تشكيل تحالف إيراني عربي جديد في الخليج الفارسي.. الأسباب والنتائج

برزت أهمية هذا التحرك عندما أعلن المسؤولون الإيرانيون، في وقت قريب، عن الانتهاء من التحضيرات المتعلقة بتشكيل تحالف بحري جديد لدول المنطقة في الخليج الفارسي.

2023-06-07

منذ الإعلان عن عودة العلاقات بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والسعودية في آذار الماضي، والتي اتفق خلالها الطرفان على خفض التصعيد وحل الخلافات، تمر التطورات الإقليمية بمرحلة مختلفة عن الماضي، وفي الوقت نفسه، يعتقد المحللون أن هذه التحركات يمكن أن تخلق استقرارًا أكثر للوضع السياسي والأمني ​​للخليج الفارسي وغرب آسيا وشمال إفريقيا، كما سيؤدي الاستقرار إلى تقارب أكثر لدول المنطقة في المجالات السياسية والعسكرية والاقتصادية.

وعليه، وبعد تزايد الأمل في حل قضية حرب اليمن وعودة سوريا إلى جامعة الدول العربية، فإن هناك حدثاً آخر يمكن أن يغير الوضع الإقليمي الجديد، ألا وهو انسحاب الإمارات من تحالف الأمن البحري بقيادة الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط، والذي أعلنته حكومة الإمارات رسمياً يوم الأربعاء 31 مايو.

وفي هذا الصدد، أعلنت وزارة الخارجية الإماراتية في بيان نشرته وكالة الأنباء الرسمية للدولة “وام”: انسحاب الإمارات من المعاهدة البحرية الموحدة قبل شهرين بعد تقييمها المستمر للتعاون الأمني ​​الفعال مع جميع الشركاء”.

وقد برزت أهمية هذا التحرك عندما أعلن المسؤولون الإيرانيون، في وقت قريب، عن الانتهاء من التحضيرات المتعلقة بتشكيل تحالف بحري جديد لدول المنطقة في الخليج الفارسي.

وفي هذا الصدد صرح قائد البحرية الإيرانية شهرام إيراني في لقاء تلفزيوني: “التحالف البحري في شمال المحيط الهندي بوجود دول مثل إيران والسعودية والإمارات وقطر والبحرين، العراق وباكستان والهند وجميع البلدان في تلك المنطقة في طور التشكل”.

من خلال جمع هذه الأحداث معًا، يبدو أن هناك نقطة تحول في التعاون الأمني ​​الإقليمي في الخليج الفارسي، ولأول مرة خلال العقود الأربعة الماضية، يمكننا أن نشهد وجوداً رسمياً لتحالف عسكري يتكون من إيران وأعضاء من مجلس التعاون الخليجي. إن نتائج هذا التحالف سيكون لها بالتأكيد آثار كبيرة على عمليات التنمية في المنطقة.

ناقوس موت التحالفات البحرية الغربية في الخليج الفارسي

خلال العقود الأربعة الماضية، رسخت الولايات المتحدة مصالحها الاستراتيجية في الخليج الفارسي باعتباره الشريان الرئيسي لتدفق الطاقة العالمية، وأقامت وجودًا عسكريًا ثابتاً على أراضي الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي كجزء من تحالفها الاستراتيجي مع هذه المجموعة.

في تلك الأثناء، وعلى الرغم من هذا الوجود العسكري، وخاصة في المجال البحري، وبسبب الجهود الكبيرة التي تبذلها جمهورية إيران الإسلامية للدفاع عن حدودها البحرية والساحلية، وحماية المصالح الوطنية في المياه الإقليمية، وأن يكون لها اليد العليا في السيطرة على مضيق هرمز الاستراتيجي، حدثت بعض التوترات العسكرية البحرية، ولكن هذه التوترات زادت بشكل حاد مع تولي إدارة دونالد ترامب السلطة وتبني سياسة عدوانية متمثلة بالضغط الأقصى على طهران لإركاع الاقتصاد الإيراني على ركبتيه، وقد تركزت هذه السياسة في قطع صادرات البلاد النفطية، وفي مرحلة ما، حاول البيت الأبيض بمساعدة دول غربية أخرى، وعلى رأسها الكيان الصهيوني أن يحبط محاولات إيران للالتفاف على العقوبات وإفشال مخطط الضغط الأقصى.

أدت هذه السياسة العدوانية إلى أن تصبح الجمهورية الإسلامية أكثر جدية من ذي قبل في حماية مصالحها البحرية وحدودها المائية من المناورات العسكرية الأمريكية في مياه الخليج الفارسي. ما أدى إلى أحداث مهمة كإسقاط طائرة “جلوبال هوك” دون طيار التي دخلت الأجواء الإيرانية، والاستيلاء على ناقلة النفط البريطانية المخالفة. ووقعت بعض الأحداث المماثلة بين مايو ويونيو في مضيق هرمز وخليج عمان.

بعد هذه الأحداث في أغسطس 2018، أعلنت الولايات المتحدة عزمها على تشكيل قوة بحرية دولية لحماية طرق الشحن الحيوية في الخليج الفارسي تحت عنوان عملية الحارس. وقالت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) إن مهمة التحالف البحري هي “زيادة المراقبة والأمن في الممرات المائية الرئيسية في الشرق الأوسط لضمان حرية الملاحة في الخليج الفارسي، الذي يمر عبره نحو خمس النفط العالمي”، وكانت أستراليا والبحرين وبريطانيا والكيان الصهيوني والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة من بين الدول التي انضمت إلى هذا التحالف.

في سبتمبر 2018، قال سالم الذابي، المسؤول في وزارة الخارجية الإماراتية، إن دولة الإمارات العربية المتحدة ستنضم إلى هذا التحالف “لضمان أمن الطاقة العالمي واستمرار تدفق إمدادات الطاقة إلى الاقتصاد العالمي”.

في الوقت نفسه، أعلنت الدول الأوروبية بقيادة فرنسا أيضًا عن تشكيل تحالف بحري منفصل مع دول الخليج الفارسي بهدف ضمان الأمن البحري، وقد تم إنشاء القاعدة العسكرية الفرنسية في الإمارات. وعلى ما يبدو جاء تشكيل تحالف بحري منفصل لتقليل حساسية طهران، وإظهار أن سياسة الدول الأوربية لا تتماشى مع سياسات الولايات المتحدة المسببة للتوتر في الخليج الفارسي بعد انسحاب واشنطن أحادي الجانب من الاتفاق النووي، ولكن في الواقع، هذا التحالف أشار إلى جهد فرنسا لتعزيز وجودها العسكري في الخليج الفارسي والشرق الأوسط بشكل عام، وأظهر أيضاً عدم يقين الدول العربية، وخاصة الإمارات والسعودية، بفاعلية تحالف القوات البحرية الذي تقوده الولايات المتحدة للدفاع عن مصالحهم في مياه الخليج الفارسي.

أظهرت تجربة عجز أمريكا وصمتها أمام هجمات أنصار الله بطائرات مسيرة في عمق الأراضي السعودية والإماراتية، فضلاً عن عدم قدرة السفن الأمريكية على تسيير دوريات بحرية مستمرة لمنع استيلاء إيران على ناقلات النفط المخالفة، إلى جانب عدم قدرة ترامب على تنفيذ تهديداته بعد إسقاط “جلوبال هوك”، كلها بوادر دفعت الدول العربية للتشكيك في فاعلية هذا التحالف.

وقد حدثت هذه المشكلة نفسها من قبل في عام 2009، حيث أنشأت الولايات المتحدة فرقة عمل تسمى CTF-150، بالاعتماد على أسطولها الخامس في البحرين، بهدف تكثيف المراقبة الأمنية البحرية مع التركيز على التهريب غير المشروع والإرهاب، والتي انضمت إليها دول أخرى ليتكون تحالف عرف باسم CMF، مغطياً مساحة حوالي 3.2 ملايين ميل مربع من المياه الدولية ويشمل 33 دولة: أستراليا والبحرين وبلجيكا والبرازيل وكندا والدنمارك وفرنسا وألمانيا واليونان والعراق وإيطاليا واليابان والأردن وكوريا الجنوبية والكويت وماليزيا وهولندا ونيوزيلندا والنرويج وباكستان والفلبين والبرتغال وقطر والمملكة العربية السعودية وسنغافورة وإسبانيا وتايلاند وتركيا والإمارات العربية المتحدة والمملكة المتحدة وأمريكا واليمن.

ومع ذلك، ظل هذا التحالف حبراً على ورق، حيث علق عليه برايان كلارك، كبير الخبراء في مركز التقييمات الاستراتيجية: “حتى الآن، كان هذا التحالف رمزيًا أكثر من كونه عمليًا. البلدان التي انضمت إلى القوات البحرية المشتركة كانت لاعبًا رئيسيًا، لكنها لم ترسل بالضرورة الكثير من السفن.”

في الواقع، بينما شاركت الدول العربية في تحالفات دولية يقودها الغربيون لتقليل مخاوفها الأمنية، ظلت تلك التحالفات دون فعالية تُذكر. بل يمكن القول إن التهديدات التي أحدثها وجود القوى الغربية لمصالح إيران الاستراتيجية وصلت إلى بيوت مشايخ الخليج الفارسي، والجهود المبذولة لتشكيل تحالف بحري من دول المنطقة هي ضربة قوية لاعتبار وشرعية وكفاءة وبقاء التحالفات البحرية الغربية في المنطقة.

وفي الآونة الأخيرة، قال قائد البحرية الإيرانية: “اليوم، وصلت دول المنطقة إلى نقطة أنه إذا كان هناك أمن في المنطقة، فيمكن تحقيقه وترسيخه من خلال التآزر والتعاون”.

الضربة القاضية للبعد العسكري – الأمني ​​للتطبيع

من الجوانب المهمة الأُخرى للتطورات في الخليج الفارسي فيما يتعلق بالتحالف الأمني ​​الإقليمي الجديد، هو الضربة التي توجهها هذه العملية للمصالح الاستراتيجية للصهاينة، ولا سيما في مجال تعزيز تطبيع العلاقات مع الدول العربية.

من أهم محاور السياسة الأمريكية للسيطرة على تصاعد قوة الجمهورية الإسلامية وخطاب المقاومة، والحفاظ على أمن النظام الصهيوني، هو تشكيل تحالف إقليمي مكون من الدول العربية والنظام الصهيوني، والذي سيضمن توسع وترسيخ عملية التطبيع.

في هذا الصدد، كان التخويف من إيران وإبراز التبعات الاقتصادية والأمنية والعسكرية الإيجابية للتطبيع للدول العربية من أهم الأساليب التي استخدمها البيت الأبيض والصهاينة.

مع ذلك، فإن استمرارية وتعزيز عملية التكامل الإقليمي على جانبي الخليج الفارسي، والذي يمكن رؤيته في تشكيل تحالف بحري جديد، لن يكون له فقط تأثير كبير على صورة التطبيع الملمعة للدول العربية، ولكن حتى بسبب الطبيعة العدائية والجمع الصفري للمصالح الاستراتيجية للجمهورية الإسلامية والصهاينة في المنطقة، إضافة إلى خطوط طهران الحمراء الواضحة فيما يتعلق بالوجود المزعزع للاستقرار للصهاينة في مياه الخليج الفارسي، فإن فعالية التحالف البحري الإقليمي مع إيران ستؤدي إلى إزالة فكرة التحالف التطبيعي من سياسة مشيخات الخليج الفارسي.

مفتاح أمن الخليج الفارسي، الفهم المشترك للمصالح والتهديدات

يعد التعاون في تأمين مياه الخليج الفارسي وبحر عمان عن طريق تشكيل تحالف بين الدول المطلة خطوة مهمة لزيادة الفهم الإقليمي المشترك للتهديدات والتحديات الأمنية، ونتيجة لذلك، تقليل مستوى التضارب بين المصالح الأمنية والعسكرية، والمساعدة على حل القضايا الجيوسياسية المثيرة للجدل في الماضي والمستقبل بشكل مشترك. إضافة إلى انه سيعزز ويوسع المصالح المشتركة من المجالات الأمنية والعسكرية إلى المجالات السياسية والاقتصادية والتجارية والثقافية الأخرى.