مدخل (السمات وآليات التعرف)

مستقبل البرامج الخاصة بالأطفال ذوي صعوبات التعلم

لتمكين أطفال هذه الفئة من الحصول على الخدمة التربوية الخاصة في المدارس.

2022-11-16

الكاتب: د. محمود عبد المجيد رشيد عساف
مقدمة

برزت الحاجة إلى الاهتمام رسمياَ بفئة صعوبات التعلم من ذوي الحاجات الخاصة في بداية الستينات من القرن العشرين، حيث كانت الأفكار الأساسية تدور بوضوح حول فئة من الأطفال الذين لا يعانون تخلفا عقليا، أو اضطرابا انفعاليا، كما أنهم لا يعانون إصابات دماغية، أو إعاقة جسمية ملحوظة، ويظهرون ويتصرفون كغيرهم من زملائهم، ومن أوساط اجتماعية اقتصادية متوسطة أو عليا توفر لهم العناية الأسرية والمدرسية الجيدة، ولكنهم يعانون في الوقت نفسه أنواعا مختلفة من القصور المعرفي الذي يحد من قدرتهم على تعلم موضوع أو عدة مواضيع في الصفوف العادية، وبالأساليب العادية، وعلى الرغم من حداثة الموضوع فقد نما وتطور بحيث أصبح محور اهتمام الكثيرين من الآباء والمربين والدارسين المتخصصين في هذا الميدان، لتمكين أطفال هذه الفئة من الحصول على الخدمة التربوية الخاصة في المدارس.
هدف الورقة وأهميتها

تهدف الورقة إلى الوقوف على تعريف الطلبة ذوي صعوبات التعلم وسماتهم وخصائصهم، كمدخل لتحديد مستقبل برامجهم. كما تقدم هذه الورقة تحليلاً وتصوراً عاماً لصعوبات التعلم، وتتطرق إلى سمات ذوي صعوبات التعلم وخصائصهم، ومن ثم تتعرض لمجموعة من الدراسات والأبحاث التي تناولت هذا الموضوع، وكذلك تحديد العلاقة التي تربط السمات والخصائص بتعريف صعوبات التعلم.

وتكمن أهمية التعرف على الخصائص والسمات للطلبة ذوي صعوبات التعلم في مجال تعليمهم، وضرورة استخدام قوائم الخصائص السلوكية والنفسية والمعرفية كأحد المحكات في عملية التعرف أو الكشف عن هؤلاء الطلبة وتحديد مستقبل برامجهم، وفي العلاقة القوية بين تلك الخصائص والسمات والحاجات المترتبة عليها، ونوع البرامج التربوية والإرشادية الملائمة.

ويؤمل أن تساعد هذه الورقة أصحاب الاختصاص والباحثين والعاملين في مراكز وغرف المصادر لتوظيفها في خدمة برامج صعوبات التعلم.
تعريف صعوبات التعلم

تعددت المصطلحات التي تستخدم لوصف صعوبات التعلم، فقد استخدمت مصطلحات عدة على مدى العقود السابقة مثل: العجز عن التعلم، النمائية المحددة، وعمى الكلمة، والتخلف القرائي المحدد، والإعاقة الخفية، وغيرها من المصطلحات التي تناولها عدد كبير من الخبراء في هذا المجال (Hornsby,1994: 15) . وتعد فئة ذوي صعوبات التعلم هي المجموعة الرئيسة والأكبر ضمن مجموعات أو فئات التربية الخاصة حيث تبلغ نسبتهم 50% من فئات التربية الخاصة، و5% من مجمل الطلبة العاديين (Reid,1996: 55) ولا يزال الباحثون والمتخصصون في هذا المجال يواجهون صعوبات جمة في تعريف هذا المصطلح وتفسيره على الرغم من كثرة الدراسات والمراجع التي تناولت هذه الظاهرة في العقود الأربعة الأخيرة التي شهدت اهتماماَ متزايداَ بالتربية الخاصة وفئاتها المتعددة في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة ، ومن ثم أصبح الاهتمام بتلك الفئات ظاهرة عالمية (Mason,2010)، (أبو رزق، 2010)، (الحروب ،2012) .

وكما هو معروف تربويا فإن صعوبات التعلم لا يمكن رؤيتها أو ملاحظتها كما هي الحال في الإعاقات الجسدية والعقلية، لذا فقد عرفت تربوياَ “بالإعاقة الخفية” بسبب قلة وعي الوالدين والمعلمين والمتخصصين بهذه الظاهرة، فهي لا تترك أثراَ واضحاَ في الطفل بحيث يستطيع الآخرون تقديم المساعدة له في المراحل الأولية من المدرسة، ولكنها تؤدي إلى اختلال يؤثر في قدرة الطفل في تحليل ما يراه أو يسمعه، ويضعف قدرته على الربط بين الإيعازات العصبية، وهذا القصور يترافق مع صعوبات خاصة مع اللغة، أو صعوبات الحركة، أو التحكم بالذات، أو القدرة على الانتباه، أو اضطرابات التوافق الحركي الناتجة عن ضعف في الحركات الكبيرة والصغيرة ، أو النشاط الحركي الزائد، ومن هنا تكمن المشكلة بأن كثيرا من المربين والمعلمين لا يعدون أعراض صعوبات التعلم المتعلقة بالجهاز العصبي. وقد واجه هذا الحقل صعوبات أساسية أهمها عدم وجود توافق أو إجماع عام على تعريف صعوبات التعلم، إذ نجد الكثيرين ممن لا يدركون المعنى المقصود من هذا المصطلح (أجعاز، ونعمة،2006) (Lam,2001)، (Westwood, 2008)، كما عرفت اللجنة الوطنية الأمريكية لصعوبات التعلم NJCLD صعوبات التعلم بأنها: “مجموعة متجانسة من الاضطرابات التي تتمثل في صعوبات واضحة في اكتساب واستخدام قدرات الاستماع، والكلام، والقراءة، والكتابة، والاستدلال الرياضي، ويفترض أن هذه الاضطرابات تنشأ نتيجة خلل في الجهاز العصبي المركزي أو ربما تظهر مع حالات أخرى” (محمود،2007: 45).

لقد ذُكر مفهوم صعوبات التعلم في العديد من المراجع التربوية حيث أشارت معظم تعريفات المختصين إلى وجود تباين ما بين القدرات العقلية لهؤلاء الطلبة وتحصيلهم المدرسي. وبالرغم من أن صعوبات التعلم قد تترافق مع إعاقات عقلية أو جسدية، أو اضطرابات انفعالية- سلوكية، أو إعاقات أولية في الحواس كالسمع أو البصر، أو أسباب خارجية، مثل حرمان بيئي أو طرق تعليم فاشلة؛ إلا أنها ليست نتيجة لتلك الإعاقات أو الظروف، بل هي إعاقة قائمة بحد ذاتها.

استراتيجية التعرف (السلوك المدخلي) كمدخل لمستقبل برامج ذوي صعوبات التعلم

للوصول بالطفل ذي صعوبات التعلم إلى أقصى درجة ممكنة من قدراته الذكائية، والاجتماعية والانفعالية، والأكاديمية، فإنه يلزم التعرف على مشكلاته التعليمية في أسرع وقت ممكن، والشكل التالي يوضح سلسلة من المراحل التي يمكن اتباعها في إمكانية التعرف إلى الطالب الأكثر عرضة للإصابة بصعوبات التعلم:

حيث يجب أن تقوم المدارس بالتعرف إلى الأطفال الذين يقعون ضمن الطلاب ذوي صعوبات التعلم من خلال المسح والتحويل، وذلك من خلال:

مسح القدرات البصرية والسمعية.
مسح القدرات اللغوية والكلامية.
تقييم المدرسين غير الرسمي من خلال الملاحظة.
مسح الأداء الحركي.
مسح القدرات المعرفية والإدراكية، والانفعالية.
الحالة الصحية.
مسح المعلومات المقدمة من قبل الأهل.

أما التحويل، فتعتمد أنظمته على الافتراض بأن أولئك الذين يتصلون مع الطالب ويعتقدون أنه بحاجة إلى المساعدة سوف يحولون اسم الطالب ومشكلته من قبل المدرسين أو الأهل أو المدراء أو المؤسسات الخارجية. ولتحقيق ذلك يجب أن تستخدم المدرسة نموذج تحويل فردي.
سمات ذوي صعوبات التعلم وخصائصهم

المعروف أن ذوي صعوبات التعلم يمتازون بخصائص وسمات عن غيرهم، وقد حظيت هذه السمات والخصائص باهتمام الباحثين والدارسين وعلماء التربية وعلم النفس في بداية الستينات من القرن العشرين حيث تنبهوا إلى أهميتها وحاولوا الوصول لتصور كامل عن تلك السمات والخصائص.

وفيما يأتي عرض لبعض الدراسات السابقة التي تناولت سمات وخصائص ذوي صعوبات التعلم:

هناك من يلخص صعوبات التعلم في ثلاثة خصائص رئيسة:

– اضطرابات النمو الكلامي واللغوي.

– اضطرابات المهارات الأكاديمية.

_ اضطرابات أخرى مثل التوافق الحركي (Connecticut State,2010).

بينما حدد (أجعاز، نعمة، 2006) عشر خصائص تمثل مشاكل ذوي صعوبات التعلم الأكثر شيوعاَ وهي:

1-الفشل الدراسي في مادة أو أكثر.

2- النشاط الزائد.

3- الاندفاعية.

4- ضعف التآزر العام.

5- ضعف في الحركات الكبيرة والصغيرة.

6- ضعف في التعبير اللغوي.

7- اضطراب الانتباه.

8- عدم الاستقرار الانفعالي.

9- إشارات لوجود اضطرابات عصبية بسيطة.

10- اضطراب في الذاكرة القصيرة والبعيدة.

فيما يلخص (الحروب، 2012) مجموعة واسعة التنوع من الخصائص التي قد يظهرها الطالب الذي لديه صعوبة تعلم. ومن هذه الأمثلة:

صعوبة في القراءة، والكتابة، والتهجئة، واستخدام المفاهيم الرقمية.
معاناة مستمرة في أخذ الملاحظات أثناء الدرس.
عدم إمكانية فك الكتابة بخط اليد.
صعوبة متابعة، وتذكر، وفهم التوجيهات.
الإخفاق في استيعاب الكلمات المكتوبة، والإخفاق في تشكيل كتابة من الأحرف، كما أن الطلبة ذوي صعوبات التعلم قد تكون لديهم كذلك مشاكل في اللغة اللفظية، فهم:
يجدون أحياناً صعوبة في التعبير لفظياً عن الأفكار والمعلومات بلغة منطوقة.
تظهر لديهم متاعب في استيعاب ما يقوله الناس.

كذلك يظهرون في الجانب النفسي إشارات تدل على القلق، أو الغضب، بسبب الضغط الناجم عن عدم قدرتهم على التعلم بخطى مسايرة لأقرانهم. وبالإضافة إلى ذلك فإن الطلبة ذوي عجز التعلم يميلون إلى النسيان، وعدم التنظيم، ولديهم صعوبة في الالتزام بجدول معين، ومع ازدياد صعوبة المواد الدراسية في صفوف المرحلتين المتوسطة والثانوية، تصبح صعوبات التعلم لدى هؤلاء الطلبة أكثر وضوحاَ.

وفي المجال السلوكي يذكر (زيًاد، 2001) مجموعة من الصفات والسلوكيات التي تتكرر مع الأطفال من ذوي صعوبات التعلم في المواقف التعليمية أهمها: اضطرابات في الإصغاء، والميل للتشتت، والعجز عن الانتباه، والحركة الزائدة، والاندفاعية والتهور، ولدى بعضهم صعوبات لغوية مختلفة في النطق، أو في الصوت ومخارج الأصوات، أو في فهم اللغة المحكية.

وفي دراسة حالة لطالبة تم تشخيصها من ذوي صعوبات التعلم في الصفوف المتوسطة، وجد الباحثون (Wang, Du,& Liu,2009) بأن أهم الخصائص التي كانت تميز تلك الطالبة شعورها المستمر والواضح بالإحباط، على الرغم من أنها كانت تبدو مبتسمة باستمرار، إضافة لفشلها المستمر في الرياضيات مع أنها كانت تبذل الكثير من الجهد في الدراسة، بينما كانت نتائجها جيدة في بعض المواد الدراسية.