الفن السابع له سحره الخاص والأفلام والمسلسلات لها جاذبيتها الخاصة مهما كان موضوعها، وهذا الذي أدى إلى أن يُستخدم كأداة في الحرب الثقافية، وقد بذل الأوروبيون والدول المتغطرسة الأموال الكثيرة لإنتاج أفلام ومسلسلات تخدم مصالحهم، وفي المقابل قامت دول محور المقاومة بإنتاج أفلام تعرض نضال المجاهدين وتكشف زيّف سينما الدول المتغطرسة، وتطورت السينما عند محور المقاومة يوما بعد يوم.
دول محور المقاومة اتخذت خطوة الوحدة والتعاون المشترك وتبادل الخبرات في جميع المجالات ومنها السينما، وشهدنا إقامة كثير من الندوات والمؤتمرات والورشات وتوقيع مذكّرات التعاون وغيرها في هذا المجال، وفي هذا الإطار إلتقى رئيس منظمة السينما الإيرانية محمد خزاعي قبل أيام مع سفراء إيران لدى بعض الدول مثل الصين والهند وإندونيسيا ولبنان وتونس وجنوب إفريقيا والبرازيل، في وزارة الخارجية الإيرانية وبحضور المتحدث باسم الوزارة الخارجية ناصر كنعاني ومدير الدبلوماسية العامة في الوزارة عليرضا دلخوش، وقد قاموا بتبادل الآراء حول تطوير التفاعلات الدولية والتعاون الثقافي والسينمائي.
وصرح خزاعي أن قسماً كبيراً من منتجات السينما الإيرانية تركّز على القيم الإنسانية والعائلية، وأشار إلى المكانة والإنجازات الدولية للسينما الإيرانية وقال: إن السينما، باعتبارها إحدى النوافذ الهامة لفهم ثقافة المجتمع والأمة، فهي من أهم أدوات الدبلوماسية العامة في العالم، ولحسن الحظ، للسينما الإيرانية علامة تجارية معروفة كواحدة من أبرز المنتجات الثقافية في البلاد.
وأكد خزاعي على أن الأنشطة والحركات الثقافية يجب أن تعزز ويتم تطوير العلاقات مع الدول الأخرى، وتابع: المهم في السينما كما في المجالات الأخرى هو مناقشة العرض والطلب، وإذا كان الفيلم يتمتع بهذه الإمكانية فيمكن أن يكون كذلك مرحب به، وإذا تم بيعه بشكل جيد، فسوف يلاحظ بالتأكيد من قبل مختلف البلدان وشركات الأفلام، بما أن السينما بحاجة إلى أسواق إقليمية ودولية.
وتابع: لقد نجحت صناعة الرسوم المتحركة وبعض إنتاجاتنا السينمائية في الأسواق، ويمكن استخدام أعمال الرسوم المتحركة نظراً لخصائصها الهيكلية والمحتويات الشاملة، فضلاً عن عرض بعض الأفلام في أسواق البلدان المختلفة.
من جهته اعتبر كنعاني السينما أداة قوية ونافذة فنية لشعوب العالم للحوار مع بعضهم البعض. وقال: إن مكانة السينما والمصورين السينمائيين الإيرانيين في الساحة العالمية اليوم هي مكانة عالية ومحترمة.
وتابع: “السينما هي أداة قوية للدبلوماسية العامة الإيرانية، يمكنها تصوير المعتقدات والمثل الإنسانية والأخلاقية والدينية والثورية للشعب الإيراني بأفضل طريقة في العالم، ويعتبر الفن السابع كلغة معبرة وعالمية لشرح الخطاب الثقافي الحضاري الإيراني، وتجسيده بشكل أكبر بمساعدة المصورين السينمائيين الإيرانيين.
هذا وقد بحث الحضور طرق توسيع وتطوير التعاون السينمائي وعروض الأفلام في البلدان المعنية، وهي تعتبر مجالا واسعا للتعاون الثنائي، كما أنه تم عرض إنتاجات مشتركة بين إيران والدول العربية، وكذلك تم عرض كثير من الأفلام الإيرانية المدبلجة بالعربية أو مع إظهار الترجمة العربية أثناء عرضها في البلدان العربية ومنها في لبنان، كما شهدنا عرض أفلام مثل “هناس” و “دون موعد مسبق” الذي يتم حالياً عرضه في لبنان، وكذلك أنيميشن “الفتى الدولفيني” الذي تم دبلجته وعرضه بالعربية وأيضاً أنيميشن “لوبيتو”، ولقد شهدت هذه الأفلام إقبالاً كبيراً من قبل الحضور، وهذا هو خير دليل على الذائقة والقواسم المشتركة عند شعوب دول المنطقة وخاصة محور المقاومة، حيث يقوم النقاد في هذه الدول بدراسة ونقد الأفلام المذكورة.
هناس
“هناس” هو الفيلم الذي يروي قصة حياة عالم نووي إيراني أغتيل على يد الذين يدّعون بحقوق الإنسان والأسرة والطفل، حين أستشهد الشهيد رضائي نجاد أمام أعين زوجته وإبنته وهي طفلة صغيرة، فيكشف الفيلم زيّف إدعاءات وسائل الإعلام الغربية.
الدكتور نبيه أحمد يعتقد أن السينما الإيرانية تحتفل بالعديد من الأفلام التي تحدّثت عن الجهاد وفي مقال تحت عنوان “هناس.. الجهاد النووي في السينما الإيرانية” يتطرق إلى موضوع هذا الفيلم ويلخّص ميزات العمل وجاذبيته فيما يلي: أولاً: إكتشاف شخصيّة الفيلم سريعاً: سنعرف من شارة البداية أنّها قصّة شهيد نوويّ، ورد اسمه في الأخبار كضحيّة للإرهاب الأمنيّ الخارجيّ، الذي استهدف حياته أمام عائلته.
ثانياً: طريقة سرد الأحداث: سنعرف النهاية منذ البداية. ولكنّ الجميل في الفيلم هو طريقة سرد الأحداث؛ فجميعنا يعرف أنّها قصّة واقعيّة، ولكن عندما يتدخّل السياق الدراميّ في الأحداث الواقعيّة، نرى أنّها تصبح جسداً واحداً، ومشهداً متكاملاً لا نقدر على تخمين ما هو الواقعي منه وما هو المبتكر من قِبل المخرج. فالأحداث مرتبطة بالقصّة، لكن مشهد داريوش مع زوجته تحت ظلال القمر، يجعل المشاهد يستفيق من حركة الأحداث المتسارعة التي فرضها موضوع الفيلم الأمنيّ السياسي.
ثالثاً: تقديم صورة مشرّفة عن المرأة الإيرانيّة: استطاعت “مريلا مزارعي”، التي تلعب دور زوجة العالِم الإيراني، أن تقدّم صورة ناصعة عن المرأة الإيرانية، التي تحمل قضيّة زوجها وتدافع عنها بالرغم من كلّ الضغوطات التي تتعرّض لها. إنّها المرأة نفسها التي وقفت في وجه دبّابات صدّام إبّان حربه المفروضة على إيران، وهي نفسها التي وقفت في وجه الشاه؛ لتدافع عن قضيّة الإمام الخمينيّ قدس سره، هي المرأة المقاومة التي أصبحت مثالاً حيّاً للتضحية والإباء.
رابعاً: تناسب الشخصيّة مع الأحداث: بالنسبة إلى وحيد رهباني (الذي لعب دور العالم الإيراني) فمنذ أن شاهدناه في مسلسل كاندو (التمساح) بجزأيه الأوّل والثاني، وأحببنا دوره فيه، نرى أنّه قد أخذ منحى آخر في صناعة الشخصيّات، إذ يسجّل له الإقناع في بعض المواقف، والخروج عن مستواه في مواقف أخرى، ومع ذلك، استطاع تطوير الشخصيّة التي لعبها؛ لتتلاءم مع تسارع الأحداث ووتيرة المشهد.
دون موعد مسبق
فيلم “دون موعد مسبق” يشتمل على سلسلة أحداث درامية مشوّقة نشهده فيه وهو في الحقيقة رحلةٌ مشوّقة مليئة بالأحداث والذكريات تأخذنا فيها الدكتورة ياسمن بين برلين ومشهد.
رحلةٌ عاشتها الدكتورة “ياسمن” مع كثير من الأسئلة والصراعات.. مفتاح رحلتها إرثٌ غريب يقودها الى بلادها، فكيف كان طريقها؟ وهي رحلة إلى مدينة مشهد المقدسة وعند الإمام الرؤوف الإمام الرضا (ع)، فيعرض الفيلم حالياً في بيروت ويعتبره المشاهدون اللبنانيون فيلما وجدانيا وانسانيا يلامس الروح بطريقة جميلة وفيه مشاريع كثيرة ويؤثر في داخل الإنسان، ويقول الآخر بأن المخرج يعطينا الفرصة لكي نفكر في النهاية.
يحكي الفيلم قصة فتاة تدعى “ياسمن”، تعود بعد وفاة والدها الى ايران بعد سنين طويلة، ويعاني ابنها من ملازمة التوحد وهذا ما يجعل الرحلة لها صعبة، ياسمن ليس لديها معرفة كاملة عن ابيها، والارث الذي يتركه لها يثير استغرابها، وتقودها الإقامة في مسقط رأس ابيها ولقائها مع اشخاص يعرفونه، الى فهم جديد عن الانسان والموت.
بتوقيت الشام
أما فيلم “بتوقيت الشام” أي ما تم عرضه في البلدان العربية تحت عنوان “رحلة الشام “2701”، تدور أحداثه في سوريا ومواجهة منظمة داعش الإرهابية، وتحدثنا عنه كثيرا قبل هذا.
فترك الفيلم أيضاً أثره في المشاهدين بالدول العربية فيقول الدكتور نبي أحمد حول رسالة الفليم: ”
ربّما استطاع الفيلم نقل المشاهد إلى قلب الحدث في سوريا، كما أنّه أظهر جزءاً من المشهد الإرهابيّ لداعش، ومظلوميّة الشعب السوريّ.وخير شاهدٍ على نجاح الفيلم، تصريح الجنرال قاسم سليماني بأنّ الفيلم أبكاه، ودموع وزير الخارجيّة الإيرانيّ التي رأيناها خلال عرض الفيلم، الذي بدأ بمشهدٍ مؤثّر، حين رمت الطائرات المساعدات وشاهدنا ملامح وجوه الأطفال والنساء خصوصاً، يملؤها الرعب والخوف والبؤس وحالات الجوع، فيما يلتقطون المساعدات كآخر رمق للحياة، يركض الصغار لالتقاط ما يجدون، تُفاجئهم القذائف لتلمع عيونهم بالخوف من تبدّد الأمل الأخير.. كان يعرض جزءاً من صورة داعش”.
حلقة وصل أفلام المقاومة
إذا أردنا أن نتطرق إلى كل أفلام المقاومة وخاصة السينما الإيرانية في هذا المجال، لا نستطيع أن نذكرها جميعا فهي بحر لجي عظيم، أما النتيجة التي نراها أنها تحرك المشاعر وتترك أثراً عظيماً في المشاهدين، ويمكننا القول أن السينما الإيرانية هي حلقة وصل ونقطة إتصال مع محور المقاومة لأهداف وقواسم مشتركة.