مفكر لبناني: الديانة الإبراهيمية من أخطر مشاريع الصهاينة

أقيمت ندوة إلكترونية برعاية القسم الدولي لبعثة الحج الإيرانية تحت عنوان دراسة دور الصهاينة في إثارة التفرقة بين المسلمين وألقى فيها كلمته رئيس مركز الحوار بين الأديان في لبنان الدكتور السيد علي السيد قاسم.

إن العبث بالأدیان عامة و الكید للإسلام خاصة أمر قدیم، قدمه قدم الصراع بین الحق و الباطل و إن محاولات أعداء الإسلام القضاء علی الرسالة الخاتمة لم تتوقف منذ عصر سیدنا النبي محمد صلی اله علیه و آله و سلم، و لم یدّخر أولئك الأعداء وسعا فسلكوا جمیعا الطرق لبلوغ هدفهم و قد أشار القرآن الكریم في قوله تعالی: يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ

و كان نهج التلبیس و الخلط بین الحق و الباطل أساسا في محاولاتهم البائسه و لهذا سجّل القرآن الكریم في قوله تعالی خطاب لبني إسرائیل: وَ لا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَ تَكتُمُوا الْحَقَّ وَ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ

كبر الدور الصهیوني في إثارة التفرقة بین أتباع الدیانات اللهیة و كان علی رأس المؤامرت في الزمن المعاصر، التركیز علی فكرة الدیانة الإبراهیمیة و ذلك منذ الإعلان عن إتفاق تطبیع كل من الإمارات العربية المتحدة و مملكة البحرین مع الكیان الصهیوني المحتل للأرض و المقدسات برعایة أمریكیة و ذلك في أغسطس 2020 و الذي جری توقیعه في البیت الأبیض و في العاصمة الأمریكیة واشنطن في منتصف سبتمبر 2020 بحضور وفود أطراف الإتفاق الثلاثة مع الرئیس الأمریكي دونالد ترامب و أطلق إسم ابراهام علی الإتفاق و كان ترامب قد طلب من السفیر الأمریكي في إسرائیل دیوید فریدمن أن یشرح دواعي اطلاق إسم إتفاق إبراهیم علی وثیقة التطبیع بین إسرائیل و الإمارات و رد حینها السفیر الأمریكي بالقول إنّ إبراهیم كما یعلم الكثیر منكم كان أبا لجمیع الدیانات الثلاث العظیمة یشار إلیه بإسم آبراهام في العقیدة المسیحیة و ابراهیم في العقیدة الإسلامیة و أبرام في العقیدة الیهودیة و لا یوجد شخص یرمز إلی إمكانیة وحدة بین جمیع هذه الدیانات العظیمة الثلاث أفضل من ابراهیم و بهذا السبب تمت تسمیة هذا الإتفاق بهذا الإسم.

فكرة الإبراهیمیة إنما نشأت نسبة إلی نبي الله إبراهیم (علی نبینا و آله و علیه السلام) و قد أطلق علی ما یسمّی بالدیانات الإبراهیمة و المقصود منها الیهودیة و النصرانیة و الإسلام بإعتبار أنها جمیعا تشترك في الإیمان بسیدنا إبراهیم و الإنتساب إلیه و الإعتراف بمكانته الكبیرة و هذا المصطلح وافد من الغرب حیث جری إطلاقه في القرن التاسع عشر یقرر أحد الباحثین أن إستثمار رمزیة ابراهیم لدي المعاصرین قد بدأ في القرن التاسع عشر و بالتالي فإن مصطلح الدیانات الإبراهیمة هو مفهوم حدیث حیث نقرأ منذ عام 1811 عن المیثاق الإبراهیمي الذي یجمع بین المؤمنین في الغرب و ذلك قبل أن یتحول إسم إبراهیم إلی اصطلاح بحثي لدي المورخین في الخمسینیات من القرن العشرین رسخه لوییس ماسینیون في مقالة نشرها عام 1949 تحت عنوان الصلوات الثلاث لإبراهیم أب كل المؤمنین ثم تحولت الدیانات الإبراهیمیة إلی حقل دراسات مستقلة بنفسها عندما نطالع في الدراسات التي تناولت الإبراهیمیة و في واقع من ینادون بها نجد أنفسنا أننا أمام صورتین لكل منهما مفهومه و دلالاته الخطیرة إحدیهما تتمثل في الدعوة إلی الوحدة أو التقریب أو التوفیق بین الیهودیة و النصرانیة و الإسلام و إسقاط الفوارق الجوهریة في ما بینها و الإلتقاء علی القواسم المشتركة فیها و الإعتراف بصحتها جمیعا تحت مظلة الإنتساب إلی سیدنا إبراهیم علیه السلام دون الحاجة إلی أن یتخلل منتسبون لأي من هذه الأدیان عن دینهم الخاص بهم. و إنطلاقا من هذا تقام مجمعات روحیة للأدیان الثلاثة تضمّ دون العبادة الخاصة بالمسلمین و النصاری و الیهود تشتمل علی مسجد و كنیسة و كنیس متلاصقة جنب إلی جنب مثل ما فعلت الإمارات العربیة حیث تقوم ببناء مجمع أو معبد للدیانات الإبراهیمیة الثلاث في أبوظبي بإسم البیت الإبراهیمي یضم مسجد للمسلمین و كنیسة للنصاری و معبد للیهود و كما أراد الرئیس المصري الأسبق أنور السادات حینما أعلن عزمه إقامة مجمع الأدیان لكنه غادر الدنیا قبل بنائه عندما تسقط الفوارق في القیمة الدینیة بین أنماط العبادة ألتي یباشرها الیهود في معبدهم هنالک و الأخری ألتي یباشرها المسیحیون في كنیستهم و كذلك المسلمون في مسجدهم و یصبح كل مباشر لعبادته في المكان الخاص بها مقبول عند الله في نظر الآخر علی معنی أن یعتقد بذلك الیهودي و المسیحي و المسلم أن یعتقد الیهودي بسلامة العبادة ألتي یؤدیها المسیحیة في كنیسته و المسلم في مسجده و یعتقد المسیحي بسلامة العبادة ألتي یؤدیها الیهودي و المسلم هنالك كما یعتقد المسلم أخیرا بسلامة العبادة ألتي یؤدیها المسیحي و الیهودي كل في معبده في هذا المجمع، بل إن الأمر تجاوز إقامة مجمع یضم معابد لأدیان الثلاثة في مكان واحد علی نحو ما ذكرناه إنما ذهب إلی فكرة أخری و هي طبع القرآن الكریم و التوراة و الإنجیل في غلاف واحد ثم تبع ذلك فکرة إقامة صلاة مشتركة تجمع الیهود و النصاری و المسلمین زعموها و أطلقوا علیها بأنها صلاة ابراهیمية أو صلاة أبناء إبراهیم و التي تتمحور بقولهم علی ما أوردوا في هذه الصلاة في فقرة منها أیها الإله القدیر یا خالقنا و یا محب البشر و کل ما صنعت یداك نحن أبناء و بنات إبراهیم المنتمین إلی الیهودیة و المسیحیة و الإسلام مع كافة المؤمنین و جمیع الأصحاب النوایا الحسن نشكرك لأنك أعطیتنا إبراهیم ابن هذه الأرض النبیلة و العزیزة أبا مشتركا في الإیمان. الصورة الثانیة للإبراهیمیة تتمثل في الدعوة إلی توحید الأدیان و دمجها في دین عالمي جدید و هو ما یزعمونه الدین الإبراهیمي و هذه تؤدّي في نهاية المطاف إلی التطبیع مع الكیان الصهیوني.

 

معنی الإبراهیمية مصطلح دیني عقائدي یرتبط برمز دیني فإن الدعوة إلیها لم تكن بعیدة عن السیاسة و مرامیها و لا منفصلة عن مؤسساتها و مخططاتها و خدمة مشاریعها لاسیما في الوقت المنظور الذي یشهد حضورا كثیرا للإبراهیمیة في أروقة السیاسة و دهالیزها و لازال العالم یسمع أصداء الإبراهیمية تتردد خلال الإعلان عن إتفاقیة التطبیع الإماراتیة البحرینیة مع الكیان الصهیوني المحتل و علی ألسنة جمیع الأطراف بل إن الرئیس الأمریكي السابق ترامب الذي رعت ادارته الإتفاق و أشرف علیه قد سمّاه إتفاق إبراهیم كما ذكرنا یقول أحد الباحثین أن استحضار إسم إبراهیم و المسائل الدینية لیست من إبتكارات ترامب و یستعرض أبرز المحتاط التي شهدت إستدعا الإبراهیمية في السیاسة المعاصرة لاسیما في مجال السعي الأمریكي الغربي لتسویة الصراع الإسلامي مع الصهاینة المحتلین لفلسطین فیقول عندما أشرف الرئیس الأمریكي السابق جیمی كارتر علی إتفاق آخر لتطبیع بین إسرائیل و مصر سنة 1978 و 1979 و هو مسمی بإتفاقات كمب دیوید التي وقّع علیها أنور السادات و مناحیم بیغن قال كارتر حینها “دعونا نترک الحرب جانبا دعونا لأن نكافئ كل أبناء الإبراهیم المتعطشین إلی اتفاق سلام شامل في الشرق الأوسط دعونا الآن نستمتع بتجربة أن نكون آدمیین بالكامل وجیراننا بالكامل و حتی إخوة و أخوات في سنة 1993 حین تم توقیع إتفاقیات أسلو بین زعیم الفلسطین الراحل یاسر عرفات و الرئیس الوزراء حینها إسحاق رابین، قال الرئیس الأمریكي بیل كلینتون أثناء إشرافه علی حفل التوقیع في البیت الأبیض: “لأجل هؤلاء یجب أن نحقق نبوءة إشیاء بأن صرخة العنف لن تسمع في أرضكم و لن تصنع الدمار و الخراب داخل حدودكم. إن أبناء إبراهیم أي نسل إسحاق و إسماعیل انخرطوا معا في رحلة جریئة. و الیوم مع بعضنا بكل قلوبنا و أرواحنا نقدم لهم السلام”. لكن في سنة 1994 خلال التوقيع على اتفاقية التطبيع بين إسرائيل والأردن، لم يجدد الرئيس كلينتون إشارته إلى إبراهيم، إلا أنه قال: “في فجر هذا السلام لهذا الجيل، في هذا المكان القديم نحتفل بالتاريخ وبإيمان الأردنيين والإسرائيليين”، واستشهد كلينتون حينها ببعض المقاطع من القرآن والكتب اليهودية المقدسة. بيد أن كلينتون في ذلك الوقت كان قد ترك مهمة الإشارة إلى النبي إبراهيم لنظيره الملك حسين الأردني، الذي قال في خطابه حينها: “سوف نتذكر هذا اليوم طيلة حياتنا لأجل أجيال المستقبل من الأردنيين والإسرائيليين والعرب والفلسطينيين، كل أبناء إبراهيم”.

 

ختاما نقول لقد ظلّت البلاد الإسلامية لقرون تحت سیطرة الدول الغربیة و رغم أن أكثر دول الإسلامية نالت إستقلالها في القرن الأخیر إلّا أنّ أنظمتها السیاسية و الإقتصادية و خصوصا الثقافة الإجتماعية مازالت تحت سیطرة الغربیة و تابعت لها في العالم 1979 جاء المفجّر العظیم بثورة القرن العشرین الإمام روح الله الموسوي الخمیني الذي نجحت الثورة الإسلامیة المباركة في إیران علی یدیه المباركتین و سبّب ذلك لأمریكا خسائر فادحة في بدایة الأمر كان یتصوّر البعض أن الثورة الإسلامية المباركة في إیران جاء تلبیة لإرادة الشعب المتدین و أن قوّادها إستغلوا ذلك و استفادوا من الأوضاع یوم ذاک و أنه بزوال الشاه یمكننا الإستمرار في سیاساتنا عبر أفراد مناسبین لها لكن بمرور الزمان و توسّع ثقافة الثورة الإسلامية المباركة في إیران و مفاهیمها و سریانها لدول المنطقة العراق و باكستان و لبنان و سوریا و الكویت و الیمن و دول أخری وصولا إلی فلسطین المحتلة عرف الجمیع أن الثورة الإسلامیة في إیران باتت أیقونة الفكر المتجدد و الإجتماع و السیاسة و هي الحاضرة في الساحة الإقلیمية و الدولیة و تتمثل بمستوی متقدم من البصیرة العالیة بقادتها إن الثورة في إیران لم تنتصر بسبب فشل سیاسة الشاه تجاهها فقط بل هناك عوامل أخری مثل قوة قائد الولي الفقيه و هیبته و وجود ثقافة الشهادة و ثقافة الإیمان ألتي ترجع جذورها إلی ما قبل 1400 سنة إیران الیوم مع الشعوب المسلمة في المنطقة تحذّر من مخططات الكیان الصهیوني الغاصب و تری السبیل الوحید لمواجهته یكمن في نهج المقاومة ألتي أصبحت جزیرة بدفاع من حیث الفكر كما حققت النتائج المرجوّه في میدان المواجهه هذا الكیان المؤقت یزعم أنه قادر علی أن یصنع لنفسه الأمن عبر مخطط التطبیع و بناء العلاقات مع بعض جهود الإحتلال بعد بالفشل و لن ینجح عبر محاولاته أن ینعم بالأمن و الإستقرار و ذلك بسبب طاعته الخاطئة لتطورات والآفاق المستقبلیة في المنطقة فلسطین و المقاومة یأتي ضمن الثوابت السیاسية الأساسیة في إیران و لن تتردد في سیاق تحقیق انتصارات المقاومة الفلسطینة و تحقیق القدس ألتي تحت راية الشهید الحاج قاسم سلیماني و جمیع شهداء المقاومة.

المصدر: خاص الوفاق