في الذكرى الـ87 عاماً على استشهاده

عز الدين القسّام مفجر الثورة الفلسطينية التي أرّقت الاحتلال

أثار استشهاد الشيخ القسام موجات شعبية من الاحتجاج اندلعت بعدها انتفاضة كانت نقطة تحول كبيرة في مسيرة الحركة الفلسطينية

2022-11-16

الوفاق /خاص

عبير شمص

في مثل هذه الأيام، قبل 87 عامًا استشهد قائد الثورة الفلسطينية وأحد ملهميها الأبطال الشيخ عز الدين القسام، الذي فجر ثورةً أرّقت الاحتلال، وبقي إسمه ملهمًا حملته كبرى الأجنحة العسكرية الفلسطينية المقاومة ليبقى إسمه رعبًا وكابوسًا يطارد المحتلين.

عز الدين القسّام زعيم المجاهدين

هكذا يصفه الفلسطينيون، رجل الدين إبن بلدة جبلة السورية المولود سنة 1882م، كان واحداً من رموز الانتفاضات العربية ضد تداعيات سايكس – بيكو، وخاصةً تلك التي مهدت للاحتلال الصهيوني لفلسطين، ويمكن القول إنّ الشهيد، الذي أصبح رمزاً للمقاومة ورفض الاحتلال، كان تعبيراً عن رد فعل يمثل جيلاً انكسر حلمه بقيام مملكة عربية تحت حكم الشريف حسين، وتشير الكتابات التاريخية إلى انتمائه لـــــ “حزب الاستقلال العربي”.

درس الشيخ القسام في الأزهر المصري وتأثر كثيراً بالإمام الشيخ محمد عبده، الذي قدم رؤيته التاريخية لعملية التوليف بين قيم الحداثة الأوروبية وبين الحضارة الإسلامية، وواكب الحركة القومية الناشطة في مصر ضد بريطانيا.
بعد عودته من مصر، وتبوئه مكانة دينية، خاض القسام غمار العمل السياسي من منطلق يمزج التربية الدينية بالهدف القومي، فقد عرف أبعاد المشروع الغربي وخطره على الأمة الإسلامية، حين كانت مصر خاضعة للاحتلال البريطاني بعد ثورة عرابي، وحين دخلت القوات الإيطالية إلى ليبيا عام 1911، قاد القسام تظاهرة دعا فيها إلى التطوع لقتال الطليان، إلاّ إنّ السلطات التركية منعته ورفاقه المتطوعين من السفر إلى ليبيا، وعندما احتلت القوات الفرنسية سورية عام 1920، رفع القسام راية المقاومة، وكان في طليعة الثوار الذين حملوا السلاح.

أدرك القسّام مبكراً أنّ الصهيونية هي طليعة الاستعمار الغربي

أدرك القسّام مبكراً، أنّ الصهيونية هي طليعة الاستعمار الغربي، وفلسطين مركز الصراع وساحة المواجهة. آمن بالمقاومة، ورفض المفاوضات والحلول الوسط، وحذّر من تأجيل القضية؛ لأنّ الانتظار يعني تمكن اليهود في فلسطين. في الوقت الذي كانت فيه بعض الزعامات تسعى لمفاوضات سلمية مع بريطانيا.

نبعت رؤية القسام للخطر الصهيوني على فلسطين من ثقافة عميقة تدرك أبعاد المشروع الصهيوني، وعبثية الوسائل السلمية في مقاومته وذلك بعد تجربته في جهاد ومقاومة الفرنسيين، وكان القسام حازماً وواضحاً أن الجهاد هو الحل لمقاومة الصهيونية، وأنّ على أهل فلسطين البدء بالجهاد وعدم الانتظار حتى يتمكن اليهود من توطين أعداد كبيرة من المهاجرين اليهود في فلسطين.

لذلك انتقل عام 1921 إلى فلسطين مع بعض رفاقه، واتخذ مسجد الاستقلال في الحي القديم في حيفا مقراً له، وعلى قاعدة “الجماهير أداة التغيير”، بدأ من هذا المسجد يزرع الوعي والثورة، وينّمي ثقافة التحدي والمواجهة ويدعو إلى محاربة الاستعمار البريطاني بعدما التحق بجمعية الشبان المسلمين، وأصبح رئيساً لها عام 1926، وكانت هذه الجمعية وسيلة فعّالة لنشر الوعي الوطني بين صفوف الشباب والرجال واستقطابهم.

القسّام يعلن الثورة

أدرك القسّام منذ نزوله أرض فلسطين عظم الخطر الصهيوني، والدور الذي تلعبه سلطات الانتداب البريطاني في تعزيزه، ودعا في خطبه إلى استقبال اليهود المستوطنين “كعدو لا كمهاجر أو ضيف”، وهاجم السماسرة والقلة التي تبيع الأراضي لليهود، وخلف الخُطب والمنابر، حضّر القسام نفسه لقيادة “عمل سري” أكثر أهمية وخطورة، فقد كان يدرك من تجربة الثورة السورية ضد الفرنسيين أهمية التخطيط والتنظيم المحكم، وأهمية عنصر السرية في ذلك كله حتى لا يغتال الاستعمارُ الثورة مبكرًا.

لهذا عمدَ إلى تكوين خلايا سرية من مجموعاتٍ صغيرة لا تتعدى الواحدة منها خمسة أفراد، وانضم في عام 1932 إلى فرع حزب الاستقلال في حيفا، وأخذ يجمع التبرعات من الأهالي لشراء الأسلحة. وتميزت مجموعات القسام بالتنظيم الدقيق، حيث كانت تنقسم بين الوحدات المتخصصة كوحدة الدعوة إلى الجهاد، ووحدة الاتصالات السياسية، ووحدة التجسس على “الأعداء”، ووحدة التدريب العسكري.

وبدأت عمليات الإعداد تُؤْتي ثمارها؛ فشهدت المنطقة أعمالاً بُطولية عظيمة، وشهدت في أوائل سنة (1935م) جنين ونابلس وطولكرم سيلاً من عمليات صيد الضباط البريطانيين، ونسف القطارات والهجوم على معسكرات الجيش البريطاني، وقتلِ المتعاونين معهم، وكانت هذه العمليات تتم في جنح الظلام، وفي فتراتٍ متعاقبة غاية في الدقة والتنظيم والسرية، الأمر الذي أقلق القوات البريطانية، وبثّ في قلوبهم الفزع والرعب، وكان من أثر ذلك أن سرت روح الحماسة بين الناس، وقويت فكرة الجهاد بعد أن ازدادت أعداد اليهود المهاجرين إلى فلسطين، ومحاباة السلطات البريطانية لهم، ومساعدتهم على التمكين والاستمرار.

ثورة شكّلت منعطفاً تاريخياً

لقد شكلت ثورة الشيخ عز الدين القسام منعطفاً جهادياً تاريخياً على صعيد القضية الفلسطينية، وأرهقت الوجود البريطاني بفلسطين، وفي 15 تشرين الثاني 1935 أطلق الشيخ المجاهد عز الدين القسام الشرارة الأولى للثورة الفلسطينية الكبرى، ثم تسارعت وتيرة الأحداث وشدّدت السلطات البريطانية الإجراءات على تحركات الشيخ القسام في حيفا بهدف الوصول اليه و”النيل منه”، فقرر الانتقال إلى الريف ليتمكّن من استكمال مشروع المقاومة وأقام في منطقة جنين ليبدأ عملياته المسلحة من هناك.

اكتشفت القوات الاحتلال البريطاني مكان عز الدين القسام في قرية البارد يوم 15 تشرين الثاني 1935، لكنه استطاع أن يتخلّص منهم وظلّ الاحتلال البريطاني يلاحقه حتى 19 من الشهر نفسه، فطوقت مكانه وقطعت الاتصال بينه وبين القرى المجاورة الأخرى، وطالبته بالاستسلام، لكنه رفض واشتبك في معركة مع تلك القوات لأكثر من ست ساعات مع رفاقِ له آخرين، وأوقع فيها أكثر من 15 جندياً قتيلاّ، وواصل المعركة حتى الاستشهاد.

أثار استشهاده موجات شعبية من الاحتجاج والغضب وخاصةً في فلسطين التي اندلعت بعدها انتفاضة كانت نقطة تحول كبيرة في مسيرة الحركة الوطنية الفلسطينية.

القسّام الفكرة

تأثرت حركات المقاومة الفلسطينية بمقاومة الشيخ القسام فاهتمت حركة التحرير الوطني الفلسطيني”فتح” بذكرى ورمزية الشهيد المجاهد المؤمن بالتحرير على أساس القرآن الكريم، لكن إلى حدٍ معين لكونها حركة غير دينية، ويُستدل على ذلك بالقول إنّ الرئيس الراحل عرفات كان يشير إلى القسام أحياناً لشحذ الهمم والمعنويات، لكن ذلك ظل “محلي الطابع”.

أمّا حركة الجهاد الإسلامي ممثلةً برئيسها الدكتور الشهيد فتحي الشقاقي الذي كان حبه لوطنه ورغبته في تعقب خطى الشهيد عز الدين القسام في النضال يقودانه نحو عطاء أكبر، فكتب في وصف مشاعره وهو يمر بقرية يعبد حيث استشد المجاهد عزالدين القسام:”ما بين جبلة ويعبد كان القسام يحمل في قلبه آلامه ويمضي . يتوقف في الطرقات.. الحوانيت.. في البيوت.. على أبواب المدارس.. في ساحات المساجد.. فوق المنابر يتوكأ على بندقيته.. كان (الشامي) القادم من جبلة يرسم لفلسطين خارطةً جديدة ضد التحولات وضد المرحلة..” لقد عشقه الشهيد الشقاقي حتى اتخذ من إسم «عز الدين الفارس» إسمًا حركيًّا له حتى يكون كالقسَّام في المنهج وكالفارس للوطن.

تيمنًا بالقسَّام

أمّا حركة المقاومة الإسلامية “حماس” فقد أعادت القسام إلى صلب الوعي الفلسطيني، فمنذ تأسيسها كانت قد عمدت من اللحظة الأولى على تأسيس جناح أمني وبعده جناح عسكري أسمته “كتائب الشهيد عز الدين القسام” تيمنًا وتأسيًا بالقسّام، وحفظًا لوفائه، وسيرًا على دربه ومنهجه في مقارعة الاحتلال الصهيوني الذي ما زال يرتكب المجازر تلو المجازر بحقِّ الفلسطينيين، حتى أصبحت كتائب القسام التي سميت على إسمه من أقوى الأجنحة العسكرية الفلسطينية الضاربة للعدو الصهيوني في فلسطين.

ختاماً شكل الشهيد القسَّام؛ أحد أعلام الجهاد والثورة في وجه قوات الانتداب البريطاني؛ الظهير الاستعماري للمشروع الصهيوني، والذي كتب باستشهاده انطلاقة الوعي بالجهاد والثورة في مقاومة العصابات الصهيونية، ومهد الطريق ليتمدد هذا الوعي ويتعاظم انتشاره في جيل ما بعد النكبة، ويتم النظر إليه في السياق النضالي بأنّه كان المحرك الأول للانتفاضات الفلسطينية المباركة، والباعث لصحوة الحركة الوطنية في أواخر الخمسينيات، وحجر الزاوية في تأسيس حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وحركة الجهاد الإسلامي في ثمانينيات القرن الماضي.