هل التحالف السعودي الأمريكي قابل للتعافي؟

العلاقة بين قادة الولايات المتحدة والسعودية في عهد جو بايدن لم يعد له طابع العلاقة بين حليفين تاريخيين، ولعل أبسط علامة على ذلك هي أن حفل رقصة السيف السعودية الشهيرة لم تقم للأمريكيين في السنوات الثلاث والنصف الماضية.

2023-06-11

منذ أن عقد فرانكلين روزفلت، رئيس الولايات المتحدة، لقاء سريًا مع الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود في السفينة الأمريكية في قناة السويس لأول مرة عام 1945، وانضمام المملكة العربية السعودية بعدها لمجال النفوذ الأمريكي، تشكل التحالف التاريخي بين الحكومتين، لكن العلاقة بين قادة الولايات المتحدة والسعودية في عهد جو بايدن لم يعد له طابع العلاقة بين حليفين تاريخيين، ولعل أبسط علامة على ذلك هي أن حفل رقصة السيف السعودية الشهيرة لم تقم للأمريكيين في السنوات الثلاث والنصف الماضية، بينما في السنوات الأخيرة، وضع السعوديون حجر القمة في علاقتهم مع الصين وأقاموا رقصة السيف ترحيباً واحتفاءً بالرئيس الصيني شي جين بينغ.

لكن خسارة حليف ثري وغني بالنفط مثل المملكة العربية السعودية في قلب الاقتصاد العالمي ليس شيئًا يمكن لواشنطن أن تتجاهله بسهولة، وتكتفي فقط بالتفرج على الرياض وهي تسقط في أحضان المنافسين الإقليميين والدوليين الرئيسيين مثل إيران والصين وروسيا، الذين يحاولون تدمير هيمنة الغرب، وهم متحدون في ذلك.

في الأشهر الأخيرة، وعلى الرغم من أن السعوديين تحدوا مرارًا حليفهم الدولي بأفعالهم مثل التعاون مع روسيا في أوبك+، وتخفيف التوترات مع إيران وإعادة سوريا إلى جامعة الدول العربية، لا يزال المسؤولون في واشنطن يحاولون كبح جماح ولي العهد السعودي بالعديد من الزيارات إلى الرياض، وبهذه الطريقة يبدو أنهم اتخذوا نهج الاسترضاء مع السياسات المثيرة للجدل لمحمد بن سلمان.

وفي هذا الصدد، توجه وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، إلى المملكة العربية السعودية في زيارة استغرقت يومين في مهمة صعبة للتفاوض مع السلطات السعودية لإعادة قطار العلاقات بين البلدين إلى طريق التعاون. هذا على الرغم أن جاك سوليفان، مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض، وويليام برينر، رئيس وكالة المخابرات الأمريكية (CIA)، سافروا أيضًا إلى الرياض في مهمة مماثلة.

العلاقات بين البلدين في ضوء الخلافات والاحتياجات المتبادلة

في العلاقات بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية، وعلى الرغم من برودتها خلال وجود الديمقراطيين في البيت الأبيض، كانت تلك العلاقات أكثر برودة مما كانت عليه خلال حكم الجمهوريين، حيث يبدوا ان ذلك أصبح حقيقة ثابتة، ولكن في المنظور العام، يبدو أنه فيما يخص سياسات الشرق الأوسط للحكومات الأمريكية المختلفة في العقدين الماضيين، أضعف الحزبان الجمهوري والديمقراطي تدريجيًا العلاقة الاستراتيجية بين الرياض وواشنطن.

تنفيذ سياسات مثل غزو العراق وإسقاط نظام البعث في إدارة جورج بوش، والتي أدت في نظر السعوديين إلى صعود الشيعة المتحالفين مع إيران إلى سدة الحكم في هذا البلد، إلى الاتفاق النووي مع إيران في عهد باراك أوباما، وحتى عدم دعم الرياض المتوقع من واشنطن في حادثة هجوم أنصار الله على أرامكو في عهد إدارة ترامب، وأخيراً ضغوط بايدن القانونية، وخاصة في الأشهر الأولى من رئاسته.

وفي الوقت نفسه، هناك عامل آخر يتمثل في القوة الاقتصادية المتنامية للصين والتحالف الاستراتيجي الشرقي، الذي ينهي النظام أحادي القطب بعد حقبة الحرب الباردة، وتتجه المملكة العربية السعودية، مثل العديد من دول العالم، نحو التعاون مع أكبر مستهلك للنفط في المستقبل المنظور من أجل الحفاظ على اقتصادها.

تبنت المملكة العربية السعودية تحت قيادة محمد بن سلمان سياسات اقتصادية طموحة تتطلب التعاون مع عمالقة الاقتصاد في العالم، واستيراد تقنيات فائقة، والأهم، استثمارات ضخمة، والتي تتطلب بالطبع بيع أكبر قدر ممكن من النفط بأعلى سعر ممكن. حيث وجدت السعودية أن إقامة العلاقات الوثيقة مع الصين كأكبر مشتر للنفط ومحرك النمو الاقتصادي العالمي في المستقبل، ومع روسيا كأكبر منتج خارج أوبك، أمر لا مفر منه.

ومع ذلك، لا يزال من المتوقع أن يواصل السعوديون علاقاتهم الوثيقة مع أمريكا والغرب، حيث تجري العمليات العسكرية والتدريبية المشتركة بين البلدين وفق الإجراءات المدرجة في الأجندات المعلنة، ولم يتوقف بيع الأسلحة الأمريكية للسعوديين، ودخلت برامج التعاون الفضائي بين البلدين مرحلة جديدة مع إرسال رائدي فضاء سعوديين، واستمرار الاستثمارات الضخمة للمملكة العربية السعودية في أمريكا، كما استمر التعاون بين الرياض وواشنطن في القضايا السياسية الإقليمية والدولية، كما يتضح من الأمثلة الأخيرة كأزمة السودان ودعوة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إلى قمة جامعة الدول العربية في المملكة العربية السعودية.

لا يزال بايدن يحاول أن تكون المملكة العربية السعودية حليفًا وثيقًا إلى جانبه في الشرق الأوسط، وهو بحاجة إلى الرياض لدفع قضية التطبيع بين العرب والكيان الاسرائيلي باعتبارها إنجازًا رئيسيًا في السياسة الخارجية قبل الدخول في الانتخابات الرئاسية والحفاظ على استقرار سوق الطاقة.

يدرك محمد بن سلمان جيدًا تأثير ألعاب البيت الأبيض السياسية في مجال الحكم والسلطة في شبه الجزيرة، وسيواصل متابعة التطورات الأمريكية بدقة لتثبيت عرشه وسلطانه. لكن ما يبدو مؤكدًا هو أن خيمة المملكة العربية السعودية لم تعد توفر الدفء والراحة التي كانت توفرها سابقاً لسكان البيت الأبيض، ولا يريد الحكام السعوديون أن يظلوا البقرة الحلوب لحكام دول أُخرى في العالم.

الاخبار ذات الصلة