خفايا السياسة المزيفة في الدراما

أشباح بيروت.. مسلسل تطبيعي وبروباغاندا صهيوني

تحرص الماكينة الإعلامية الصهيونية على اختيار ممثلين وكتّاب عرب،للتودد إلى المشاهدين من خلالهم،تمهيداً لتثبيت رواية كاذبة حول المقاومة.

الوفاق/ بدأت شبكة “شو تايم” الأمريكية، وشبكة “يس” الصهيونية، عرض مسلسل “أشباح بيروت” التطبيعي، الذي تدور أحداثه حول شخصية عماد مغنية، القيادي في حزب الله، منذ الطفولة ثم في فترة مطاردته وصولاً إلى اغتياله. المسلسل من تأليف الصحفي آفي يسخاروف، وهو ذاته مؤلف مسلسل “فوضى” التطبيعي.

“أشباح بيروت” مسلسل صهيوني جديد يستهدف المقاومة اللبنانية، يتناول قصة القيادي الراحل في حزب الله اللبناني، عماد مغنية، الذي اغتيل في فبراير/ شباط 2008 أثناء تواجده في سوريا.

“أشباح بيروت” عنوان جذاب لأكبر عملية تزوير تستهدف سيرة حياة الشهيد القائد الحاج عماد مغنية، ينفذها الكيان الصهيوني برعاية اميركية ودعم غربي، مسلسل يعبر عن أهم وجه من وجوه الهاسبارا في محاولة تغيير ونسف رواية المقاومة في مقابل الرواية الصهيونية.

وبحسب صحيفة “الأخبار” اللبنانية، فإنه رصد مبلغ مالي كبير للمسلسل المكون من أربع حلقات، بعد مرور 15 عاما، على اغتيال مغنية، في حلقة جديدة من سلسلة الحرب الإعلامية الإسرائيلية الأمريكية على المقاومة.

ويظهر المسلسل مغنية على أنه “إرهابي”، وشخصية “شريرة”، على غرار الشخصيات التي ظهرت في المسلسل الإسرائيلي السابق “فوضى”.

وتقول شبكة “شو تايم” بحسب الصحيفة، إن العمل هو نتاج “تحقيقات صحفية مكثفة” لأعوام، ويجسد الشخصية الرئيسية لمغنية الممثل هشام سليمان، ويؤديها عن فترة شبابه، أمير خوري.

وتتابع الصحيفة أنه بغياب المعلومات الصحيحة عن حياة مغنية، فإن ما يصوره المسلسل الجديد عن الرجل هو “من بنات أفكار منتجي العمل وصناعه، ولا يرتبط بالحقيقة إلا في اختيار أماكن تواجده”.

يروى المسلسل الأحداث من وجهات نظر أمريكية وإسرائيلية و”لبنانية” معادية (عملت كاتبة السيناريو اللبنانية جويل توما ككاتبة ومنتجة تنفيذية مشاركة)، استناداً إلى بحث مكثف للأحداث التي لا تزال سرية، ويتتبع أصول مغنية من الأحياء الفقيرة في الضاحية الجنوبية إلى العقل المدبر لمفهوم “الانتحاريين”، وبرأي المسلسل، هو تكتيك قاتل أدى إلى صعود “الرجل الشبح” السريع كأخطر رجل في العالم.

حملة مقاطعة داعمي الكيان الصهيوني

أدان قسم الثقافة والفنون في حركة حماس، مشاركة بعض الفنانين الفلسطينيين والعرب مع فنانين صهاينة في مسلسل “أشباح بيروت”، كما أنه تحت عنوان “أشباح بيروت.. شبح التطبيع يظهر من جديد”، دعت “حملة مقاطعة داعمي الكيان الصهيوني في لبنان، إلى مقاطعة الدراما التجسسية الصهيونية “أشباح بيروت”، وحثت الحملة على “الإلتزام في حال مشاهدتها بمعايير الحملة حول مشاهدة منصات الوسائط المتدفقة، الواردة في النقطة الحادية والعشرين من وثيقة الحملة”.

ومن جهة أخرى دعت الحملة الأجهزة المعنية إلى اتخاذ الإجراءات المناسبة لتطبيق القانون اللبناني، وبدورها أدانت الحملة الفلسطينية للمقاطعة الأكاديمية والثقافية لإسرائيل (PACBI) مشاركة فنانين فلسطينييْن وعرباً آخرين في مسلسل “أشباح بيروت” التطبيعي، معتبرة أن المشاركة العربية في هذا العمل الدعائي المغرض يكشف إصراراً على الغوص بشكل أعمق في وحل التطبيع وتبرير جرائم العدو الصهيوني بحق الشعب الفلسطيني وشعوب منطقتنا العربية والترويج لها.

التشويه الأكثر رداءة

عماد مغنية، رضوان، أبو الدخان، الشبح، هدف الموساد، هوس السي آي إيه، كلها ألقاب لرجل واحد، أراد المحتل تشويه صورته. ألقاب تظهر في بداية كل حلقة من مسلسل قيل إنه وثائقي، ودرامي في الوقت نفسه، فلم يرقَ تقنياً إلى الوثائقيات، أما دراميا، فقد نجح بتقديم السردية المشوهة بطريقة أقل ما يقال عنها إنها سيئة، أسوأ حتى من هدف تشويه صورة بطل من أبطال المقاومة الإسلامية في لبنان.

وهذه ليست المرة الأولى التي تحاول فيها الكاتبة اللبنانية “جويل توما” والتي لها تاريخ طويل في التعامل مع الصهاينة سينمائياً، (كانت قد شاركت في كتابة “القضية رقم 23” و “الصدمة” مع زوجها السابق المخرج اللبناني زياد دويري)، من نشر الرؤية الصهيونية وترويجها خدمةً للتطبيع.

تحرص الماكينة الإعلامية الصهيونية على اختيار ممثلين وكتّاب عرب، للتودد إلى المشاهدين من خلالهم، تمهيداً لتثبيت رواية كاذبة حول المقاومة وأبطالها، وصولاً إلى كي الوعي العربي، وخلق ذاكرة مشوهة، فالكيان المؤقت ومعه اميركا لا يكتفيان بالحروب العسكرية والاقتصادية لفرض ما يريدون، بل يعطون للإعلام دوراً بارزاً في حروبه الناعمة، لطمس الحقائق والترويج لافكاره المعادية.

البداية الكذبة!

تبدأ الكذبة الأولى من الجملة التي ترد في بداية كل حلقة من المسلسل التلفزيوني القصير، “أشباح بيروت” الذي عُرض على منصة “شو تايم” للبث التدفقي والكلاسيكي، وهي جملة تعريفية “هذا سرد خيالي لأحداث بحث عميق. فلا البحث عميق ولا دقيق.

يظهر عماد مغنية، منذ الحلقة الأولى إلى الرابعة والأخيرة، وكأنه كائن منفصل عن أي سياق عام، لمجتمع وبيئة وشعب ووطن بأكمله. حتى عندما يكتب أحدهم سردية حول عدو، فإنه على الأقل يعرض هذا العدو من موقعه الحقيقي الفعلي، ولو أنه سيحكي عنه من زاوية رؤية مختلفة عن كونه بطلا، بل إرهابياً كما يدعون، ولكن ذلك لا بد أن يكون بمعلومات حقيقية، واقعية، إذا أرادوا عملاً مهنياً كما يروجون.

يظهر عماد مغنية مع زوج أخته مصطفى، إشارة إلى الشهيد مصطفى بدر الدين، وأخيه حيدر، في أغلب الأحداث الأولى التي جرت في فترة الثمانينيات، دون أي إشارة إلى ارتباط هذا الفكر باحتلال أرض، أو برؤية أيديولوجية. ظهر عماد مغنية وكأنه تابع لإيران، فقط من أجل المال والسلاح، وقد وردت في المسلسل الكثير من التساؤلات حول وجود إيران في لبنان، وتُركت كلها بلا إجابة، بل أظهرت إيران هنا، وكأنها تدير شاباً لأهدافها الخاصة، وأقحمت السيد محمد حسين فضل الله ليحذر عماد مغنية منها. من الطبيعي أن لا ننتظر إعطاء أي حق لعماد مغنية من قِبل أعدائه، ولكننا نذكر ذلك على الأقل من باب المهنية العلمية التي يدعونها.

أين البحث العميق إذاً؟، حين تظهر القرية اللبنانية التي خرج منها أحمد، بالإشارة إلى الاستشهادي الأول أحمد قصير، وكأنها قرية من العصور الوسطى، في وسط صحراء، فلا هكذا هي أرض الجنوب، ولا أتى أحمد قصير من بيت معزول منفصل عن حياة أهل قريته وعائلته وأقاربه.

كما أن عملية إقناع عماد مغنية لأحمد قصير بإجراء العمل الاستشهادي الأول، كان فيه من التسخيف الذي اقتصر على لقاء واحد، وإغراء بتأمين حياة أخيه الصغير، وتعليق صوره على الجدران على أنه بطل، وأنه بضغطة زر يذهب إلى الجنة فورا!.

ولكن، من ناحية أخرى يمكننا القول إن هذه الصورة التي أرادوا إيصالها فعلياً، هي حتماً مقصودة، فعدم وضع أي سياق لعماد مغنية، إن من ناحية دينية أو إجتماعية أو وطنية، إنما يُقصد به تعبيره عن نفسه فقط، وأنه لا يعبر عن إرادة شعبه، ووطنه، وكذلك إظهار الاستشهادي أحمد قصير، منفرداً مع إضفاء صفة الانتحار على فعله المقاوم، كان لا بد منه، لإظهاره برأيهم، منفصلاً عن مقاومة كاملة انبثقت من نسيج هذا الشعب الذي عانى الاحتلال.

لا بد أن يُظهر فقط أن عماد مغنية قاتل للأمركيين في كل دول العالم، وأن اغتياله نصراً كبيراً لهم، هم الذين حرص معدو هذا المسلسل على إظهار نواياهم تجاه “السلام ونبذ العنف والحروب”.

فنانون عرب في خدمة التطبيع

ولكن من المؤسف ما نراه هو حضور فنانون عرب في خدمة التطبيع ، كما كتب “علي علاء الدين” في مقاله تحت عنوان ” لبنانيون في خدمة التطبيع.. من ابراهام الى أشباح بيروت”: “ليست المرة الاولى التي يحاول فيها بعض اللبنانيين تمرير موضوع التطبيع والتعامل مع الكيان الصهيوني على أنه امر طبيعي، متماهين مع بعض الاعلام العربي الذي يحاول تجميل فكرة التطبيع، منفذين لأهداف الدعاية الصهيونية.

هي حملة ممنهجة تحاول تعويد اللبنانيين كما العرب على ان التعامل مع الكيان الصهيوني ليس خيانة، فمن ماريا معلوف التي بدأت مسيرة التطبيع العلني لديها مع التحضير لتوقيع اتفاقات ابراهام، حيث حلت ضيفة على قناة 11 العبرية، متغنية بما تقوم به لتعود وتنشر مقاطع وصور لها برفقة صهاينة في احدى الدول العربية، ومن ماريا الى مارسيل غانم الذي يحاول دوماً القول بأن التطبيع هو حرية تعبير وأن العداء للكيان الصهيوني هو وجهة نظر، وصولاً إلى نديم قطيش الذي نشر مقالاً باسمه في “موقع تايم أوف اسرائيل” ليعلن بوضوح عن تطبيعه مع الكيان الصهيوني.

ان هذا الدور الذي يلعبه هؤلاء الاعلاميين، ولكي لا نقول انه منسق مع معهد ميتفيم للسياسات الخارجية الاقليمية (كونه لا يرقى ليكون من صناعة الهاسبارا)، الا انه يتوافق تماما مع اهداف المعهد، وهو محاولة اختراق الوعي اللبناني المعادي للكيان المؤقت، عبر استغلال وجوه اجتماعية واعلامية واستغلال الظروف لتي يمر بها لبنان، لعلها تجعل مسألة التطبيع أكثر حيادية وأقل عداء، وجعل التطبيع قضية خاضعة للانقسام بين اللبنانيين.

سردية ركيكة!

لا يستحق الأمر الكثير من الحديث عن السياق الدرامي، فالسردية ضعيفة جدا، لم ترقَ الحبكة فيها إلى الترابط والتشويق اللازمين واللائقين بالهدف الذي تتباهى أمريكا والكيان الصهيوني أنهما وصلتا إليه بعد معاناة سنين طويلة.

الأداء التمثيلي ليس بتلك القوة اللازمة، حتى اللهجة اللبنانية، لم يُتقنها أحد في المسلسل، بل كأنهم مجتمع هجين، لا يتحدث أحد منهم مثل الآخر.

السيناريو يفتقر إلى الكثير من الحوارات التي كانت فرصتهم الحقيقية في إغناء السردية المشوهة التي يريدون إيصالها. لم نشعر بحجم هذه الشخصية ولا بقوتها وقوة ذكائها، بل تم عرض أفعالها بشكل عرضي. لقد كان التركيز على حياته الشخصية وعلاقته بامرأة ثانية، يُظهرون إقامته علاقة غير شرعية بها، طلبه التزود بالأسلحة الكيماوية، المحرمة دوليا، شربه الكحول، وتلقيه دعوة بقضاء سهرة في ملهى ليلي من الشهيد قاسم سليماني والجنرال السوري محمد، واللذين ظهرا كأنهما وعماد مغنية، رجال عصابات تتعارض مصالحهم وتتلاقى.

إنه فعلياً لتشويه ساذج، فهل يريدون أن يعتقد مؤيدوه بصورته هذه؟، أم أنهم يتوجهون إلى المشاهد الغربي الذي لا يعيب أبطاله شيئاً كونهم يشربون ويرتادون الملاهي الليلية؟، من هنا يفتقر المشاهد لإحساسه بأهمية وعظمة إنجاز الأمريكيين والإسرائيليين باغتيال هذه الشخصية.

توقيت عرض المسلسل

أما عن توقيت عرض المسلسل، فهذه فترة يعاني فيها العدو، من مآزق عديدة، ولكنها فترة أيضاً يظهر للعدو فيها أثر عماد مغنية على حركات المقاومة التي تتصاعد وتيرة عملياتها اليوم لتضييق الخناق أكثر فأكثر عليه. لذلك، يمكن أن نضع عرض المسلسل في سياق تشويه صورة بطل، وبالتالي بيئة ينتمي إليها، حتى لو أغفلوها، لإسقاط تلك الهالة الإيماينة والإنسانية عنه، ولكن، لو أنهم أجادوا نسج كذبتهم هذه حتى يصدقها العالم.

ويبقى لنا أن ننتظر أيضاً، السردية الوطنية الحقيقية لهؤلاء الأبطال من المعنيين بالشأن الثقافي والفني في بلادنا، حتى لا نثبت مقولة إن “الرواية التي لا تكتبها أنت، يكتبها عدوك”.

المصدر: الوفاق

الاخبار ذات الصلة