تعاطي القرآن مع البُعد الإعلامي

الإعلام اليوم يلعب دوراً مزدوجاً (تخريبياً) بإفساد الأخلاق وتمييع القيم وهدر الكرامات، و(بنائياً) بما يسهمُ في رفد العقل والذوق والثقافة الإنسانية.

2023-06-05

في نظرة عامّة على تعاطي القرآن مع البُعد الإعلامي، يمكن إستخلاص المبادئ أو المعايير الحاكمة للإعلام الموثوق، في ظل انتشار وسائل الإعلام المُضللة والمتلاعبة بالعقول، قال تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ) (لقمان/ 6).

والإنصاف يقتضينا أن نفرز (الخبيث) من (الطيِّب)، فالإعلام اليوم يلعب دوراً مزدوجاً (تخريبياً) بإفساد الأخلاق وتمييع القيم وهدر الكرامات، و(بنائياً) بما يسهمُ في رفد العقل والذوق والثقافة الإنسانية.

إنّ أهم ما يُطالعنا على شاشة القرآن من معايير إعلامية:

1- تقصّي الخبر من مصادره:

مثاله، قصة مرافقة أُخت موسى ومتابعتها لمآل الصندوق الذي أودعت أُمّها فيه أخاها، فلقد تَقصَّت أثره من حين إنطلاقه وإلى حين عودته إلى أُمّه، فكانت مراسلاً صحفياً وإعلامياً مُطّلعاً وعليماً وموثوقاً، قال عزّوجلّ: (قَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ) (القصص/ 11).

 

2- الصِّدق والدقّة في نقل الخبر:

مثاله، قصة ذهاب الهُدهد إلى سبأ وإطلاعه عن كثب على أُمور المملكة وعبادة الناس للشمس هناك، وأنّ امرأة تحكمهم ولها قدرات هائلة وعرش عظيم، ونقل الخبر بحذافيره إلى سيِّده سليمان (عليه السلام)، قال تعالى على لسان الهُدهد: (فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ) (النمل/ 22).

 

3- التبنِّي والتحرِّي من صحّة الخبر:

قال تعالى على لسان سليمان (عليه السلام) عندما سمع خبر المملكة السبأية: (قَالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ) (النمل/ 27).

وفي معيار عام، يقول جلّ جلاله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) (الحجرات/ 6).

 

4- السعي لنشر فضيلة الخير والصلاح والهداية:

ومثاله (حبيب النجّار) الذي جاء من أقصى المدينة يسعى، قال تعالى: (وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ * اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ * وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلا يُنْقِذُونِ * إِنِّي إِذًا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ * إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ * قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ * بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ) (يس/ 20-27).

 

5- التحرُّز والتحرُّج من كتمان الحقائق وبترها:

قال تعالى عن اليهود الذين كانوا على علم واطلاع بأنّ نبيّاً سيظهر بمواصفات محدودة في كتابهم، وكانوا يستفتحون به، وينتظرونه حتى إذا جاءهم لم يُكذِّبوه فقط، بل أخفوا كلّ تلك الأدلّة والبراهين التي كانوا يُروِّجون لها قبل بعثة النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (البقرة/ 174).