيقدموها بالادب بالمسرح بالبرامج بالمسلسلات بالمقالات، ويبتدعوا مصطلحات ومفاهيم وافكار لتديم هيمنتهم على العالم مستندين الى عامل خطير جدا الا وهو الغاء او القضاء على الهوية الوطنية، العقائدية، …
اذن في الختام لمواجهة هذه الحرب الناعمة تتطلب جهاد النفس وجهاد التبيين والصبر والبصيرة ، اضف الى ذلك ما طرحه سماحة الامام السيد علي الخامنئي دام ظله الشريف من عناوين وأفكار أخرى في المواجهة من جملتها: الاقتناع بأصل وجود الحرب الناعمة، الفهم الصحيح والتفصيليّ لآليَّات عمل الحرب الناعمة، الحضور في الساحات ومواصلة التقدّم والتطوّر، تطوير كفاءة الأعلام الإسلامي وصناعة النموذج البديل..