الثَّوابِ والعقابِ في تربيةِ الطِّفلِ

مسألة الثواب والعقاب تتّصل بشعوري الرغبة والرهبة في تكوين الإنسان، وهما شعوران مهمّان في ضمان حمايته لنفسه، وفي تحقيقه لإنسانيَّته بكلّ حاجاتها الإيجابيَّة والسلبيَّة.

2023-06-09

العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله

إنَّ مبدأ الثَّواب والعقاب يقوم على آليَّات نفسيَّة تحفِّز السلوك الإيجابي، وتحبط السلوك السلبيّ، فعندما يشعر الإنسان بأنَّه موعودٌ بثوابٍ ما على عملٍ ما، فإنَّ ذلك يحمله على المبادرة إلى العمل رغبةً في الثَّواب، تماماً كما هي الحال مَنْ يقطع المسافات الطَّويلة ويجهد نفسه بالتدريبات القاسية للحصول على الرّبح والفوز. والثّواب هنا يلعب دور المحفِّز للسلوك الإيجابي. والعكس صحيح بالنِّسبة إلى العقاب، فنحن نتجنَّب ونحرم أنفسنا من أمور كثيرة نرغبها خوفاً من نتائجها السلبيَّة علينا، سواء كانت تلك النَّتائج جزءاً من العمل الَّذي نتجنّبه، أو كان مصدرها عقاباً يوقعه أحد بنا.

مسألة الثواب والعقاب تتّصل بشعوري الرغبة والرهبة في تكوين الإنسان، وهما شعوران مهمّان في ضمان حمايته لنفسه، وفي تحقيقه لإنسانيَّته بكلّ حاجاتها الإيجابيَّة والسلبيَّة.

وفي مجال التربية، علينا أنْ نختار نوعيَّة الثَّواب والعقاب بعد دراسة قابليَّة مَنْ نريد إثابته أو عقابه، وعلينا أنْ لا نستخدم الثَّواب في ما نريد توجيهه إليه، أو نستخدم العقاب في ما نريد إبعاده عنه، إلَّا بعد دراسة الشَّخص والظَّرف والأسلوب بكلِّ جوانبها، لأنَّنا قد نُثقل الإنسان بإعطائه جرعةً أكبر أو أقلّ ممّا تتحمَّله أو تحتاجه شخصيَّته.

أمَّا بالنِّسبة إلى الطّفل، فإنَّ هدف استخدام الثَّواب والعقاب ما هو إلَّا تنمية شخصيَّته وإنسانيَّته وعقله، ما يفرض علينا أن نحاول اكتشاف أقرب الطّرق للوصول إلى عقله. بعبارةٍ أخرى، إنَّ عمليَّة التربية بأغلبها، تتّصل بداخل الإنسان، باعتبار أنّنا نريد من خلالها جعل الطفل يختزن أفكاراً معيَّنة في عقله، ومشاعر معيَّنة في قلبه، وحمله على التحرّك نحو أهداف معيَّنة عبر طرق محدَّدة، وبما أنَّ التَّعامل مع الطفل يتطلَّب النَّفاذ إلى الدَّاخل، وبما أنَّ هذا الدَّاخل، يحتوي دائماً على مناطق مغلقة أمام الآخر، فإنَّنا بحاجة إلى تجريب الكثير من الأساليب قبل أن نعثر على المفتاح الملائم. لذا فإنَّ عمليَّة الثَّواب والعقاب في التربية هي عمليَّة متحرّكة دائماً.

على هذا الأساس أقول لا بدَّ من دراسة الثَّواب والعقاب قبل استخدامه، فلعلَّنا إذا ما عوَّدنا الطّفل على الثَّواب مكافأةً على الدَّرس، حملناه على أنْ لا يدرس إلَّا مقابل عوض ماليّ يأخذه، بحيث نبتعد به عن الاهتمام الفعلي بالدرس، أو بأيِّ قضيَّة أو فكرة.

لكنَّ ذلك لا ينفي أنّنا قد نحتاج إلى الثَّواب في الحالات التي يعيش فيها الطّفل التمرُّد، والَّتي تنفِّره من الدرس أو القراءة أو من أيّ شيءٍ آخر، ليلتقي بما نريد أن نوجِّهه إليه ويعيش في داخله ليختاره بنفسه، وهذا ما نلاحظه عند بعض الأطفال الَّذين يمتنعون عن الدرس، فإذا ما أعطاهم الأب أو الأمّ بعض المال أو الألعاب، أو حتّى وعدوهم بنزهة أو بأيّ شيء يحبُّونه، اجتهدوا طمعاً بالمكافأة، واندمجوا في الدَّرس إلى درجة الإحساس باللّذَّة حتّى ينالوا علامات مرتفعة جرّاء ذلك، فلو فرضنا أنَّ الأب والأمَّ حجبا عنهم الهديّة، أو منعاهم من الدراسة، فإنّهم يتمرَّدون عليهما.

إنَّ عمليَّة الثواب والعقاب تشبه الدَّواء، فهي تحتاج إلى التَّدقيق في كميّة الجرعة الَّتي نهبها للطفل في هذا المجال أو ذاك. كما أنَّ الثَّواب والعقاب مبدأ قرآنيّ ويتناسب مع الطَّبيعة الإنسانيَّة.