الفن السابع ساحر بنفسه ويجتذب الجميع ويتخطى الحدود وأبرزها تنتشر في الدول المختلفة، ففي العالم الذي يتطور يوم بعد يوم، وفي نفس السياق تتطور أدوات الإنتاج السينمائي، والأفلام والمواضيع السينمائية، ومنها سينما المقاومة التي تواجه إقبالاً كبيراً، وأخيراً تم عرض أفلام ايرانية في لبنان مثل “هناس”، “دون موعد مسبق”، “غريب” وغيرها، وشهدنا نشر التحاليل السينمائية والنقد الفني لكل من هذه الأفلام، ومنها فيلم “هناس” الذي واجه إقبالاً كبيراً، وتم نشر مقال عنه تحت عنوان: “هناس.. الجهاد النووي في السينما الإيرانية” للباحث في مجال السينما الدينية الدكتور نبيه أحمد، فاغتنمنا الفرصة وأجرينا حواراً معه، وفيما يلي نص الحوار:
الإنتاج خجول أمام تضحيات المقاومة
بدأ الدكتور نبيه أحمد الحديث عن سينما المقاومة وإنتاج الأفلام في هذا المجال قائلا: إذا أردنا الحديث حول سينما المقاومة في العالم، سنقول أن الإنتاج خجول جداً مقارنة مع حجم التضحيات التي قدمتها المقاومة، فبداية من المقاومة الفلسطينية إلى المقاومة في الجمهورية الإسلامية ضد نظام صدام الغاشم، وصولاً إلى الجزائر وغيرها من الدول العربية، إنتهاءاً بالمقاومة الإسلامية في لبنان، كل هذه المقاومات التي قدّمت التضحيات الكبيرة على مذبح العشق تستحق أن ينتج حولها المسلسلات والأعمال الدرامية الكثيرة، وما هو موجود حالياً لا يرقى إلى الوفاء لهذه المقاومة السامية.
أفلام المقاومة
وأما حول مدى تأثير أفلام المقاومة والأفلام الدينية على المجتمع وخاصة الشباب، يقول هذا الباحث السينمائي: يحتاج أي مجتمع إسلامي إلى ما يحاكي القيم والمبادئ التي تربى عليها وحملها جيلاً بعد جيل، وما يلبي إحتياجات المجتمع الإسلامي المحمدي هو الأفلام الدينية التي ترسخ هذه المبادئ في أذهان الناشئة والشباب، لأن ما نجده من إنتاجات على الساحة السينمائية، للأسف يحاول القيّمون عليه، تشويه هذه المبادئ لأغراض شيطانية أقلّها هو تحييد هذا الجيل عن البوصلة الحقيقية للصراع الفعلي مع العدو الأصلي للإسلام كما للبيئة المقاومة، وإن إنتاج الأفلام والأعمال الدينية لهو خير دافع لهؤلاء الناشئة على التعمق في هذه المبادئ، فربما كانت عملية التبليغ سابقاً تتم عبر المشايخ ورجال الدين، ولكن مع تطور الحياة الإجتماعية وتبدل وسائل التبليغ الأكثر تأثيراً، لا بد من مواكبة هذا التطور، فجاءت هذه الأفلام التي تنتج بأنماط سينمائية وثلاثية الأبعاد، لتوصل هذه المبادئ بالطريقة الأفضل والأقرب لوجدان ومشاعر المشاهدين، فعندما نشاهد فيلماً حول حقبة معينة من الدفاع المقدس، سنجد أنفسنا، ولو مع مرور كل هذا الزمن، وكأننا نعيش اللحظات تحصل في هذه الآونة، وهذا يسجل للسينما التي عرفت بالفن السابع.
وعبّر سماحة الامام السيد الخامنئي المفدى في أكثر من لقاء مع مخرجين وكتاب سيناريو بأنه سعيد جداً بالأعمال الدرامية الدينية التي تنتج والذي كان أولها “يوسف الصديق” للراحل الكبير “فرج الله سلحشور”، وعلى فكرة، لا يزال هذا المسلسل يعرض على القنوات العربية، ويلاقى إقبالاً كبيراً جداً من المشاهدين، مروراً بالأعمال التي أنتجت لاحقاً مثل “أهل الكهف”، “غريب طوس” وغيرها..
أفلام المقاومة كفيلة بجعل شعلة الجهاد والتضحية في حالة توقد دائم، لأن ما نراه من محاولات لطمس معالم المقاومة وأهدافها، سوف يزول أمام هذه الحقائق التي تصل إلى أكبر قدر ممكن من الناس في العالم.
مواجهة الحرب الناعمة
وحول مواجهة الحرب الناعمة التي يشنها العدو، قال الدكتور نبيه أحمد: هذا السؤال لا يجاب عليه ببضع كلمات، ولكن أقول أن الحرب الناعمة التي بدأت تشن علينا منذ سنوات عديدة، وفي مجالات شتى لا يمكن مواجهتها إلا إذا كنا نعي حقيقة هذا الصراع الخفي ووسائله، ومن هنا نعمل على إنتاج ما يجابه هذه الوسائل، فعلى سبيل المثال، يتم الترويج للموضة الغربية العارية، علينا في المقابل أن نقدم للمجتمع لباساً محتشماً يراعي إحتياجات الجيل الجديد بما يتوافق مع الإسلام، وهكذا دواليك بالنسبة للمنتجات الثقافية وصولاً إلى الأعمال الفنية من رسم وموسيقى وغيره…
طالما أن البوصلة هي الوصول الى رضا الله، لن نضل الطريق، وعلينا أن نستفيد جيداً من خطابات سماحة القائد الذي يشدد دائماً على سبل مواجهة الحرب الناعمة، آخرها كتابه حول جهاد التبيين..
إنتاجات مشتركة إيرانية عربية
وفيما يتعلق بالإنتاج الإيراني العربي المشترك، قال: لقد برزت في الآونة الأخيرة ظاهرة إنتاجات مشتركة إيرانية عربية، وهي بداية جيدة وموفقة، لان تطعيم الإنتاجات بممثلين من عدة دول مع سيناريو جيد، كفيل بتقديم عمل درامي مشوق، وما رأينا مؤخراً في العديد من الأعمال السينمائية خاصة فيما يتعلق بسورية ولبنان هو بادرة خير تبشر بمستقبل مشرق. ولكن لا يجب أن تتوقف هنا بل علينا تعزيز هذه الأعمال والبحث عن قصص جديدة مشتركة تقدم للجمهور صورة ناصعة عن محور المقاومة.
اللبنانيون يرحّبون بالأفلام الإيرانية
بعد ذلك تطرقنا إلى ما ذكرناه في البداية وهو عرض الأفلام الإيرانية في لبنان، فسألنا الدكتور نبيه أحمد حول ردّة فعل الشعب اللبناني لهذه الأفلام، وأن يبدي لنا رأيه الشخصي، فقال: بحكم عملي في هذا المجال لسنوات طويلة، كنت معنياً عن إختيار الأفلام المناسبة للعرض في لبنان وترجمتها لتقديمها للجمهور، ولأنني مطّلع على اللغة الفارسية وعلى ثقافة المجتمع الإيراني، كنت أعلم جيداً أنه ليس كل الأفلام التي تنتج في إيران مناسبة للعرض في لبنان، بحكم الإختلاف في الثقافات، لكن هناك مواضيع مشتركة وهموم أيضاً، فمثلاً كل ما ينطوي تحت عنوان الدفاع المقدس كان موضع ترحيب من الجمهور لأن يدغدغ الوجدان اللبناني الذي عاش تحت كنف المقاومة لزمن طويل، وهو مطلع أيضاً على الدفاع المقدس في إيران، من خلال باكورة الأفلام التي كانت تعرض على أشرطة حول الصراع مع النظام الصدامي، وآخرها الأفلام التي تتحدث عن الدفاع المقدس النووي وغيره مثل فيلم “هناس” الذي نُشر مقال لي حوله في مجلة بقية الله، العدد 381 شهر حزيران 2023، وغيره، اما فيلم “دون موعد مسبق” فقد قدم رؤية جديدة للعمل الديني الإجتماعي وكان مورد ترحاب الجمهور أيضاً لأنه تطرق للجانب المعنوي من العلاقة مع الإمام الرضا (ع).
اما فيلم “لوبيتو” (بغض النظر عن رأيي النقدي له)، فقد لاقى ترحاباً لدى جمهور الأطفال، ولكن أشدد على أن مثل هذه الأفلام يجب أن تخضع للرقابة النصية والفنية، لأن الأفكار التي تقدم للأطفال سيتلقفها الأطفال كما هي، وسنحمل وزرها.
بالمجمل إن الأفلام التي تتناول هذه المواضيع تلقى ترحاباً من العائلات والجمهور اللبناني، لأنه يعتبر أن المادة المقدمة له آمنة من حيث المضمون والمحتوى، وهو يثق بالجهات المنتجة، على عكس ما تقدمه السينمات من إنتاجات غربية مسممة المحتوى.
إنتاج أفلام بطولات المقاومة بادرة جيّدة
أما تابعنا الحديث حول الأفلام التي تطرق إلى موضوع مواجهة الجماعات الإرهابية مثل داعش، ومنها فيلم “بتوقيت الشام” أي “رحلة الشام 2701″، فردّ علينا بالجواب وقال: لا يخفى على أحد على أن تهديد المجموعات الإرهابية لمجتمعنا الإسلامي، ودخولهم كجحافل المغول الى أراضي سورية، كان كفيلاً ببث الرعب في قلوب الناس، لكن المواجهة الشرسة والحامية لمحور المقاومة واجتثاث هذه الغدة السرطانية جدير بأن يخلّده التاريخ بكافة أطيافه، ومن الطبيعي إنتاج أعمال تتحدث عن البطولات الكبيرة التي جسدها الأبطال في محور المقاومة بكافة جنسياته، مثل فيلم “بتوقيت الشام” للمخرج “إبراهيم حاتمي كيا” وغيرها من الإنتاجات، وكما سبق وقلنا، هي بادرة جيدة جديرة بالإهتمام، لكن على أمل أن تستمر بطريقة علمية ومنهجية، لا تبتعد عن الواقع لمجرد تجسيد بطولات وهمية، لأن ما قدّم من دماء على مذبح العشق كفيل بأن يعبّد الدرب من كربلاء حتى عصرنا الحالي.
الدراما والسينما في العالم العربي
وتابعنا الحديث عن الدراما والسينما في العالم العربي، فكان تقييم الباحث في السينما الدينية د. نبيه احمد: الدراما العربية متنوعة، فإن كنا نقصد الدراما الربحية والدعائية والتي تقدم أفلاماً تحاكي مواضيع إجتماعية جريئة فهي مزدهرة لأن هذا ما يطلبه السوق، وهناك أعمال تاريخية تنتج بناءاً على سياسات دول وشراكات كبرى، أما الأعمال التي نطمح إليها وتحمل قيماً إنسانية وإجتماعية تربوية فهي قليلة جداً بل تكاد تكون معدومة، ربما السبب في ذلك يعود إلى غلاء الكلفة الإنتاجية وعدم قدرة الجهات الإنتاجية على تقديم ما لا يتوافق مع إحتياجات السوق المحلية والعالمية، بالإضافة إلى المحاربة الكبيرة التي تمارس على كل من ينتمي إلى محور المقاومة وهذا ما يجعل دروبهم مليئة بالأشواك.
ثقافة المقاومة تنطلق من ثقافة كربلاء الحسين (ع)
فيما يتعلق بنشر ثقافة المقاومة عبر السينما ودور الفنان المقاوم في هذا المجال، قال الدكتور “نبيه أحمد”: إن السينما كغيرها من الوسائل التقنية المنتشرة في العالم، قادرة على حمل أية قيمة معها ونشرها كالنار في الهشيم، لكن تلعب التقنيات دوراً في تسريع إيصال هذه القيم أو عدمها، فالأفلام الثلاثية الأبعاد أكثر تأثيراً من الأفلام التلفزيونية ربما، وأن تقدم محتوى يتعلق بالمقاومة سيجعلك عرضة للملاحقات التي يمارسها القيمون على وسائل التواصل الإجتماعي أو الوسائل الفنية العالمية، لهذا نجد أن ثقافة المقاومة تنتشر عبر قلوب الناس ووجدانهم، لأن من عاش فترة الصراع مع العدو الصهيوني لا يحتاج لأحد لأن يخبره بوحشية هذا العدو، أو ما حصل في سورية وغيرها من الدول، وإن الفنان المقاوم هو كالرسول الذي يقدّم هذه الشخصية بكل أمانة وصدق، فالناس لا يقبلون بأن يكون المقاوم كاذباً، ولا يتقبلون بأن يكون الفنان مشهور بشرب الخمر ويقدم شخصية المقاوم، على القيمين على أفلام المقاومة إختيار الفنانين بعناية شديدة لأن الجمهور لن يرحم هذه الأعمال، ولا يخفى على الجميع ما حصل مع إحدى الفنانات التي اشتهرت بتقديم دور المرأة الجنوبية المقاومة في مسلسل لبناني، وقد لاقى رواجاً كبيراً، ولكن تزامن عرضه مع فيلم تقدّم فيه شخصية مغنية في دور إباحي فاضح. الجمهور لم يرحمها ولم يرحم مثل هكذا أعمال.
إن ثقافة المقاومة تنطلق من ثقافة كربلاء الحسين (ع)، لأن كل هذه القيم المقاومة قد اكتسبناها من السيدة زينب (س) في مواجهة غطرسة يزيد، ولهذا فكل فنان مقاوم يجب أن يحمل قيم زينب (س).
الأفلام والمسلسلات الدينية
وأخيراً تطرق الدكتور “نبيه أحمد” إلى الأفلام والمسلسلات الدينية وتأثيرها في المجتمع، فقال: سبق وتحدثنا اعلاه حول أهمية الأفلام الدينية في ترسيخ المفاهيم التي نستقيها من القرآن الكريم، وما يعجز رجال الدين عن شرحه للناس يقدمه العمل الدرامي بأسلوب سلس وشيق، وهي تواجه إقبالاً كبيراً من الجمهور لأن الناس متعطشون للإطلاع أكثر على الشخصيات الدينية والتاريخية وحياتها الإجتماعية، وربما نتحدث بشكل مفصل أكثر في مقابلات أخرى لان الموضوع يطول شرحه.
موناسادات خواسته