مؤخراً، أرسلت سرايا القدس الفرع العسكري لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، كتيبة جنين، ثلاث رسائل في غاية الأهمية خلال بيان صحفيّ، في وقت يعلم جيش لاحتلال الإسرائيلي جيدًا أن مدن الضفة الغربية المحتلة بأزقتها وشوارعها لم تعد آمنة كما السابق، بل تغيرت فيها الكثير من المعادلات الأمنية التي فرضت واقعاً جديداً يشكل خطرًا على كل جندي أو مستوطن، وبات جيش الاحتلال العسكريّ لفلسطين عاجزا عن وقف عمليات إطلاق النار التي تستهدف قواته في الضفة الغربية المحتلة، وخاصة في الجزء الشماليّ منها، وهذا ما يمكن تلخيصه من الرسائل الإعلاميّة للإعلام العبريّ، في ظل الزيادة الكبيرة في معدل عمليات المقاومة في الضفة، وتأكيد مختلف الأوساط التابعة للعدو، مراراً، أنّ تلك المنطقة التي شهدت تفعيل وسائل المقاومة والمواجهة باتت خطرة للغاية على الكيان الذي تعيش أجهزته الأمنيّة ارتباكاً كبيراً بعثر كل أوراق المسؤولين الأمنيين، نظرًا لكثافة العمليات ونجاحها في إنجاز ضرباتها الموجعة، ناهيك عن تعرض حكومة العدو لانتقادات لاذعة نتيجة لجرائمها وجاهزيتها القتالية في الضفة الغربية، في اعتراف صريح بقوة المقاومة الفلسطينية، مع تزايد عمليات إطلاق النار، وتنفيذ المقاومة عمليات مكثفة، ناهيك عن الاشتباكات العنيفة المتصاعدة.
الضفة عنوان المرحلة
نتيجة تمادي قوات الاحتلال الإسرائيليّ بجرائمها ضد الفلسطينيين وثرواتهم ومقدساتهم، وارتكابها أبشع الجرائم الإرهابيّة في قتلهم وإعدامهم بالأخص في الضفة الغربيّة المحتلة التي تتزايد فيها دعوات تفعيل كل وسائل المقاومة والمواجهة أكثر فأكثر، بسبب مواصلة قوات العدو جرائم الإعدام بدم بارد بحق الفلسطينيين ما يُظهر بشكل أكبر العقلية الإجراميّة والإرهابيّة للمحتل الأرعن، أقرّت تل أبيب عبر وسائل إعلامها بـ”الخطر المحتمل” في الضفّة الغربيّة المُحتلّة معترفة أنّه “أعلى من الخطر من جهة قطاع غزّة المحاصر”، ويمكن القول، إنّ هناك إجماعا على أنّ الضفة الغربية المحتلة على موعد مع انفجار “انتفاضة عارمة” ستغير الواقع الحاليّ، باعتبارها ترزح تحت الاعتداءات الإسرائيليّة الممنهجة والمتصاعدة منذ عام 1967، وستكون وفقاً لمراقبين ومحللين كُثر ومنهم إسرائيليون رداً حقيقياً وعملياً على الاحتلال الصهيوني، كما أنَّ خيار عودة المقاومة المسلحة بات واقعاً، ويمكن أن يكون أشد بكثير مما يتخيل البعض، في ظل مواصلة سياسة الاستيطان والقتل المروعين التي تنتهجهما الحكومة الإسرائيليّة بما يخالف القوانين الدوليّة والإنسانيّة، ما يشي باحتماليّة كبيرة لأن تفتح أبواب جهنم على “إسرائيل” التي اختارت تسخين الأحداث ورفع مستوى الإجرام.
ويوماً بعد آخر، تزداد احتمالات أن تنفجر الأوضاع في الضفة الغربية بشكل مخيف بسبب التمادي الإسرائيليّ الذي بات ملموساً لأبعد حد وعلى كل المستويات، وذلك في الوقت الذي تقوم فيه قوّات الاحتلال بحملات تنفيذ اعتقالاتٍ في قلب المنطقة، وعلى نحوٍ خاصٍّ في مدينتيْ نابلس وجنين ومحيطيهما، والتي تترافق عادةً باشتباكاتٍ مسلحةٍ مع فدائيين فلسطينيين، وفي الوقت الذي يؤكّد فيه الإعلام الإسرائيليّ أنّ عمليات إطلاق النار باتجاه أهداف إسرائيليّة في أنحاء الضفّة الغربيّة ازدادت بشكلٍ كبيرٍ، فيما تُجمع فصائل المقاومة الفلسطينية بكل تشكيلاتها على الوقوف صفاً واحداً في الدفاع عن الضفة الغربية، ولن تسمح للعدو بأن يستفرد بأبناء فلسطين هناك، وهي واضحة من الفصائل التي حذرت تل أبيب مراراً من استمرار عدوانها على مدن الضفة، وهي تدعو بشكل مستمر إلى تصعيد المواجهة ضد الكيان ومستوطنيه في عموم مدن الضفة الغربية المحتلة.
وبشكل متكرر، ومع كل عدوان جديد تنفذه قوات العدو، يُحذر مراقبون من اقتراب تحول الضفة الغربيّة إلى “غزة ثانية” ربما أكثر خطورة بكثير لردع العدوان الهمجيّ الذي لا يتوقف عن قتل المدنيين وتدمير مقدساتهم وتهديد أرواحهم، بعد أن أوصل الصهاينة وآلتهم العسكريّة رسالة لهذا الشعب بأنّهم سيسحقون كل فلسطينيّ ومطالب بحقوقه، والتهم جاهزة كعادتها “إرهابيّ”، “قاتل”، “متشدد”، وخاصة أنّ المقاومين هناك يعتبرون “جمراً تحت الرماد” وأحد أساليب المقاومة والمواجهة في المنطقة المهددة من قوات المحتل العنصريّ، وفي ظل ازدياد وتيرة الجرائم الإسرائيليّة، تستمر حسابات الكيان الخاطئة بشدّة في الضفة الغربية، سياسة صهيونيّة نتائجها ستظهر في وقت قريب حتى باعتراف الإعلام العبريّ والمحللين والقياديين العسكريين الصهاينة، مع إقدام العدو على خطوات تصعيديّة كثيرة بدءاً من عمليات الضم التي ستؤدي بلا محالة إلى انفجار الأوضاع، وليس انتهاءً بارتكاب أبشع الجرائم الإرهابيّة في قتل وإعدام وتعذيب الفلسطينيين، حيث نسب الاحتلال إخفاقاته المتكررة في أكثر من مناسبة إلى أجهزة الأمن التابعة للسلطة الفلسطينيّة، معتبراً أنّه يتحتّم على أجهزة الأمن الفلسطينيّة العمل على لجم ما أسماها “العمليات المسلحة” ضد قوّات العدو ومستوطنيه، والذين يبلغ تعدادهم حوالي 700 ألف مستوطنٍ.
3 رسائل فلسطينيّة مهمة
تضمن بيان كتائب جنين الذي نشرته وسائل الإعلام الفلسطينية عدّة رسائل في غاية الأهمية، ففي رسالتها الأولى في هذا البيان خاطبت المجاهدين الأبطال ونصحتهم برفع مستوى اليقظة على أجندتهم، حتى لا يقعوا -لا سمح الله- في كمائن الجيش الصهيوني أو في فخ قناصة هذا العدو، رغم تأكيد الفلسطينيين دوماً أنّ “دماء شهدائهم ستبث الروح والحياة في الشعب الفلسطينيّ العظيم ولن تذهب هدراً”، فيما يدرك أبناء الضفة الغربيّة كما غيرهم من الفلسطينيين، أنّ العصابات الصهيونيّة لا يمكن بأيّ حال من الأحوال أن تتوقف عن إجرامها وعنصريّتها وقضمها لأراضي الفلسطينيين وتهجيرهم، فيما يعتبر الصهاينة أنّ الفلسطينيين هم ضيوف في “إسرائيل” وأنّ الجرائم التي يرتكبونها بحقهم بمثابة استعادة لحرياتهم السياسية في فلسطين.
الرسالة الثانية لسرايا القدس وجهت إلى سكان مخيم جنين وخلالها جرى التأكيد على أن عبء النضال يقع على أكتافهم وأن جميع ضغوط الكيان الصهيوني والمشاكل الأخرى موجهة ضدهم، حيث باتت المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة، وعلى وجه الخصوص داخل مخيماتها التي تتعرض للقتل مستمر، “رقمًا صعبًا” لا يمكن غض الطرف عنه، نظرًا لما تُقدمه على أرض الواقع من تضحيات وعمليات ومعارك نوعية أقلقت وأرعبت قوات جيش الاحتلال العسكريّ التي تمادت بجرائمها ضد الفلسطينيين وثرواتهم ومقدساتهم، وارتكبت ولا تزال أبشع الجرائم الإرهابيّة في قتلهم وإعدامهم وتعذيبهم، فيما يتركّز حديث الكيان وجيشه وماكينته الإعلامية الموجهة على محاولة كشف تطور أساليب وقدرات المقاومة ومصادر دعمها وتمويلها، في محاولة لإيجاد المبررات التي قلبت الموازين بأكملها، وغيرت قواعد اللعبة في الضفة وعلى الساحة الفلسطينيّة بأكملها.
والرسالة الثالثة وجهت إلى الصهاينة الذين يقتلون الأطفال، ومفادها بأن تهديداتهم لن تخيف المقاتلين أبدًا وأن هذه الإجراءات لن تمنعهم من مواصلة الجهاد والاستشهاد في سبيل الله، باعتبار أنّ السلطة الفلسطينيّة منعت بقوّة إطلاق يد المقاومة لتقوم بدورها في لجم العدوان الصهيونيّ على الشعب الفلسطينيّ، يتصاعد الرد الفرديّ حاليّاً على هذه الجرائم التي يرتكبها الصهاينة لكن من الواضح أنّه سيتحول إلى ردّ جماعيّ في أيّ لحظة، وخاصة أنّ الضفة المحتلة ترسل رسائل دائمة مفادها بأنّها ستكون على الدوام وقوداً لثورة الشعب الفلسطينيّ التي لن تتوقف إلا برحيل المحتل عن كامل الأراضي الفلسطينيّة، وبيّنت بالفعل أنّ رد الشعب الفلسطينيّ على هذه الجرائم سيكون مقاومة جديدة وانتفاضة متواصلة.
إخفاق وخيبة إسرائيليّة
“إسرائيل” لم تفهم الواقع بشكل جيد، حيث إنّ عودة المقاومة المسلحة إلى الضفة الغربية تبدأ بالتصاعد الكبير بعد أن شعر الأهالي بأنّ العقلية الإجراميّة والإرهابيّة للمحتل الأرعن لا يمكن أن تتغير، وأنّ سلطتهم لا تملك سوى “الهراء الإعلاميّ” و”التنديد والوعيد” بينما تفتح أحضانها لكل أنواع التعاون مع تل أبيب، وإنّ تصريحات فصائل المقاومة الفلسطينيّة حول أنّ الأحداث الجديدة تعني اتساع بقعة الرصاص الموجّه صوب رؤوس جنود العدو ومستوطنيه، وأنه واهمٌ إن ظنّ أنّ شعبنا يمكن أن يرفع أمامه الراية البيضاء، مهما بلغت التضحيات، خير برهان على صحة ذلك.
وعلى الرغم من أنّ السلطة الفلسطينيّة مسؤولة بشكل كبير عن الجرائم التي يرتكبها العدو، في الوقت الذي تمنع فيه إطلاق يد المقاومة لتقوم بدورها في لجم العدوان الصهيونيّ على الشعب الفلسطينيّ، إلا أنّ تل أبيب لا تكل ولا تمل من اتهام السلطة بالضعف، ومع تأكيد الإعلام العبريّ فشل سياسة حكومات الاحتلال الإسرائيليّ في التعامل مع الساحة الفلسطينية منذ عام 2009، إضافة إلى القلق الأمني المتزايد في حكومة العدو من ضعف السلطة الفلسطينية، لا يخفون أنّ أبطال المقاومة الفلسطينيّة لا يتوقفون عن تنفيذ عمليات إطلاق نار تستهدف قوات الاحتلال والمستوطنين في مختلفة مناطق الضفة الغربية المحتلة، ناهيك عن الرغبة الشعبيّة الكبيرة بطرد الاحتلال وتلقين العصابات الصهيونيّة درساً في التحرير، بما يدلل على تجذر المقاومة في نفوس أبناء الشعب الفلسطينيّ، وإيمانهم العميق بها خيارًا استراتيجيًّا للخلاص والانعتاق من الاحتلال.
نتيجة لكل ذلك، يتعرض الشعب الفلسطينيّ لجرائم وحشية إسرائيلية، وإن ما تشهده الضفة الغربية ليس حالة طارئة أبداً، بل صورة غُيبت لعدة سنوات، رغم أنها يجب أن تسود بين قوة احتلالية وشعب يتعرض للاحتلال، وإنّ عمليات إطلاق النار التي تستهدف القوات الصهيونيّة التي تقتحم المدن بشكل مستمر ومتصاعد، كما يجري في جنين ونابلس شمال الضفة على سبيل المثال لا الحصر، تدب الرعب الحقيقيّ في قلوب القيادات الصهيونيّة، في وقت يروجون فيه عبر بعض وسائل إعلامهم أنّ عمليات إطلاق نار سوف تبقى قليلة الأثر، لكن في حال حدوث “ثورة ثالثة” ستنتقل العمليات إلى الشوارع الاستيطانية، أو تستهدف تجمعات الجنود والمستوطنين المنتشرين على مفترقات الطرق، لتصبح بالفعل قوية إلى الحد المطلوب، بدلاً من استهداف آليات مصفحة، أو نقاط عسكرية اسمنتيّة، وهذا بالضبط ما يرعب الصهاينة، ويبدو أنّ الذعر الذي يصيب أركان كيان الاحتلال الغاشم في مكانه، لأنّه ومن غير المعقول أن يسلم الفلسطينيون أرضهم للمحتل الأرعن على طبق من ذهب، ليبقى مصير هذه المنطقة مرهوناً بيد المحتلين.