يرزخ مئات الآلاف وربما ملايين الأفغان الذين يعيشون في باكستان اليوم تحت رحمة الوضع المعيشي المتردّي والملاحقات الأمنية المُكثفة، إذ بات يُنظر إليهم على أنهم عبء ثقيل على البلد الذي يغرق في دوامة انهيار اقتصادي ومالي ويدنو كثيراً من حافة الإفلاس، بينما كانوا قد هربوا من الدمار الذي لحق بمختلف القطاعات الاقتصادية في أفغانستان بسبب الحرب على مدار سنوات طويلة ماضية، وأخيراً عدم توفر فرص العمل منذ سيطرة طالبان على البلاد، وبقاء الصعوبات الاقتصادية والمعيشية على حالها.
*نحو 1.3 مليون أفغاني
اللاجئون الأفغان المسجلون فقط في باكستان يبلغ عددهم نحو 1.3 مليون شخص، وفق إحصاءات صادرة عن المفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في يونيو/حزيران 2022، لكن تقديرات غير رسمية تشير إلى بلوغ إجماليهم نحو 3 ملايين شخص، موزعين على أطياف مختلفة، الأول يعيش بالأموال المستوردة من الخارج من أقاربهم وأفراد أسرهم، وطيف آخر يعيش بالتجارة ولهم أعمال تجارية لا بأس بها، وهم في حالة جيدة، رغم تأثرهم بالوضع المعيشي العام في باكستان، ولكن الطيف الثالث وهو بين الأول والثاني وهم العمال المياومون (العاملون بأجر يومي) أو الموظفون مقابل أجور شهرية زهيدة.
*البحث عن الرزق
وشريحة العمال هذه ارتفعت وتيرتها وأعدادها في الأشهر الماضية في باكستان، حيث غادر الكثير من الأفغان البلاد وجاؤوا إلى الدولة المجاورة بحثاً عن الرزق بعد التقلبات السياسية، إثر سيطرة طالبان على كابول في أغسطس/آب 2021، حيث تعطلت المؤسسات الحكومية مثل الجيش والشرطة وغيرها، كما أغلقت كل المؤسسات الدولية أبوابها، بسبب عدم الاعتراف الدولي بحكومة طالبان، وتجميد الولايات المتحدة الأميركية الأصول الأفغانية، ووضع يدها على الاحتياطي النقدي الأجنبي، والذي تقدر قيمته بنحو 7 مليارات دولار، وهو ما جعل الكثير من الأفغان يهربون من البلاد لأحوال أمنية أو بحثاً عن العمل، خاصة الفئة التي عاشت سابقاً في باكستان ثم عادت إلى أفغانستان خلال عقدين ماضيين، حيث توجهت من جديد صوب باكستان.
*موجة جديدة من اللاجئين
ويقول خبراء إن موجة جديدة من اللاجئين الأفغان توجهت صوب باكستان، بعد سيطرة طالبان على أفغانستان، وهناك أسباب عدة وراء ذلك، مثل البحث عن تعليم البنات، فكثير من الأفغان جاؤوا إلى باكستان من أجل تعليم بناتهم، بعد أن أغلقت طالبان أبواب الجامعات والمدارس ما فوق الصف السادس، لكن الشريحة الكبيرة هي شريحة العمال، بعد أن تدهورت مؤسسات الدولة مثل الشرطة والجيش والاستخبارات، وأغلقت الكثير من المؤسسات الدولية أبوابها، هؤلاء جاؤوا إلى باكستان من أجل الحصول على لقمة العيش، وبحسب بعض الإحصائيات عدد هؤلاء يفوق 600 ألف شخص، في حين أن حوالي ثلاثة ملايين لاجئ أصلاً يعيشون في باكستان، بينهم عدد كبير من العمال المياومين والموظفين مقابل رواتب زهيدة.
*باكستان بلا تمويل وتحذير أممي
ويتابع الخبراء أنه توجد أعداداً كبيرة من رجال الشرطة والجيش الأفغاني السابق جاؤوا إلى باكستان فقط من أجل الحصول على عمل يومي، أو وظيفة في شركة، أو أي سوق، وهم الآن يعيشون في حالة غير جيدة لأسباب عدة، أهمها ملاحقات الشرطة المتواصلة، وأخذها المال منهم بذريعة أو أخرى، والمعروف أن جلهم يدخلون إلى باكستان بطريقة غير شرعية، وغالباً بدون جواز سفر وتأشيرة، ويدفعون الأموال من أجل عبور الحدود، وتحديداً عبر منفذ سبين بولدك الحدودي في جنوب غرب باكستان، وبعد الوصول يبدأون الحياة ولكن فجأة تبدأ ملاحقات الشرطة وأخذهم إلى السجن، وهو حصل في حق الكثيرين.
*حملة ضد اللاجئين الأفغان
في الأشهر الأولى من هذا العام شهدت باكستان حملات متعددة طالت مختلف مناطق البلاد ضد اللاجئين الأفغان غير الشرعيين، وكانت شريحة العمال والموظفين هم أكثر من دفعوا الثمن، لأنهم لا بد أن يخرجوا من منازلهم وإلى الأسواق والمدن كي يحصلوا على العمل، من هنا كان لا بد من تعرضهم للشرطة، والأخيرة تأخذ منهم المال لتطلق سراحهم أو لتأخذهم إلى السجون، وما زال هناك مئات الأفغان في سجون باكستان.
*انشغال الشرطة بملاحقة أنصار خان
إلاّ أن “انشغال الشرطة منذ أكثر من شهر بملاحقة أنصار رئيس الوزراء السابق عمران خان، خفف من الملاحقات الأمنية بحق اللاجئين والعمال الأفغان في الأيام الماضية، ومع ذلك فإن العمال الأفغان لا يزالون في حالة من الخوف والقلق.
في هذا الشأن، قالت شاهده أمان، الأكاديمية الباكستانية ورئيسة القسم السياسي في جامعة بيشاور في مؤتمر دولي عقد في جامعة بيشاور في السابع من مايو/أيار الماضي، وشارك فيه مسؤولون باكستانيون ومندوبو المؤسسات المعنية بشؤون اللاجئين، إن معظم اللاجئين الأفغان محرمون من العمل في باكستان، ويحتاجون إلى أبسط مقومات الحياة.
وجمعت باكستان 4 مليارات دولار من مصادر تمويل خارجية، من إجمالي 6 مليارات دولار تستهدف الحصول عليها في إطار جهودها لإحياء برنامج الإنقاذ المالي الذي تأخر طويلاً مع صندوق النقد الدولي.
تقول وزارة المالية في إسلام آباد أن الدولة الواقعة في جنوب آسيا تواصل جهودها لتعبئة بقية المبلغ المستهدف، مضيفة أنها تأمل في إبرام اتفاق مع صندوق النقد الدولي قبل أن تكشف النقاب عن بنود ميزانيتها في التاسع من يونيو.
ويتعين على باكستان سداد نحو 22 مليار دولار قيمة مدفوعات الديون الخارجية خلال السنة المالية 2024، التي تبدأ في يوليو، وفقاً لـ”كولومبيا ثريد نيدل إنفستمنتس”(Columbia Threadneedle Investments). ويعادل هذا المبلغ نحو خمسة أضعاف احتياطياتها الأجنبية.