على هذا الأساس راح يدق فريق دولي من العلماء في علم الجينومات، وعلم الأحياء الدقيقة، وعلوم الأرض من روسيا وألمانيا وفرنسا، جرس الإنذار من أن “خطر بقاء الجزيئات الفيروسية القديمة معدية” قد تم التقليل من شأنه. ويوضح العلماء أن تغير المناخ وذوبان الطبقات الجليدية بمعدل ينذر بالخطر قد يطلق العنان لبعض الأمراض التي كانت محتجزة في الجليد منذ عصور ما قبل التاريخ، المتأتية من الكائنات الحية التي يُعتقد أنها انقرضت، وهي “فيروسات الزومبي” القديمة التي ما تزال تمتلك القدرة على استثارة العدوى والانتشار.
ونشر الفريق الذي يتتبع “فيروسات الزومبي” التي تم إحياؤها منذ ما يقارب عقدا من الزمان، النتائج التي توصل إليها في مجلة Viruses. ووجد العلماء أن جزيئات الأمراض ما تزال معدية حتى اليوم في صوف الماموث ومومياوات سيبيريا وذئاب ما قبل التاريخ وحتى في رئتي أحد ضحايا الإنفلونزا المدفون في أرض متجمدة. وعملت المؤسسات في روسيا وألمانيا وفرنسا معا على الدراسة الجديدة، التي وجدت أن “الخطر لا بد أن يزداد في سياق الاحتباس الحراري، حيث سيستمر ذوبان الجليد الدائم في التسارع”. واكتشف العلماء، في العقود الماضية، العديد من الميكروبات من السجل الأحفوري السريع الذوبان في التربة الصقيعية، وأظهر التحليل أن فيروسات “الزومبي” يمكن أن تعود.
وبفضل التربة الصقيعية، تم الحفاظ على كمية كافية من الحمض النووي الريبوزي من فيروس الإنفلونزا بشكل جيد بحيث تمكن العلماء من سلسلة الجينوم الكامل لسلالة 1918 من فيروس الإنفلونزا. وقال العلماء إن إمرأة توفيت بسبب الفيروس في كندا، لكن هذا الاكتشاف هو مؤشر مبكر على مدى سهولة الحفاظ على الفيروسات القاتلة في التربة الصقيعية في القطب الشمالي. وكان اختصاصي علم الأمراض الدكتور يوهان في هولتين يبحث عن عمد عن عينات الإنفلونزا التي يمكن أن تساعد الباحثين الطبيين على فهم أفضل لكيفية مكافحة الأوبئة في المستقبل.
وتم القضاء على الجدري رسميا على مستوى العالم، وفقا لمنظمة الصحة العالمية التابعة للأمم المتحدة، في عام 1980.
ولكن في عام 2004، اكتشف علماء فرنسيون وروس الجدري داخل مومياء في سيبيريا الجليدية عمرها 300 عام مجمدة في التوندرا بجمهورية ياقوتيا الروسية. ويعود تاريخ المومياء إلى القبور التي تم صنعها أثناء تفشي مرض الجدري خلال أواخر القرن السابع عشر إلى أوائل القرن الثامن عشر في منطقة شمال شرق سيبيريا. وكان كل موقع من المواقع الأثرية يتألف من مقابر خشبية مدفونة في التربة الصقيعية، لكن القبر “غير المعتاد” مع الجدري كان به خمس مومياوات مجمدة. وكانت المدافن الفردية ممارسة تقليدية في المنطقة في ذلك الوقت، وأظهر التحليل الإضافي للعلماء أن الجثث دُفنت بسرعة بعد وفاتها.
يبلغ حجم فيروس بيثو السيبيري نحو 1.5 ميكرومتر، وحجمه أكبر بسبعة أضعاف من حجم فيروس بيثو الحديث الذي يصيب الإنسان، والذي يتراوح عادة بين 20 و200 نانومتر. وقد اكتشف الفيروس القديم الضخم في التربة الصقيعية في سيبيريا لأول مرة في عام 2014، من عمق 100 قدم (30 مترا) تحت الأرض، وهو أحد الفيروسات القليلة التي يمكن رؤيتها تحت المجهر الضوئي العادي على غرار مجهر المدرسة الثانوية.
هذا وقام علماء فرنسيون من المركز الوطني للبحوث العلمية بجامعة إيكس مرسيليا (CNRS-AMU) بإحياء فيروس بيثو السيبيري “الزومبي” الذي يبلغ من العمر 30 ألف عام عن طريق تعريض الأميبات القربانية للفيروس.
وقال البروفيسور كلافيري من المركز الوطني للبحوث العلمية بجامعة إيكس مرسيليا في ذلك الوقت: “هذه هي المرة الأولى التي نرى فيها فيروسا ما يزال معديا بعد هذه المدة الزمنية. وتشير السهولة التي تم بها عزل هذه الفيروسات الجديدة إلى أن الجسيمات المعدية للفيروسات الخاصة بالعديد من المضيفات الحقيقية النواة الأخرى غير المختبرة، بما في ذلك البشر والحيوانات، ربما تظل وفيرة في التربة الصقيعية القديمة”.
فيروس “الذئب” (Pacmanvirus lupus) عثر على فيروس “الذئب”، وهو قريب قديم لفيروس حمى الخنازير الإفريقية، ذائبا في أمعاء ذئب سيبيري متجمد يبلغ عمره 27 ألف عام. واكتشفت بقايا هذا الذئب السيبيري (Canis lupus) في نفس موقع مجرى نهر يانا. ومثل بقية الفيروسات القديمة الكبيرة الحجم، ما يزال فيروس “الذئب” (P. lupus) قادرا على العودة إلى الحياة وقتل الأميبات.