الاعتقال الإداري وفصوله في حياة الأسير المحرر غسان الزواهرة

يسرد غسان الزواهرة الذي أفرج عنه قبل شهر فقط من السجن، كيف عمل الاعتقال الإداري على سلب الاستقرار من حياته، وليفوّت عليه فرصة مشاركة عائلته في مناسبات كثيرة.

2023-06-05

حضّرت أم غسان زواهرة البقلاوة والقهوة استعداداً لاستقبال نجلها غسان الزواهرة، الذي كان من المقرّر أن يُفرج عنه من سجون الاحتلال الإسرائيلي، بعد اعتقال دام 6 أشهر أمضاها في الاعتقال الإداري، لكنها اضطرّت لتوزيعها على الناس خوفاً من تلفها بعد تجديد الاحتلال الإسرائيلي الاعتقال لغسان مرة أخرى.

بدأت حكاية غسان ابن مخيم الدهيشة في مدينة بيت لحم في فلسطين المحتلة عام 2002، حيث تعرّض بيته للاقتحام من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي، الذين داهموا البيت وفجّروا أبوابه، واعتقلوه، ليقضي حينها حكماً بالسجن 7 أعوام، تنقّل خلالها في سجون “عسقلان، شطة، النقب، مجدو”.

أُفرج عنه بداية عام 2008، ولم يكد يرى الشمس حتى بدأ مسلسل الاعتقال الإداري بفرض فصوله في حياة غسان وتفاصيلها، حيث وفي منتصف العام المذكور، اعتُقل مرة أخرى وحُكم عليه 6 أشهر. وعندما أنهى حكمه جدّد له الاعتقال مرةً أخرى وهو على باب السجن، لتمتد مدة الاعتقال لنحو 16 شهراً.

في المنزل آنذاك، كانت الوالدة قد جهّزت لاستقبال نجلها، أحضرت الحلويات والبقلاوة والقهوة لاستقبال المهنئين، قبل أن تعلم بقرار تجديد الاعتقال، ما اضطرها لتوزيع ما أحضرته على الناس، بينما غسان بقي حبيس القضبان.

ولمن لا يعلم عن الاعتقال الإداري، الذي تواصل سلطات الاحتلال الإسرائيلي اتباعه ضد الفلسطينيين، فإنّها تقوم باعتقالهم من دون تقديمهم للمحاكمة، أو الإفصاح عن لائحة الاتهامات الموجّهة إليهم، كما أنّها لا تسمح لهم أو لمحاميهم بمعاينة المواد الخاصة بالأدلة.

وتتذرّع سلطات الاحتلال الإسرائيلي بأنّ للمعتقلين الإداريين ملفات سرية لا يمكن الكشف عنها أبداً، وبذلك فإنّ المعتقل لا يعرف مدة محكوميته، ولا التهم الموجّهة إليه.

وبالعودة إلى غسان الذي أفرج عنه بداية العام 2010، وعاش ما أسماها فترة ذهبية مع عائلته امتدت لعام 2013، تزوّج خلالها وأنجب طفله الأول إبراهيم، ولم يكد الفرح يدق بابه، حتى اعتقله الاحتلال مرة أخرى بداية عام 2014، وحكم بالسجن الإداري 6 أشهر جدّد له عدّة مرات حتى وصل الحكم لـ20 شهراً، خاض خلالها إضراباً مفتوحاً عن الطعام استمرّ 42 يوماً.

يسرد غسان الزواهرة الذي أفرج عنه قبل شهر فقط من السجن، كيف عمل الاعتقال الإداري على سلب الاستقرار من حياته، وليفوّت عليه فرصة مشاركة عائلته في مناسبات كثيرة، أقساها استشهاد شقيقه معتز في الـ13 من تشرين الأول/أكتوبر عام 2015، “كانت اللحظات الأصعب، أبلغت باستشهاده ولم أتمكّن من توديعه، أفرج عني من السجن بعد 50 يوماً على الشهادة”.

بداية العام 2016، اقتحمت قوات الاحتلال الإسرائيلي منزل غسان، واعتقل مجدداً، وأمضى عامين في السجن الإداري، وامتدّ الاعتقال إلى منتصف عام 2018. وفي نهاية العام ذاته، اعتُقل مجدداً لغاية 2021 اعتقالاً إدارياً أيضاً، أُفرج عنه ومكث بين عائلته 3 أشهر فقط، ليعاد اعتقاله مرة أخرى ويقضي 20 شهراً إدارياً، ويفرج عنه قبل الشهر الماضي.

يضحك غسان أثناء حديثه، عندما يستذكر تعليقات أصحابه وجيرانه في مخيم الدهيشة الذين يمازحونه بتعليقات على سبيل الفكاهة لكثرة ما يتمّ اعتقاله، فيقول له أحدهم “شو جايبك عنا؟”، وآخر “عجب برا السجن”، أو “ايش يا غسان مطوّل عنا”.

يقول غسان: “أشعر أنّني ضيف على عائلتي أحضر لأراهم فترة ومن ثمّ تتمّ إعادتي إلى السجن، لا أستطيع مشاركتهم بشيء، حتى أنني لا أستطيع فعل شيء لمستقبلي، فقدت الاستقرار لأنني أصبحت معتاداً على أن يقتحم جيش الاحتلال منزلنا في أي دقيقة ويعتقلني”.

واحدة من القصص التي سردها غسان في سياق ذلك، ما يتعلق بدراسته في الجامعة، حيث وفي عام 2008 تسجّل في جامعة القدس المفتوحة لدراسة الخدمة الاجتماعية، لكنه ولكثرة الاعتقال، لم يتمكّن من إتمامها، فكانت تذهب عائلته لتأجيل الفصل له. وقبل فترة وجيزة فقط استطاع الحصول على شهادة، وذهبت عائلته لاستلام الشهادة بدلاً عنه لأنّه كان في السجن.

الأمر الذي تحدّث عنه غسان قائلاً: “عندما أخبرتني أمي أنني تخرّجت وأنها استلمت شهادتي، لم يكن لدي أي مشاعر، كأنني فقدت الشغف بكل الأشياء حتى تلك التي أحبها، وكنت أعمل طيلة الوقت على تحقيقها، لم أعد أشعر بقيمة الأشياء، حتى أطفالي لم أكن أفرح ذاك الفرح من القلب عند ولادتهم”.

وتحدث غسان أيضاً عن أطفاله، إبراهيم الذي حضر ولادته لأنّه كان خارج السجن، أمّا “آسر”، فأُبلغ بولادته بينما كان في الخيم بسجن النقب، وكان يخوض إضراباً عن الطعام، وأسماه آسر مشتق من لفظ أسير، ونايا ولدت وهو خارج السجن، لكنه لم يمكث معها سوى شهرين، رغم أنها مريضة بالقلب واضطرت والدتها لإجراء عملية قلب مفتوح لها، ولم يتمكّن الأب من مشاركتهما أو الوقوف معهما، بينما ابنته “مينا” ولدت وهو داخل المعتقل.

يشير غسان زواهرة (43 عاماً)، إلى مشروع للوجبات السريعة كان قد افتتحه في المخيم، بضغط من العائلة لعل جيش الاحتلال يكفّ عن ملاحقته، حقّق غسان مشروعه الذي لم يكمل الشهر، حتى داهمه الاحتلال واستولى على معداته، وأفشل مشروعه، وهدّده بأن يبقي حياته مدمّرة على هذا النحو. حتى الآن، لا يستطيع غسان التفكير في مشروع أو عمل خاص، ويكتفي بأعمال بسيطة كتوزيع خبز على المحال التجارية أو ما شابه، لكن المردود المادي لقاء هذا العمل لا يكفي لإعالة أسرته.

مواجهة الأسرى الفلسطينيين للاعتقال الإداري

‏أصدر الاحتلال الإسرائيلي أكثر من 12 ألف أمر اعتقال إداري، على مدار التسع سنوات الماضية، 1016 أمراً منذ بداية العام الجاري، حيث تجاوز عدد المعتقلين الإداريين اليوم 1000 معتقل بينهم نحو 10 قاصرين وأسيرتان.

وبحسب معطيات نادي الأسير الفلسطيني، فقد نفّذ المعتقلون الإداريون منذ أواخر عام 2011، حتى نهاية العام الجاري، ما يزيد على 410 إضراب فردي، كان جلّها ضد الاعتقال الإداري، وما يزيد على 80% من المعتقلين الإداريين هم معتقلون سابقون تعرّضوا للاعتقال الإداري مرات عديدة، من بينهم كبار في السن، ومرضى، وأطفال موزّعون على 3 سجون هي “عوفر، النقب، ومجدو”.

‏وتستند سلطات الاحتلال الإسرائيلي في إجراءات الاعتقال الإداري إلى المادة “111” من أنظمة الدفاع لحالة الطوارئ التي فرضتها السلطات البريطانية في أيلول/سبتمبر 1945، حيث استخدمت هذه السياسة وبشكل متصاعد منذ السنوات الأولى لاحتلال الضفة الغربية وقطاع غزة عام 1967.

بدأ الأسرى مواجهة الاعتقال الإداري إبّان اندلاع انتفاضة الحجارة عام 1987، إلاّ أنّها لم تكن شاملة أو ممنهجة، لكن في شهر آب/أغسطس من العام 1996، صار هناك تغيير في هذه المواجهة، حيث قاطع الأسرى وللمرة الأولى محاكم الاستئناف العسكرية.

ومع اندلاع انتفاضة الأقصى عام 2000، صعّدت سلطات الاحتلال من سياسة الاعتقال الإداري، بينما واجه المعتقلون ذلك من خلال إحراق سريره الخشبي، والخيام أحياناً، ما كان يؤدي إلى مواجهات عنيفة مع إدارة السجن.

وفي عام 2011، سلّطت أمعاء الشهيد الأسير خضر عدنان (44 عاماً) الخاوية الضوء على الاعتقال الإداري، عبر خوضه إضراباً مفتوحاً عن الطعام استمرّ 62 يوماً، وهو ما حدث للمرة الأولى في تاريخ الحركة الأسيرة، في نقطة تحوّل جديدة انطلق بها الأسرى من نضالهم ضد هذه السياسة.

عدنان، الأب لتسعة أبناء، 5 من الذكور و4 من الإناث، الذي خاض الإضراب المفتوح عن الطعام 12 مرة، آخرها العام الجاري، امتد لـ87 يوماً، توّجها بارتقائه شهيداً في 2 أيار/ مايو، لتودّع فلسطين خبازها جائعاً إلّا من الكرامة.

المصدر: الميادين

الاخبار ذات الصلة