اشار المجلس الاطلنطي الى المحاولات الاميركية لاجتذاب الزعماء الافريقيين قائلا “ان نمط وسلوك ادارة بايدن يختلف كليا عن نمط وسلوك ادارة دونالد ترامب في هذا المجال ، فادارة ترامب كانت تنظر الى افريقيا كساحة صراع بين القوى العظمى مثل اميركا والصين وروسيا، لكن ادارة بايدن تحاول تعزيز التعاون الدبلوماسي والاقتصادي والامني مع القارة الافريقية لمنع النفوذ الصيني والروسي، لكن ادارتي ترامب وبايدن تجاهلتا بالكامل امرا مهما وهو النفوذ الايراني المتزايد في القارة الافريقية، حسب التقرير.”
وأضاف المجلس الاطلنطي في تقريره إن ايران تسعى لمواجهة النفوذ الغربي والاميركي على وجه الخصوص في القارة الافريقية، وتتعاون مع القوى المناهضة للاستعمار لرسم مسار مستقل. وأشار هذا المركز الاميركي إلى أن ايران تستخدم شبكة مؤسساتها الدينية والثقافية لتوطيد علاقاتها مع الافريقيين، كما انها نظمت في شهر مارس الماضي مؤتمرا اقتصاديا بحثت فيه العلاقات الاقتصادية بينها وبين دول غرب افريقيا ، كما اشار هذا المركز الاميركي الى زيارة الرئيسي الايراني الى غينيا في اغسطس 2021 وسعيه لتعزيز العلاقات مع الدول الافريقية.
وأومأ التقرير في قسم آخر منه الى سعي ايران لتحسين علاقاتها مع دول القرن الافريقي وهي منطقة استراتيجية وكذلك تعزيز الحضور الدبلوماسي الايراني في المحافل الافريقية مثل الاتحاد الافريقي. واعتبر التقرير أن تنامي النفوذ الايراني في القارة الافريقية سيضعف “الاتفاقيات الابراهيمية” وسيشكل جبهة في وجه النفوذ “الاسرائيلي” في القارة الافريقية.
واعتبر التقرير أن ادارة بايدن لا يمكنها أن تركز فقط على تنامي النفوذ الصيني والروسي في افريقيا بل يجب عليها أن تعمل للحد من النفوذ الايراني الذي سيشكل تحديا حقيقيا امام الاميركيين في افريقيا. وختم التقرير أن امريكا ستكون عاجزة عن التصدي للنفوذ الايراني في إفريقيا ومنع التنسيق بين ايران والصين وروسيا هناك ، الا اذا اعتمدت برنامجا دقيقا ، وخاصة مع التقارب الصيني الروسي المتزايد نحو ايران.
ويأتي التوجه الإيراني نحو إفريقيا، وخاصة في منطقة القرن الإفريقي، في سياق التحول في أهداف السياسة الخارجية الإيرانية، فهي مجرد محاولة لمواجهة الظروف المحلية الطارئة، وتلبية الاحتياجات في ظل معطيات الوضع القائم، في محاولة للتعرف على المناخ الدولي المحيط، وتهيئته بما يحقق أكبر قدر ممكن من المصالح الإيرانية، والتي في مقدمتها الحيلولة دون ترك الساحة للهيمنة الأمريكية. ويتناغم هذا التوجه مع التكالب والتنافس بين القوى الدولية، ولاسيما الإقليمية بين إيران وإسرائيل، في منطقة القرن الإفريقي والذي انتقل إلى حلقة جديدة وهي الصراع فيما بين هذه القوى عليها، ذلك أنه ينطوي على عنصر النفط وأولوية تأمين الإمدادات من الطاقة والتي تعتبر واحداً من الاعتبارات الرئيسية التي تصوغ بها الدول سياساتها وعلاقاتها الخارجية. وهو ما يشكل تهديداً مباشراً للأمن القومي العربي في صياغاته الكلية، وخاصة في ظل التطورات المتلاحقة على أطراف النظام الإقليمي العربي في امتداداته الإفريقية والتي تبشر بإعادة رسم خريطة التوازن الإقليمي في المنطقة
ويكتسب القرن الإفريقي أهميته الاستراتيجية من كون دوله تطل على المحيط الهندي من ناحية، وتتحكم في المدخل الجنوبي للبحر الأحمر حيث مضيق باب المندب من ناحية أخرى، ومن ثم فإن دوله تتحكم في طريق التجارة العالمي، وخاصة تجارة النفط القادمة من دول الخليج المتوجهة إلى أوروبا والولايات المتحدة. كما أنها تُعد ممراً مهماً لأي تحركات عسكرية قادمة من أوروبا أو الولايات المتحدة في اتجاه منطقة الخليج الفارسي. ولا تقتصر أهمية القرن الأفريقي على اعتبارات الموقع فحسب وإنما تتعداها للموارد الطبيعية، وخاصة البترول، وهو ما يعد أهم أسباب رعاية واشنطن لمفاوضات السلام في السودان. إضافة إلى قربه من جزيرة العرب بكل خصائصها الثقافية ومكنوناتها الاقتصادية، ويوجد به جزر عديدة ذات أهمية استراتيجية من الناحية العسكرية والأمنية.
وتتسم مصالح القوى الإقليمية في المنطقة بالتشابك والتعقد بين الأطراف المكونة للإقليم من ناحية، والقوى الخارجية سواء الإقليمية أو الدولية من ناحية أخرى، ولكنها تتجه في مجملها نحو تحفيز الصراع واستمراره، و لاسيما في الصومال والسودان، بل تعتبر المحدد الرئيسي لمستقبل التفاعلات في الإقليم. إذ تتقاطع المصالح الإقليمية في جانب منها مع بعضها البعض، وتتناقضها في جوانب أخرى، في إشارة واضحة إلى ما يمكن اعتباره خريطة التحالفات الإقليمية، والتي قد تتفق أو تتناقض مع مصالح القوى الكبرى في المنطقة، إذ يشير الواقع الاستراتيجي إلى تأثير عملية المصالح والإرادة الإقليمية في مسيرة التفاعلات في منطقة القرن الأفريقي، والتي لا تتوافق مع توجهات المصالحة والاستقرار الذي يستند إليه الدور الدولي في منطقة القرن الإفريقي.
وقد حولت الأهمية الاستراتيجية لمنطقة القرن الأفريقي إلى منطقة نفوذ غربي جعلتها دائما محل تنافس بين الدول الكبرى في مرحلة الحرب الباردة. ومع بداية النظام العالمي الجديد في التسعينيات من القرن الماضي، تصاعدت حدة هذه المنافسة وتعددت أطرافها، ولكنها ظلت ملعبا للدول الكبرى، وخاصة الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة المتحدة. حيث سعت القوى الكبرى المسيطرة في النظام الدولي إلى التدافع عليه من أجل كسب مناطق نفوذ لها هناك، إما سلماً من خلال العلاقات الوثيقة مع نظم الحكم في المنطقة، أو كرهاً من خلال استخدام القوة المادية.
وفي سياق هذا التنافس تأتي إيران التي أبدت اهتماماً متزايداً بدول القرن الإفريقي في الآونة الأخيرة، وذلك في سياق فتح المزيد من دوائر التعاون مع كل التجمعات، سواء كانت دولية أو أفريقية أو عربية وخليجية، ويسير هذا النشاط بالتوازي مع الضغوط الغربية والأمريكية بسبب برنامجها النووي، وتهدف من هذه التحركات إلى كسب مزيد من التأييد الدولي لمواقفها، وإرسال رسالة إلى الدوائر الغربية تحديدًا مفادها بأن لديها القدرة على الانفتاح، لتغيير الصورة النمطية عنها والتي تصفها دائمًا بالتشدد.
لقد مثلت منطقة القرن الأفريقي بامتداداتها الجيواستراتيجية أهمية بالغة في التفكير الاستراتيجي الأمريكي، وتحتل هذه المنطقة موقعاً مهماً في الاستراتيجية العسكرية الأمريكية، وخصوصاً بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 في إطار “الحرب على الإرهاب”، وإعادة طرح مشروع القرن الأفريقي الجديد الذي يهدف إلى: تأمين الممرات المائية العالمية في البحر الأحمر والمحيط الهندي بما يخدم المصالح الأمريكية، فضلاً عن تأمين الوصول إلى منابع النفط والمواد الخام، وذلك بإنشاء القاعدة الأمريكية في جيبوتي عام 2002، والتي تضمن السيطرة الاستراتيجية لأمريكا على المنطقة البحرية التي يمر بها ربع إنتاج العالم من النفط، كما أنها قريبة من خط أنابيب النفط السوداني، والذي يمتد من بورسودان في الشرق إلى خط أنابيب تشاد والكاميرون وخليج غينيا في الغرب.
وعليه، استخدمت الولايات المتحدة الأمريكية مجموعة من الأدوات الدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية من أجل تأمين النفط الإفريقي، وضمان تدفقه إليها دون أي عقبات أو مشاكل، وخصوصاً مع وجود تهديدات متزايدة يتعرض لها هذا النفط لأسباب داخلية وخارجية، والتنافس الدولي على موارد النفط في أفريقيا، منها التواجد العسكري المباشر في المنطقة، وذلك لتدريب الجيش الإثيوبي، وتوفير المساعدات الاستخباراتية واللوجيستية لإثيوبيا، كما توجد في جيبوتي القاعدة العسكرية الأمريكية في المنطقة التي توفر قوات التدخل السريع لأي عمليات عسكرية قد تشارك فيها الولايات المتحدة.
ومن هذا المنطلق، تواجه الولايات المتحدة النفوذ الإيراني المتصاعد في القرن بشكل أساسي، حيث إن الوفود الرسمية الإيرانية لا تنقطع عن زيارة العواصم والمدن الإفريقية، لتحقيق العديد من المصالح وكسب أصدقاء جدد لهم إسهامهم في السياسة الدولية بطرق وأساليب ووسائل متعددة. ويعد النشاط الإيراني في منطقة القرن وفي مناطق أخرى من العالم نتاجًا للدبلوماسية الشرسة التي شنت ضد طهران وتهدف إلى تخفيف الضغوط الغربية والعقوبات الناجمة عنها، وبصورة أعم من أجل مكافحة النظام العالمي الذي تراه إيران على أنه معاد لمصالحها. وفي الوقت الراهن فإن علاقة إيران مع بعض الدول ليست بالقوة الكافية للوصول إلى أهدافها وبالتالي لا تمثل قلقًا كبيرًا للولايات المتحدة، ونقطة الضعف الحالية لشبكة التحالفات الإيرانية ليست مجرد الانقسامات بين إيران وبين شركائها المستهدفين فقط، ولكن أيضًا بسبب الضغوط الدائمة من الولايات المتحدة.