فكيف يمكن مقاربة هذا الاكتشاف لناحية ما يقدمه لموقع ايران الاقليمي والدولي، وبالتالي، لناحية تأثيراته على مستوى البعد الجيوسياسي في منطقة الشرق الأوسط حيث الصراع بين “اسرائيل” وبين محور المقاومة قد يكون المحور الاساسي والمحرك الرئيسي لاغلب ملفات المنطقة التي لها تأثيرات مهمة على الكثير من الملفات الدولية؟
لا شك أن اكتشاف ايران هذا الحقل الضخم من الليثيوم في أراضيها سيشكل نقطة تحول استراتيجية في موقعها على الصعيدين الإقليمي والدولي. وقد تم الاعلان عن اكتشاف أول مخزون ضخم من معدن الليثيوم في سهل قهاوند، الواقع على بعد أكثر من 50 كيلومتراً شرقي مدينة همدان غربي البلاد. وقدّرت وزارة الصناعة والتعدين والتجارة الإيرانية احتياطات الليثيوم المكتشف (صخور الليثيوم) بنحو 8.5 ملايين طن، وذلك من منجمين منفصلين بمساحة تبلغ نحو 11 كيلومتراً مربعاً، مقارنة مع ما قدرته هيئة المسح الجيولوجي الأميركية في العام 2022، بأنّ احتياطات الليثيوم بلغت 89 مليون طن في جميع أنحاء العام.
اليوم، يتقدم الطلب عالميًا على الليثيوم الذي يطلق عليه “نفط القرن الحادي والعشرين”، لأنّه يستخدم مادةً رئيسة في الصناعات النووية والعسكرية والفضائية والتكنولوجية، ويستخدم في صناعة الهواتف المحمولة ورقائق الحواسيب العملاقة وإنتاج الطاقة الشمسية، وأيضًا في إنتاج بطاريات السيارات العاملة على الطاقة الكهربائية، والتي تسمح بالاستغناء عن الوقود الذي يبعث غاز ثاني أكسيد الكربون، وحيث يُطلق على معدن الليثيوم اسم “الذهب الأبيض”، لأهميته البالغة في الصناعات الحديثة من جهة، تضاعف من أهميته ومن حاجة الدول الماسة اليه احتمالاتُ نفاد المناجم المكتشفة بعد فترة، حيث لا معطيات تؤكد امكانية اعادة تكوّنه في بواطن الارض، ما يجعل الدول المُنتجة لهذا المعدن تراه اليوم مادة استراتيجية بدرجة أولى.
ومن الناحية الاقتصادية ما يؤمنه حقل الليثيوم لايران من ايرادات ومن مصادر مالية ضخمة بالتأكيد، سوف ينقل الاقتصاد الايراني الى مستوى متقدم جدًا، وحتمًا، سوف يعزل تداعيات الحصار الغربي والعقوبات الأميركية تحديدًا، وحيث ستكون كل من الصين وروسيا المستوردين الرئيسيين لمادة الليثيوم الايرانية، ستكون خارطة التعاملات التجارية بين ايران وبين هذه الدول وحلفائها غير المنخرطين سياسيًا واقتصاديًا تحت العباءة الأميركية، خارج مسار التأثيرات النقدية والمالية الأميركية.
من الناحية العسكرية، يمكن هنا أن نتكلم عن اتجاهين، الأول يتعلق بتطور الصناعات العسكرية الايرانية التي هي متطورة أساسًا رغم الحصار، استنادًا لما يمكن أن تستفيد من ايران مباشرة من هذه المادة، في مجالات تكنولوجية وعلمية، تخدم التصنيع العسكري النوعي، والاتجاه الثاني، يدخل من ضمن ما يمكن أن تستفيد منه ايران من تمويل مباشر بالعملات الأجنبية بعد تصدير الليثيوم، وما يمكن أن يحققه هذا التمويل لتغطية تكاليف وأثمان استيراد مروحة واسعة من التجهيزات التقنية والعلمية الخارجية المتطورة، والتي سترفع حتمًا من مستوى الصناعات العسكرية الايرانية.
من ناحية العلاقات الدولية، سوف تصبح ايران مع هذه الثروة الاستثنائية بمادة الليثيوم المطلوبة بدرجة اولى عالميا اليوم رقمًا صعبًا على الساحة الدولية، حيث حتمًا، وبنتيجة الحاجة الدولية لهذه المادة، سوف تتغير علاقة ونظرة الدول الغربية نحو ايران، وخاصة نظرة وعلاقة الدول التي غيّرت مؤخرًا من استراتيجية استعمالها للطاقة نحو الطاقة البديلة، حيث الليثيوم يشكل مادة رئيسية للبطاريات التي هي من أساسيات مصادر هذه الطاقة البديلة.