العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله
أراد الله تعالى للمؤمنين أن يلتزموا هذا العنوان الكبير، ليبادر كلّ إنسان، إذا رأى فريقين من المؤمنين متنازعين، سواء كان ذلك على المستوى الفردي أو على المستوى الاجتماعي، إلى الإصلاح بين هذين الأخوين أو الفريقين، ولا سيّما عندما يتحرك الخلاف والنـزاع، وتنطلق المشاكل في العائلة الواحدة، سواء كانت في العائلة الأبوية أو الزوجية، فإنّ الخلاف بين الزوجين أو بين الإخوة، أو بين الأب والأولاد، يؤدي إلى الكثير من المشاكل على صعيد واقع الأولاد، ويخلق الكثير من العقد، ويُسقط الكثير من المواقع، ويؤدي إلى الكثير من التعقيدات النفسية التي قد تحوّل الأولاد إلى حالة من السقوط أو الإجرام.
ولهذا، لا بدَّ للناس من أن يبادروا إلى جمع الشّمل في داخل العائلة الواحدة، بدلاً ممّا يفعله البعض، ممّن لا يتحمّلون المسؤوليَّة، من محاولات التفرقة بين الزّوجين، وهذا ما حدّثنا الله عنه في قوله تعالى: {فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ} (البقرة/102)، وهكذا عندما نواجه الأوضاع الاجتماعية بين قبيلة وأخرى، وبين حزب وآخر، أو جماعة وأخرى، ما يؤدّي إلى التنازع والتحاقد والتقاتل، بحيث يهدّد سلامة المجتمع كلّه، وهذا ما لاحظناه في الكثير من الأوضاع في الحقلين السياسي والاجتماعي.
أن ينطلق المجتمع كلّه في تهيئة مجموعات للإصلاح بين الناس، لحفظ استقرار المجتمع وسلامته، من خلال الدراسة العميقة للأسس التي انطلقت منها هذه المشاكل أو تلك هنا وهناك.
وقد ورد في الحديث عن رسول الله (ص) في إعطاء القيمة الكبرى لمسألة إصلاح ذات البين: «ألا أخبركم بأفضل من درجة الصّيام والصلاة والصدقة؟ إصلاح ذات البين، فإنّ فساد ذات البين هي الحالقة»، لأن فساد ذات البين يمكن أن يؤدي إلى أن يقتل الأخ أخاه، وأن يدمّره ويتعرّض لكلّ مصالحه وقضاياه بالسوء. ولذلك، فإنّ الله تعالى يريد للمؤمن فرداً، وللمؤمنين جماعات، أن يبادروا إذا أرادوا أن يتقرَّبوا إلى الله تعالى، إلى إصلاح ذات البين، فإنّه أفضل من الصلاة المستحبّة والصيام المستحب والصدقة المستحبّة.
وقد ورد عن رسول الله (ص) وهو يخاطب أحد أصحابه: «يا أبا أيوب، ألا أخبرك وأدلّك على صدقة يحبّها الله ورسوله؟ تُصلح بين الناس إذا تفاسدوا وتباعدوا»، أن تقرّب فيما بينهم إذا ابتعد أحدهم عن الآخر، وأن تصلح بينهم إذا فسدت العلاقات فيما بينهم. وقد قال الإمام الصادق (ع): «صدقة يحبها الله: إصلاح بين النّاس إذا تفاسدوا، وتقارب بينهم إذا تباعدوا».
ويقول الإمام عليّ (ع): «ثابروا على صلاح المؤمنين والمتقين»، ويقول (ع): «من كمال السعادة، السعي في صلاح الجمهور»، ففي الإصلاح السّعادة التي يحصل عليها الإنسان في نتائجه على مستوى الدّنيا والآخرة.