حسب ما جرت العادة، تعتمد الدول التسويق لمشاريعها السياحية وصناعاتها وشركاتها الاستثمارية. لكن، ان تقدم الحكومات على أسلوب الدعاية لمعتقلاتها وسجونها، هو سابقة سعودية تهدف من ورائها إلى لملمة اثار الدماء والتعذيب والانتهاكات التي ترافق اسم “معتقل الحائر”، على الدوام.
في 1 آذار/ مارس عام 2015، نشرت صحيفة واشنطن بوست الأميركية، مقالاً تحدّثت خلاله عن “مزايا” هذا المعتقل. ويروي الصحفي كيفن سوليفان، ملاحظاته التي عاد بها بعد زيارته للسجن التي سمح بها بعد “حظر دخول الصحفيين ومراقبي حقوق الإنسان، كان قد استمر طويلاً”. يقدم سوليفان السجن على أنه فندق لا يدخله إلا الأثرياء، وراح يصف “السجادة الحمراء التي تمتد على طول ممر طويل، حيث تحتوي كل من الزنزانات الـ 38 الخاصة على سرير بحجم ملكي وثلاجة وتلفزيون ودِش”.
ويكمل سوليفان -الذي كان قد أشار في مقدمة مقاله إلى ان السجناء في المعتقل هم من الإرهابيين- القول بأن “الحكومة السعودية تضع عائلة كل نزيل ضمن الرعاية الاجتماعية، وتمنحهم الحكومة نقودًا مقابل الطعام والإيجار ورسوم المدرسة، وتدفع نفقات السفر الجوي والفندق للعائلات التي تزورها – حتى بالنسبة للسجناء الأجانب الذين تعيش عائلاتهم في الخارج”. ويتابع “برفقة الحراس، يُسمح للعديد من السجناء بحضور الجنازات وحفلات الزفاف لأفراد الأسرة المقربين، ويتم منحهم ما يصل إلى 2600 دولار نقدًا لتقديمها كهدية زفاف”.
بعد ان كانت الصحيفة قد نشرت مقالاً آخر، تحت عنوان “الحقائق وبعض الاساطير عن حقوق الانسان في السعودية”، في 9 شباط/ فبراير عام 2015، إضافة لعدد من المقالات في الفترة نفسها، أُريد من خلالها “تنظيف صورة الرياض”.
ويمكن فهم هذا الضخ الإعلامي الكبير، إذا ما تم القاء الضوء على توقيته، الذي جاء في ذروة التوافق الأميركي- السعودي، الذي تُرجم بحرب مشتركة على اليمن. خاصة ان الصحيفة نفسها، قادت حملة “نبذ السعودية”، بعد جريمة مقتل الصحفي المعارض جمال خاشقجي في تشرين الأول/ أكتوبر عام 2018، ولا تزال إلى اليوم.
لا شك ان الرياض تنفق مليارات الدولارات سنوياً لأجل لملمة فضائح القتل والاجرام التي تحدث في السجون كما في دور الايتام والشوارع والمؤسسات على حد سواء. إلا ان القلق الدائم من سجن “الحائر” له دوافعه الفعلية.
يعد سجن الحائر أكبر السجون في المملكة، ويقع على بعد 40 كلم جنوبي الرياض، وهو أكثر سجون البلاد تحصيناً، حيث يخضع لرقابة أمنية مشددة، حيث يروي سوليفان، ان المعتقل “محمي بمدافع رشاشة وابراج حراسة، وبوابة حديدية ثقيلة تخفي ما خلفها بشكل كامل”.
افتتح السجن عام 1983، وتشرف عليه مباشرة، المباحث العامة السعودية، ومعظم سجنائه مدانون في قضايا إرهاب، -الذين قد يكونوا أحياناً من معتقلي الرأي-.
في كانون الثاني/ يناير عام 2021، كشفت منظمة “هيومن رايتس ووتش” عن مجموعة رسائل نصية تلقتها من حارس في السجن، يحكي فيها “مشاهداته المرعبة للحظات تعذيب وسوء معاملة يتعرّض لها المعتقلون من قِبل المحققين”. وبحسب المنظمة التي نقلت عن الحارس قوله بأن “بعض المعتقلات يتعرضن لاعتداء جنسي لم يشهد مثله”، وعن فقدان “إحدى المعتقلات وعيها أثناء التعذيب الوحشي”.
وتتابع المنظمة في تحقيقها ان وسائل التعذيب تتنوع بين الجلد، الصعق الكهربائي، الايهام بالغرق، التحرش والتعذيب الجنسي. فيما تتم هذه الانتهاكات “امام أعين المحققين وبعلمهم، وفي أحيانٍ كثيرة بمشاركتهم”.
ولطالما أحدثت وفاة المفرج عنهم بعد فترة قصيرة، علامات استفهام كثيرة حول الأسباب الموجبة. وعلى الرغم من نفي السلطات السعودية تعرضهم لأي إيذاء جسدي، وسحب الأسباب لإصابتهم بكورونا داخل المعتقل، إلا ان طريقة الوفاة والاثار الدامغة على أجسادهم كانت تكفي لإعادة فتح قضايا السجون من جديد، في المملكة التي تنفق على اخفاء جرائمها، أكثر مما تنفق على مراكز الأبحاث.