الناقد السينمائي اللبناني "حسين سماحة" للوفاق:

دراما المقاومة.. رسالة للدول المطبّعة

القصص التي تتناولها دراما المقاومة ليست إلا جزءاً هاماً من تاريخ القضية بأكملها، في وقت الدراما آلية مؤثرة في كتابة التاريخ بالصوت والصورة.

2023-07-02

السينما والدراما تحتل مكانة عالية عند الجميع، ويتابعها الجمهور، وهي أداة هامة يمكن استخدامها إيجابياً أو سلبياً، ولأعمال المقاومة أبجديتها الخاصة، ولها جاذبية للمُشاهد، ولهذه الأسباب نرى انعقاد ندوات لدراسة المواضيع المختلفة في السينما، كما أنه قبل فترة أقيمت ندوة إفتراضية تحت عنوان: “دراما المقاومة في لبنان.. مشاكل وحلول” بحضور خبراء وباحثين فنيين، ومنهم الناقد السينمائي والباحث اللبناني في الدراسات الفنية الدكتور حسين سماحة الذي خاض تجربة جميلة في موضوع التدريب والتعليم والمونتاج والتصوير، ومثّل مع المخرج العزيز الشهيد حسين عبدالله، وعمل أيضاً في مؤسسة “ميراث” لإنتاج الفن التي تتعلق بموضوع الشهداء وترجم العديد من الأفلام والمسلسلات وشارك أيضاً في كثير من الأفلام، ولديه تجربة جميلة جداً في عالم الفن، فاغتنمنا الفرصة وأجرينا حواراً مع الدكتور سماحة حول الدراما، وفيما يلي نص الحوار:

الإنتاج الدرامي العربي

بداية طلبنا من الدكتور “سماحة” ان يبدي رأيه وتقييمه للدراما في العالم العربي، فقال: بغض النظر عن التوصيف التخصصي الذي يمكن تقديمه للإنتاج الدرامي العربي، وما إذا كان سائراً على خط الإنتاج السينمائي والتلفزيوني المتعارف عليه عالمياً  كمرجع للتقييم العلمي، إلا أنه لا مبالغة في القول أن الإنتاج الدرامي العربي يعاني من مشكلات عديدة تختلف حدتها باختلاف الدول والشركات المتصدية للإنتاج، على الرغم من صرف ما يقارب البليون دولار، أنفقت على الدراما العربية خلال العام الفائت. كما أنه كان للإنتشار الواسع للدراما الأجنبية (التركية والمكسيكية على وجه الخصوص) في الدول العربية أثراً يعتدُّ به في رسم خارطة الدراما العربية.

في التفاصيل، يمكن القول أن الدراما المصرية تعاني من مشكلة احتكار الشركات العملاقة المعدودة للإنتاجات الدرامية، فيما تكتفي الشركات الصغيرة الأخرى بالمشاركة معها في الإنتاجات. وبالتالي فإن تلك الشركات العملاقة استطاعت احتضان العاملين في الدراما من فنّيين وفنانين، واتخذت من وسائل الإعلام المصرية منصة لها للتسويق لأعمالها.

هذا الأمر ولَّد حالة من الرتابة أو الروتينية في المضمون والشكل، بعيداً عن حسّ المنافسة التي شهدتها الدراما المصرية سابقاً مع مثيلاتها في الشركات والدول العربية الأخرى.

هذه المعضلة أثرت بشكل مباشر على المشاهد العربي، الذي كان يرى في الدراما المصرية متنفَّساً له ونافذة للمعرفة والتسلية في آن معاً، ما دعاه إلى البحث عن بديل.

من هنا جاءت القنوات التلفزيونية الخاصة التي خرجت من إطار ضرورة الإنتاج العربي البحت، لتلعب دوراً في سد الفراغ الحاصل من خلال تعريب الأعمال التركية والمكسيكية بعيداً عن الرتابة التي ولَّدَها احتكار الشركات الكبرى للإنتاج الدرامي المصري.

تعتبر هذه المرونة في الإنتقال من شكل درامي عربي أصيل إلى الدراما المعرَّبة سيفاً ذو حدين نتيجة للأفكار المختلفة التي يمكن أن تتسلَّل إلى البيئة العربية ومدى تأثيرها الإيجابي أو السلبي على حد سواء، وهو موضوع خارج سياق حديثنا الحالي.

الدراما في لبنان

وتابع سماحة: أما في لبنان فعلى الرغم من الهبوط الحاد الذي شهدته الدراما اللبنانية خلال فترة الحرب الأهلية، بعد أن كانت بيروت عاصمة الإستوديوهات العربية ومركزاً لتحميض الأفلام السينمائية العربية (إلى جانب القاهرة)، وبعد السبات العميق الذي شهدته هذه الدراما منذ فترة الإجتياح الإسرائيلي للبنان ونهاية الحرب الأهلية وفترة التسعينيات، استطاعت هذه الدراما النهوض من خلال بعض الشركات والأعمال من مسلسلات وأفلام، لم ترقَ إلى مستوى الإنتشار العربي والعالمي، بل بقيت رهينة السوق اللبنانية لا أكثر (إلا ما رحم ربي)، فيما بقيت صورة الدراما اللبنانية الحقيقية تُختصر ببعض الأسماء والتجارب الشخصية الخاصة منها: نادين لبكي وجورج وخباز و… وغيرهم.

بعد عام 2011 ومع بدء الأزمة السياسية والعسكرية والأمنية السورية، وما أفرزته من نزوح سوري كبير إلى المناطق اللبنانية، شكل الفنانون السوريون جزءاً مهماً من هذا النزوح الذي فرض ظهور الأعمال السورية – اللبنانية المشتركة. هذا الإختلاط بين العنصرين الفنيَّين اللبناني والسوري ساهم في إنعاش الدراما اللبنانية بشكل ملفت للأنظار، وشجَّع الجانب اللبناني على خوض تجربة الشركات اللبنانية المستقلة التي تطمح إلى إنتاجات لبنانية صرفة، وبقدرات محلية بالكامل، لكن ذات عمق عربي وعالمي.

الدراما في دول الخليج الفارسي

وأضاف سماحة: أما الدراما في دول الخليج الفارسي، فعلى الرغم من بطء القيامة التي تشهدها، نرى أن هذه الدراما استطاعت أن تجد القالب العام الجيد لها في الشكل، لكن ليس في المضمون، من خلال الميزانيات الهائلة التي صُرفت عليها في الإنتاج والتصوير والديكور وغيرها من العناصر المكوِّنة لشكل الدراما.

بدا ذلك واضحاً في بعض الإنتاجات السعودية الأخيرة التي لاقت رواجاً ملحوظاً لدى جمهور دول الخليج الفارسي (فيلم “سطار” حقق أعلى إيرادات على مستوى العالم العربي)، بعكس ما كان رائجاً في السنوات الأخيرة من خلاف حاد بين الدراما والجمهور في دول الخليج الفارسي.

أما في المضمون، فمن الواضح أن الدراما في دول الخليج الفارسي تعاني من أزمة كتابة حادة، لا بل يبدو أنه من الصعب التعرُّف على كاتب ترك بصمة مؤثرة في دراما دول الخليج الفارسي والدول العربية. ومع ذلك يرى خبراء من هذه الدول أن المستقبل لن يكون معتماً بل إن التفاؤل سائد بين الأوساط الفنية التي ترى في الأجيال القادمة مجموعة احترافية يمكن أن تقلب الطاولة على ثغرات الدراما في دول الخليج الفارسي في القريب العاجل، لتضعها في مصاف الدراما العربية المنافسة.

الدراما في سورية

تطرق سماحة إلى الدراما السورية ومتابعة لكلامه قال: موازاة لذلك، لا تزال الدراما السورية تتربع على عرش غالبية الشاشات العربية وخاصة في أوج السباق الرمضاني كل عام، على الرغم من ما تعرَّضت له سوريا من حرب كونية عليها، ويُحسب للسوريين قدرتهم على الحفاظ على السير التصاعدي للدراما في بلدهم، وقدرتهم على الإستمرارية رغم الظروف القاهرة.

إذ لا يخفى على أحد مستوى التقدُّم والرقي والتطور الذي شهدته الدراما السورية كمّاً ونوعاً، وسيطرتها على الشاشات العربية، نظراً لتنوع موضوعاتها واعتمادها أعلى مستويات التنفيذ والإنتاج. في الوقت ذاته شهدت الساحة الدرامية السورية امتعاضاً من بعض الأسماء المهمة فيها، انتقاداً لما آلت إليه آليات الإنتاج التي لم تعجب البعض، واعتبار تلك الآليات فرصة لهيمنة الشركات المعروفة وقتل عاماً للشركات المحدودة والحديثة الإنشاء.

الأمر الذي ينبئ بالمعضلة التي تعاني منها الدراما المصرية. إضافة إلى ذلك يمكن القول إن انتشار الدراما التركية استطاع سحب البساط من تحت الكثير من وهج الأعمال السورية، بعد أن لاقى المسلسل التركي رواجاً ملفتاً لدى المشاهد العربي، علماً أن شركات الإنتاج السورية كانت سباقة إلى ترجمة ودبلجة المسلسلات التركية وهي التي عملت على ترويجها بشكل كبير. في الآونة الأخيرة حجزت الدراما التركية موقعها في العالم العربي لدرجة القيام بتنفيذ أعمال سورية تركية مشتركة تمَّ الإنتهاء من تصويرها منذ فترة، وشجَّع على ذلك تفاعل الجمهور العربي مع الدراما التركية.

دراما المقاومة

عندما سألنا من سماحة مواصفات دراما المقاومة والانتاجات في هذا المجال، رد علينا بالجواب: من الصعب حالياً الحديث عن دراما تحت عنوان “المقاومة”، بمعنى أن تكون نوعاً قائماً بحد ذاته كالرعب والأكشن والخيال العلمي والكوميديا وغيرها من التصنيفات المتعارف عليها. إلا أنه برزت في الآونة الأخيرة طائفة من الأفلام والمسلسلات الدرامية التي تتخذ من موضوع المقاومة مضموناً لمحتواها، تمَّ نشرها تحت عنوان دراما المقاومة، إلا أنها لا تحوي عناصر مختلفة عن بقية الأنواع لتمييزها، لا في التصوير ولا في الإخراج ولا في أي من العناصر الدرامية الأخرى التي تميِّز كُلاً من تلك الأنواع.

بل ربما يمكن القول أنها مزيج من خصائص الأنواع الأخرى. ففي نظرة عامة على الإنتاجات المرتبطة بهذا النمط يمكن رؤية النفحة الإجتماعية الواضحة التي تحكي قصصاً من بيئة المقاومة، يضاف إليها بعض الإثارة والتشويق والأكشن، والحربي بطبيعة الحال، بما أننا نتكلم عن قضية مقاومة العدو الإسرائيلي بالأساليب العسكرية والأمنية في المرتبة الأولى.

منذ أوائل التسعينيات، بدأت المقاومة بتفعيل مجال الإنتاج الدرامي نظراً لما لحظته من أهمية الخوض في عمليات الحرب الناعمة ونقل الحقيقة وسحب البساط من تحت أقدام العدو الذي بدأ مبكراً في تزوير الحقائق وبث الأكاذيب، بهدف إيجاد شرخ بين المقاومة وجمهورها.

الجمهور الذي كان دائماً وما زال، جزءاً لا يتجزأ من معادلة المقاومة وتحمُّل المسؤوليات وصناعة الإنتصارات، والأهم من ذلك، أن القصص التي تتناولها دراما المقاومة ليست إلا جزءاً هاماً من تاريخ القضية بأكملها، في وقت تعتبر فيه الدراما آلية مؤثرة في كتابة التاريخ بالصوت والصورة، تزامناً مع كتابته بالطرق التقليدية.

من هنا كان لا بدَّ للمقاومة من ملء الشاغر على الشاشة الصغيرة والكبيرة سريعاً وفي آن معاً، وإلا لكان بإمكان العدو أن يملأ ذلك الفراغ بالطريقة التي يراها هو مناسبة، ما يعدُّ أمراً بغاية الخطورة، فشهدت الساحتان اللبنانية والفلسطينية حركة درامية لكنها لم تكن بالمستوى الذي كان ينتظره الجمهور منها بما يتلاءم مع الإنجازات الميدانية للمقاومين، إلا أن القيمين عليها دأبوا على تطوير هذا النوع من الدراما وفق الإمكانات المتاحة، وعلى هذا الأساس يمكن القول أننا نشهد تطوراً ملحوظاً في الشكل والمضمون والإمكانات عاماً بعد عام مع كل الثغرات الموجودة التي يمكن الحديث عنها في الوقت المناسب.

من هذه الإنتاجات يمكن ذكر مسلسلات لبنانية منها: “الغالبون” بجزئيه الأول والثاني، “قيامة البنادق”، “ملح التراب”، “بوح السنابل” وغيرها، ومسلسلات فلسطينية منها: “الفدائي” بجزئيه الأول والثاني، “بوابة السماء”، “شارة نصر جلبوع” وغيرها.

إضافة إلى كل هذا لا يمكن التغافل عن نوع من أنواع أفلام المقاومة اختلف مستواها الفني والإحترافي باختلاف الإمكانات والميزانيات المصروفة لها، إلا أنها لاقت استحسان جمهور المقاومة إلى حد كبير، أذكر منها فيلم “طيف اللقاء” وفيلم “نقطة فداء” من إخراج الشهيد المخرج “حسن عبد الله”، وفيلم “خلة وردة” للمخرج اللبناني “عادل سرحان” وفيلم “أهل الوفا” للمخرج السوري “نجدت أنزور”، وكلها كانت من إنتاج مؤسسات المقاومة في لبنان بالكامل.

الأفلام المشتركة الإيرانية اللبنانية

وتابع سماحة: كما يمكن الحديث عن طيف من الأفلام المشتركة الإيرانية – اللبنانية التي كانت تتخذ من المقاومة في لبنان وفلسطين مضموناً لها والتي عُرضت في الصالات وعلى الشاشة الصغيرة والتي لاقت رواجاً كبيراً لدى الجمهور المستهدف نذكر منها الفيلم المؤثر والذي اعتُبر تحفة فنية في زمانه وهو فيلم “المتبقي” من إخراج الإيراني “سيف الله داد” وتأليف “غسان كنفاني” عام 1994.

إضافة إلى ذلك يمكن ذكر الأفلام التالية: “هيام”، “جرح الزيتون”، “ولادة جديدة”، “33 يوماً”، “حبل كالوريد”، وفيلم “أبو زينب” الذي يحكي قصة الإستشهادي “عامر كلاكش” ضمن قالب درامي راقٍ وبإنتاج إيراني – لبناني مشترك.

دور الإعلام الحربي في المقاومة

وفيما يتعلق بأهداف دراما المقاومة والحصول عليها، أم المشاكل والحلول في هذا المجال قال الدكتور “سماحة”: لقد استطاعت الدراما التي تتخذ من مقاومة العدو الإسرائيلي والصراع بين محور المقاومة والمشروع الغربي في المنطقة موضوعاً لها، أن تحقِّق أهدافاً بالغة الأهمية رغم كل الثغرات التي تعاني منها منذ انطلاقتها في تسعينيات القرن الماضي. ومن البديهي أن تكون قيادة المقاومة قد وضعت أهدافاً ذات أهمية بالنسبة لها كانت بمثابة دافع لها للإنطلاق في خيار التوجه إلى محاكاة قصص المقاومة من خلال الدراما. ظهرت هذه الأهداف على ثلاثة محاور:

1- الحرب الناعمة ودحض أفكار العدو ومواجهة دعايته الكاذبة.

2- توجيه رسالة إلى بيئة المقاومة باعتبارها ركناً أساسياً في المواجهة بهدف تثبيت العزائم ونشر الحقائق وتصويب المفاهيم ومنع اختراقات العدو.

3- توجيه رسالة إلى الدول المطبعة مع كيان العدو.

لعب الإعلام الحربي في المقاومة في فلسطين ولبنان دوراً بارزاً في المعركة المستمرة مع كيان العدو الصهيوني من خلال تصوير أنشطة المقاومة العسكرية والأمنية وغيرها، ومونتاجها وبثها في وسائل إعلام تابعة لمؤسسات المقاومة وكانت وما زالت تصل إلى أكبر شريحة من المجتمعات المختلفة خصوصاً بعد انتشار ظاهرة وسائل التواصل الإجتماعي، ولطالما كان الإعلام الحربي رديفاً لمؤسسات إعلامية أخرى منها القنوات التلفزيونية ودور العرض (على قلتها) والإذاعات والصحف.

دراما على أساس إنجازات المقاومة

وأضاف سماحة: لكن الدراما احتلت في الآونة الأخيرة مكانة هامة فكان لابد للمقاومة أن تخوض المعركة من خلال هذا الميدان لدحض أفكار العدو ومواجهة دعايته الكاذبة، التي لطالما سعى من خلالها لحرف الحقائق واللعب على وتر ضرب هيبة المقاومة واعتبارها شكلاً من أشكال الإرهاب وترسيخ فكرة خروجها عن القوانين والأعراف الدولية واعتبار المجاهدين حفنة من الشباب البائس والمغامر الذي يقود مجتمعه إلى الهاوية بسبب عدم التكافؤ واستحالة مواجهة جيش بمستوى جيش العدو الصهيوني في العدة والعديد والمستوى العلمي، وغيرها من المغالطات التي سعى العدو لنشرها في المجتمعات العربية والإسلامية لترسيخها كحقيقة لا يمكن تجاهلها على مبدأ أن “العين لا تقاوم المخرز”.

لكن دراما المقاومة لعبت دوراً بارزاً في إيصال الحقيقة إلى العدو وعسكره وبيئته الإجتماعية ومفادها أن المقاومة استطاعت هزيمته في الكثير من المواقع والمواقف منذ النكبة والنكسة إلى اجتياح لبنان والوصول إلى بيروت وصولاً إلى تحرير الجنوب اللبناني وتحرير غزة حتى باتت اليد الطولى للمقاومة في ميدان العمل العسكري والأمني.

كان ذلك من خلال تمثيل أبرز العمليات التي لَوَتْ ذراع العدو من العمليات الإستشهادية في مسلسل “الغالبون” إلى عملية أنصارية التي أثبتت تفوق المقاومة الإستخباري إلى الإنتفاضة الأولى والثانية وما شهدته من صمود أسطوري للشعب الفلسطيني، إلى الإشارات التي بيَّنت تفوق المقاومة السياسي في حرب نيسان 2006 إلى تحرير الجنوب وغزة، إلى مجريات حرب تموز 2006 وانتصار جلبوع وإنجازات المقاومة الفلسطينية في الحروب الإسرائيلية المتعاقبة على غزة والضفة.

هذه المواضيع وغيرها كانت مادة دسمة شكّلت نواة المعالجة الدرامية لمختلف المسلسلات والأفلام التي أنتجتها المقاومة في لبنان وفلسطين طوال السنوات الفائتة، وصنعت جبهة مواجهة ضد الدعاية الكاذبة التي أراد الإسرائيلي بثها لحرف الحقيقة في المجتمعين الدولي والإقليمي. كان هذا أحد أهم الأهداف الذي عملت دراما المقاومة على تحقيقه من خلال الدراما، وما زالت تعمل على تحقُّقه أكثر فأكثر.

دراما المقاومة تعمل على تصويب المفاهيم

وتابع الدكتور سماحة: موازاة لذلك استطاعت دراما المقاومة سد النقص الحاصل (ولو جزئياً) في التوجه إلى الدراما الهادفة من خلال التعرُّض للمواضيع المفيدة والعميقة التي أثبتت أن جمهور المقاومة متعطش للعودة إليها بعد ما شهدته الدراما العربية والإسلامية من سطحية وهزلية وانحطاط في المحتوى، بعد الغزو الثقافي والإعلامي الذي مارسته الدراما التركية والمكسيكية على المنطقة.

من هنا يمكن القول أن دراما المقاومة تعمل على تصويب المفاهيم التي حاول العدو زعزعتها بشتى الوسائل وتبيين المستوى العملياتي والعلمي التي وصلت إليه المقاومة بهدف تثبيت العزائم وشد الهمم خصوصاً بعد الهجمة الإقتصادية والإجتماعية التي يشنها كيان العدو الصهيوني على يد بعض الدول الغربية وربيبته الولايات المتحدة الأمريكية. ويبدو واضحاً الصبر الإستراتيجي الذي تمارسه بيئة المقاومة في هذه الحرب الشعواء، فكانت الدراما أحد أسلحة المقاومة في هذا المجال.

رسالة دراما المقاومة

وأضاف هذا الناقد والباحث اللبناني: أما بالنسبة إلى الرسالة التي وجهتها دراما المقاومة إلى الدول المطبعة مع كيان العدو فمفادها أن الكيان الصهيوني هو عبارة عن عدو متجبر متكبر فاسد لا يحسب حساباً للدول التي تتعامل معه ولا للعملاء الذين يتجرأون على معاداة أوطانهم مقابل حفنة من الدولارات، وما حفلات التطبيع التي شهدناها في الفترة الأخيرة إلا محاولات تصبُّ في مصلحة الكيان الغاصب بالمرتبة الأولى وإلا لما كان ذهب إليها كرمى لعيون بعض الدول الضعيفة.

كان ذلك من خلال تبيين دور العميل في كل إنتاجات المقاومة الدرامية، التي أظهرته شخصاً منبوذاً من قبل العدو ومن المقاومة على حد سواء وأن مصيره إما الموت أو الإستسلام وبالتالي السجن أو الهروب إلى كيان العدو أو بعض الدول التي تمارس بحقه كل أنواع التمييز العنصري والطائفي والمذهبي والفئوي.

وكان كبير عملاء جيش لحد المدعو “أنطوان لحد” أبرز مثال على ذلك بعد أن هرب إلى كيان العدو ولم يجد مكاناً يُدفن فيه بعد موته.

من هنا نستطيع القول أن مسيرة الدراما في المقاومة استطاعت تحقيق أهداف واستراتيجيات مهمة للغاية، لكن الأمر لا ينفي الحاجة إلى تنويع المواضيع والإكثار من الإنتاجات وسد الثغرات في المضمون ورفع المستوى في التنفيذ.

الإنتاجات الإيرانية العربية المشتركة

بعد ذلك تحدث لنا الدكتور سماحة حول الإنتاجات الإيرانية العربية المشتركة وردة فعل الجمهور، فقال:  تضرب العلاقات الإيرانية العربية في المجال الثقافي – الفني عمق التاريخ نظراً لتقارب الجغرافيا من جهة وتقاطع مصالح الطرفين في فترات زمنية مختلفة، وكان مستوى تلك العلاقات يتفاوت بتفاوت الأحداث الجيو سياسية في المنطقة والعالم، ومدى تأثيرها على الثقافة والفنّ في المنطقة. فشهد التبادل الثقافي والفني الإيراني – العربي زواجاً وطلاقاً على طول الخط الزمني في المنطقة، إلا أن السنوات الأربعين الماضية (أي بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران) كانت شاهدة على ولادة جديدة لعلاقات فنية إيرانية – عربية بدأت في الثمانينيات وما زال رسمها البياني في حالة تصاعد مستمرٍّ باتجاه التحسين والتطوير وزيادة الإنتاج.

عام 1988 كانت نهاية الحرب المفروضة خلال ثماني سنوات، وكان مع نهايتها إنتاج فيلم “الرصاص” الذي اختار القضية الفلسطينية مضموناً له، مثبتاً أن ثماني سنين من الحرب لم تحرف البوصلة الإيرانية عن قضايا الأمة وعلى رأسها قضية فلسطين، فنقل الفيلم وجهة نظر مجتمع بأكمله حول هجرة اليهود إلى فلسطين. كان هذا الفيلم من إخراج المخضرم الإيراني “مسعود كيميائي”، وفتح باباً أمام مسيرة من الأفلام الإيرانية التي تحكي قضايا دول وشعوب المنطقة، في وقت لم تضع الجهات المختصة موعداً زمنياً محدداً لإنهاء تلك المسيرة.

فكرَّت السبحة مع فيلم “النار الخفية” عام 1990 و “المتبقي” عام 1994 و”لبنان حبي” عام 1995 و”قواعد اللعبة” و”سبعة أحجار” عام 1997 .

مع انسحاب الجيش الإسرائيلي المذلِّ من لبنان عام 2000 كان لا بد من مواكبة هذا الحدث التاريخي الإستثنائي الخاص من خلال سردية درامية تحكي قصة عشرين سنة من الجهاد والمقاومة والشهادة من جهة وتوجيه البوصلة إلى رأس هرم الصراع ضد كيان العدو الصهيوني وهو قضية الداخل في فلسطين المحتلة بعد أن أثبت انتصار لبنان إمكانية تحقيق انتصار على الصهاينة في فلسطين وإمكانية هزيمة الجيش الإسرائيلي، وإمكانية إجبار إسرائيل على الإنسحاب من الأراضي التي احتلتها دون قيد أو شرط وتحت خط النار، وأن تحرير فلسطين ممكن لا بل مؤكد.

ترجمة ودبلجة الإنتاجات الإيرانية

وأضاف سماحة: هنا أزاحت الجهات الإيرانية المختصة في الدراما الستار عن مسلسل  “زهراء ذات العيون الزرقاء” عام 2001 الذي سلط الضوء على ممارسات الكيان الصهيوني الغاصب ضد أهل غزة والطفولة المذبوحة على أرض فلسطين، ومنذ ذلك الحين، وبعد الرواج الملفت الذي لقيه المسلسل المذكور، أُنتجت باكورة من الأفلام والمسلسلات المشتركة التي لاقت استحسان وتأييد المتابعين.

هنا لمس المعنيون عناية خاصة للمشاهد العربي بالدراما الإيرانية، فكان التوجه إلى ترجمة ودبلجة الإنتاجات الإيرانية وبثها في السوق العربية ومنها ما لاقى نجاحاً باهراً  كمسلسل “يوسف الصديق” الذي قد لا يخلُ بيت عربي من المحيط إلى الخليج الفارسي إلا وعُرض فيه، وغيره من المسلسلات الناجحة أذكر منها “أهل الكهف” و”مريم المقدسة” و”رستگاران” و”ستايش” و”هناس” و”دون موعد مسبق” ومئات الإنتاجات الأخرى التي لا يسع المقام لذكر أسمائها. يعود هذا الإهتمام العربي إلى المستوى الراقي الذي وصلت إليه الدراما الإيرانية في التنفيذ (الإنتاج والإخراج والتصوير و…) والمواضيع المهمة التي تطرحها والتي تلامس عقول وقلوب الإنسان العربي والمسلم واهتماماته على وجه الخصوص.

مواجهة الحرب الناعمة

وحول مواجهة الحرب الناعمة التي يشنها العدو، قال الدكتور سماحة: إستناداً إلى جملة ما قرأناه حول الحرب الناعمة وتعريفها، وخلاصةً لكل التعريفات المتشابهة التي وُضعت لها والتي تختلف في ما بينها في الشكل لا في المضمون، يمكن تلخيص تعريف الحرب الناعمة بأنها القدرة على تحقيق الأهداف وإخضاع الآخرين (أعداء أو خصوم) من خلال الجاذبية العقلية والإحساساتية والبيانية، بعيداً عن استخدام الخشونة بمختلف أشكالها إن كانت العسكرية أو الأمنية أو حتى اللفظية منها.

وكان قائد الثورة الإسلامية السيد علي الخامنئي (دام ظله) قد عرَّف الحرب الناعمة وشرح أدواتها وحيثياتها وأهدافها بشكل مبسَّط ومفصَّل، أقرب إلى الواقعية والعملانية التي نشاهدها في يومياتنا، معتبراً إياها غزواً ثقافياً يُراد منه التأثير على  الإرادات والعزائم والسياسات والآراء وإيجاد الترديد والشكّ عن طريق النفوذ والكذب ونشر الشائعات واختراق الحدود الإيمانيّة والعقائديّة والثقافيّة تمهيداً لإحباط الناس وحرفهم عن المبادئ السامية التي يؤمنون بها.

ومن البديهي أن تُدار المعارك في الحرب الناعمة بناء على أسس وقوانين وأهداف وحيثيات وبرامج واضحة وبالتالي فمن المنطقي أن تعتمد مواجهتها على إخماد مفاعيلها وإبطال أهدافها وتصفير نتائجها. ولما كانت أهداف العدو في الحرب الناعمة تعتمد على استهداف الجوانب المعنوية والعقائدية والأيديولوجية من خلال الترويج لثقافات بديلة مستوردة لا تتناسب مع الأصالة والقيم العليا التي تذخر به ثقافتنا، فكان لا بد من مواجهة العدو بذات السلاح الذي يشن به حربه على مجتمعنا من خلال تثبيت الجوانب المعنوية والعقائدية والأيديولوجية في العقول والقلوب والأرواح بكل الأدوات المتاحة منها الإنتاجات العلمية والأدبية والفنية.

وأظن أنه لا داعي لإثبات الدور الجوهري والعميق الذي تلعبه الإنتاجات التصويرية والصوتية (فيلم، مسلسل، أنيميشن، غرافيك، و…) في هذه المعركة المفصلية. كما عمل العدو في الفترة الأخيرة على صناعة رأي عام يتماشى مع تطلعاته الإستعمارية والإستكبارية بهدف سَوْق هذا الرأي العام إلى استسهال الكذب وإلقاء الفتن وإذكاء الإضطرابات.

ساهم في ذلك القدرة الخارقة التي فرضها انتشار وسائل التواصل الإجتماعي التي حذفت أية إمكانية للسيطرة والإحاطة بهذه التقنيات، فأصبح كل فرد في المجتمع يحمل سُمَّه القاتل بيده (الهاتف الخلوي) وبات مسؤولاً عن المواجهة وعدم الوقوع في فخ العدو لوحده دون إمكانية طلب المساعدة.

وهنا تبرز المسؤولية الكبرى للمؤسسات الثقافية والإعلامية والتربوية التي تقع على عاتقها مواكبة التطور وصناعة التطبيقات وإدارة الحملات الإعلامية لتكون سبّاقة لإقتحام عقول الشباب وقلوبهم قبل غزوها من قبل العدو.

صناعة محتوى عالي المستوى

وهكذا إختتم سماحة كلامه: وبالتالي أقول أن مواجهة الحرب الناعمة التي يشنها العدو على بيئتنا تكمن في صناعة محتوى عالي المستوى في الشكل والمضمون، يؤكد على الحفاظ على المثل العليا التي بُني مجتمعنا على مفاهيمها بهدف الحفاظ على الهوية، والحد من تأثير المفاهيم السامة التي يحاول العدو تصديرها واقتحام عقولنا من خلالها.

من الواجب التأكيد على ضرورة رفع مستوى القالب الذي يتم من خلاله تقديم هذه المفاهيم، ولا يخفى على أحد التأثير الخاص الذي لعبته أفلام الأنيميشن وفيديوهات الكوميك موشن والموشن غرافيك التي يتلاءم قالبها مع منصات وسائل التواصل الإجتماعي، للمضي في مسيرة مواجهة الحرب الناعمة التي اعتمدها العدو في العقود الأخيرة.

من هنا أدعو نفسي والآخرين لمواكبة التطور الحاصل في هذا المجال وخاصة ما انتشر مؤخراً في موضوع الذكاء الإصطناعي، والمیتافرس وآخر صيحات الألعاب الإلكترونية ثلاثية الأبعاد وكل تقنيات الجيل الخامس.

موناسادات خواسته

 

 

 

المصدر: الوفاق/ خاص